ما هو عدد الأشياء الرقمية التي نستخدمها في حياتنا؟.. لاب توب، حاسوب مكتبي، آي فون، بريد إلكتروني، مدونة، كاميرا رقمية، حساب على فيسبوك أو تويتر، آي باد ..؟. هل تظهر هذه الأشياء في رؤانا عند النوم؟، وهل نحلم أحلاما رقمية ونرى خزعبلات رقمية فنجد أنفسنا نمتطي صهوة فيس بوك ونحن نستمع إلى موسيقى من ال آي بود في سحابة حاسوبية تمطر فيروسات رقمية تصيب مشاعرنا بالسآمة والملل، ثم نستيقظ في فزع على طنين وصراخ فنجد أنفسنا ممسكين بالبلاك بيري وهو يطن ويئن. ألا ينبغي أن نصحو من هذا الفزع الرقمي الذي يملك علينا حياتنا، فلا ننتبه لما يضيع منا من أشياء جميلة تعطي الحياة قيمتها وبهاءها؟.. فلننظر إلى أبنائنا ونستمع إليهم باهتمام وهم يحدثوننا عن مشكلاتهم وصغائرهم التي تملأ حياتهم، ولا ننصرف عنهم للرد على مكالمة على البلاك بيري. فلنتذوق ما نزدرده من طعام لا نعرف شكله ولا طعمه ونحن نقرأ بريدنا الإلكتروني أو نرد على رسالة إس إم إس. فلنترك الهلع الذي ينتابنا إذا سمعنا نغمة الهاتف تطلبنا، فنقطع حديثنا ونترك طعامنا ونسارع لنرد على من يطلبنا، فنجد أنه أحد الثقلاء الذين يقتحمون حياتنا دون إذن، للترويج لسلعة بائرة أو للاستفسار عن أمر تافه. فلنجلس مرة مع أحبائنا ونتجاذب معهم أطراف الحديث عن الحب والجمال ومعاني الطموح وأهداف الوجود، ونترك لبرهة بيع الكلام والانتهازية والرأي الأرعن، والقول الأجوف، والسلوك الشاذ، مما يرد إلينا عبر اليوتيوب. فلنرسم بأيدينا مرة بدلا من أن نستخدم الكاميرا الرقمية لالتقاط صورة، ولنكتب بأيدينا شعرا نذكره بدلا من أن نكتب رسالة بلغة الفرانكو آراب. فلنوقظ مشاعرنا ونعطرها بنظرة إلى غروب الشمس وهي تلقي بشعاعها الأخير على جنبات الأرض أو سطح البحر، بدلا من أن نلهيها ونطمسها بما تعرضه شاشات التلفاز. فلنقض بعض الوقت في قراءة كتاب نشر في الزمن الماضي الجميل، ولنترك قليلا فضاء الإنترنت الذي اختلط فيه الحابل بالنابل، والغث بالسمين، والصدق بالكذب. فلنرفع رؤوسنا ولننظر إلى ما حولنا بدلا من الانكفاء الدائم على أجهزة في حجم كف اليد، ولنتبادل الطرائف والنوادر مع أصدقائنا ومعارفنا فنسعد بهم ومعهم، بدلا من أن نبتسم ونضحك مع أصدقائنا الرقميين ممن لا نراهم ولا يروننا على الفيس بوك. فلنبدأ «ريجيما» رقميا، يبدأ بأن نعطي أنفسنا إجازة من أدواتها لمدة يوم أو يومين، فنغلق كل منافذها: الآي باد والحاسوب المكتبي والتلفاز، ولنخاصم كل أدواتها: الكاميرا الرقمية وال آي بود والبلاك بيري. ثم لنضع حدودا لتواصلنا الرقمي مع الآخرين سواء بالهاتف الجوال أو بالبريد الالكتروني، فنجعل الهاتف صامتا إلا في ساعة معينة ولا نتطلع إلى البريد الإلكتروني إلا في وقت محدد، ولنجعل تلك الأوقات والساعات معروفة لكل من له صلة بنا، وإن لم نفعل ذلك فلن يفعله أحد لأجلنا. ثم فلنعد تجديد صداقاتنا بحيث تكثر المقابلات وتقل المهاتفات، ونتواجد مع أصدقائنا في مناسباتهم بدلا من أن نرسل ال إس إم إس، ولنعد اكتشاف فن المحادثة مع من نحب. إن الريجيم الرقمي لا يعني صياما رقميا بالكلية، ولا يعني إلقاء الأدوات الرقمية وراء ظهورنا، بل يعني أن ننظر إليها بمنظور جديد، منظور يقوم على الحب ولكن باعتدال، وعلى التعاطي معها بدرجة لا تنسينا أننا بشر، وهو أمر يملكه كل واحد منا ولا يملكه أحد لنا.. فلنجعل حياتنا طبيعية مرة أخرى، ولنحول أدواتنا الرقمية إلى أصدقاء لنا، نضيفها إلى قائمة أحبائنا من البشر، فلا نمتنع عنها ولا تحجبنا عنهم. * استاذ المعلومات جامعة الملك سعود. عضو مجلس الشورى.