عند منتصف الطريق قابلته يرتدي معطفا أسود طويلا ويضع قبعة أنيقة قد مالت قليلا صوب أحلامه، رفعت يدي ملوحة إليه وقلت له "صباح الشتاء. أتدخل هنا عبر نفق المكشوف لتبرد وتبوح، هذا هو الشتاء يفتح صدره " رفع كتفيه عاليا.. نظر لي بعد أن وضع يديه في جيوبه الأمامية وقال... أنا نائم. وهذا وجهي.. انه وجه النائم الذي ترينه. أمسك القلم وكتب (الشتاء كعادته في كل مكان، حين يأتي بأيامه الأولى، وقبل أن يذهب بقليل، يفعل الفعلة نفسها.. يفتح صدره ويدخل يديه في أكمامه، ويرمي بكل ما فيها من الخدع الرقيقة، ثم يفرد سبابته الطويلة ويخط بها خطا من البلل الحميم على جسم الرذاذ والوسائد..) يضع القلم في جيبه ثم يدير ظهره لي فيرحل.. فأناديه "إلى أين "؟ يلتفت إلي "عبدالله ثابت ليقول لي (وفي هذه الليلة الباردة.. أنا مثل غريب، أمسك بورقة صغيرة، في شرفة قاصية، جالسا أمام البروق التي تلمع في جانبي السماء ).. الشاعر والقاص عبدالله ثابت يفتح الأبواب عبر المكشوف.. يزورنا هنا بعد أن يقول لي "الأحلام خطرة... أخطر من الخسارات.. ولكن ما عاد شيء يغري هذا القلب، ما أصعب الأوهام حينما تخدعنا فنستسلم لها".. ثم يخرج ورقة وقلما ويكتب عبر الأرصفة والطرقات الواسعة.. يكتب حرفا ثم يرفع رأسه وينظر الي مبتسما ليقول "لا أعرف لو لم أكن كاتبا ماذا كان سيحدث؟!". عبدالله ثابت يعترف عبر صفحة على المكشوف "بأننا لا نستطيع أن نذهب لنهاية الشارع في الحياة لأن هناك زجاجا عاليا في منتصف النفس لا يفلتنا أبدا حتى نهاية الطريق".. وفي الليل وقبل أن ينام تحرك عوالمه كائنات تزوره قبل النوم ليحتدم بداخله الشعور بالصور المتعددة والمختلطة ليدخل فيها ويعيش. هنا عبدالله ثابت.. يدندن لأ بوبكر سالم "سرقت النوم من داخل عيوني" ثم يبسم بشغف ليعلق "كم أحب هذا الرجل".. هنا يقول ما يستطعمه بروحه، وبعد أن ينهي كل ذلك الطيش والركض يقف.. يمسح على معطفه.. يحمل أوراقه... ويرحل. عبدالله ثابت عبر صفحة على المكشوف.. يبوح، يتذكر، يحلم، ينفض عنه الأوهام. ويتعثر فأقول له "انتبه.. حتى لا يقع الطفل الذي بداخلك !. فيهز برأسه معلقا "نحن الكبار من يقع وليس الأطفال!!". منتصف الطريق * مؤلم أن نشعر بأن الأشياء التي ألفناها تتضاءل حينما نكبر، كل شيء يخفت، قلق يأتي، يأخذ معه الأيام ويمضي.. أكبرت بأحلامك أم بخساراتك؟ أم أنك مازلت هناك لدى منتصف الطريق تنتظر شيئا ما سيأتي؟ - كل هذا! نكبر فتضيق الهدايا والألفة، وتنكمش الأيام الطرية. أما الطريق فنفسي تتراءى لي وكأني بالفعل في المنتصف.. وأترقب، أحلم وأرفع كتفيّ، بينما خساراتي الصديقة تقف على مسافةٍ حذرة، تلوّح بيدها كلما أوشكت على الوقوع في مزالق الوجع نفسها. كبرت قليلاً وعرفت أن الخسارات خطرة، لكنها مهما كانت ستبقى شيئاً مما مضى، وبوسعنا أن نركض، بوسعنا أن نستحمّ ونكشط ما أمكن منها عن قلوبنا بمضيّ الوقت. وعرفت أن الحلم أكثر خطراً، لأنه هناك في مكانٍ ما من الأَمَام، وإذا زاغت قدمك ولو قليلاً.. طاشت بك الطريق عنه، لتبقى أخيراً تلك الروح الهائمة في أوهامها. ألم في القلب * كتبت (راحة اليد، أغرب أجزاء الجسد، راحة اليد تلك المساحة الصغيرة التي يبدأ منها الحب والرائحة والمواثيق، وفيها تنمو لغة كل حروفها من الطبيعة. وكلماتها من الحس، راحة اليد.. قلب مكشوف).. حينما تفتح يدك الآن كيف هو طعم المواثيق والروائح والحب فيها؟ ألديك ذاك القلب المكشوف؟ - أجل لي هذا القلب وراحة اليد، كما لأي بشر. المصابون في كفوفهم مصابون في قلوبهم، وتكبر حساسية تلك الراحة بقدر ما يلح ألمٌ ما في القلب، فيصير اللمس وحتى المصافحات العابرة أحياناً تصبح عبئاً. أما يدي فحين أفتحها فإنني أجدها بطعمها، وحشود أيامها، حيث تشبثت دوماً بالمعنى، وأردت ما يكمن في عمق الأشياء، فلم يعد يغوي هذا القلب والراحة شيءٌ باهت أو هشّ أو مشوّه. الفنانان ابو بكر سالم ومحمد عبده رائحة الطيبين * ما أتعس من يدخلون إلى حياتنا ليس لشيء سوى أن يفسدوا الحديقة ويمضوا... كيف هي حديقتك؟ أما زالت تخضر كلما فتحت قلبك للعابرين؟ أم أن هناك من دهس جميع زهورها وفر؟ - القلب الطيّب كالأرض الطيبة، بتربتها الكريمة، مهما مسّتها ريحٌ أو قصفتها عاصفة، فإنها سرعان ما تستعيد بهجتها وإيناعها عند أول مطر، حيث تفوح رائحة الحياة فيها من جديد، وتبزغ رؤوس العشب من بين شقوقها كزغَب الأطفال. والآخرون من حولنا وإن عاث بعضهم بالشجر وحطّم أغصاناً هنا أو أهناك، فإنه ليس بإمكانهم أبداً أن يغيروا طبيعة التربة ولا حقيقتها وجوهرها، فيزولون وتبقى الطينة المهيئة دوماً للحياة والمطر. حيلة الكلمات * كتب يوسف زيدان (لا يوجد في العالم أسمى من دفع الآلام عن إنسان لا يستطيع التعبير عن ألمه).. أتحسن الكلام عن ما يؤلمك؟ أم أنك تترك للصمت مهمة الموت بداخل الكلام؟ - أفكر أحياناً أنني لو لم أكن كاتباً، ولم تكن معي حيلة الكلمات، لربما كنت شيئاً عدوانياً ومؤذياً، وعلى أقل تقدير ربما كنت سأودي بنفسي في أشياء تهلكها إما شيئاً فشيئاً أو دفعةً واحدة. نعم الكلمات أكرم حيلةٍ على الآلام، وأكثرها كبرياءً ونفعاً، لذلك فأنا أستعيض بالكتابة أي شكلٍ آخر من أشكال التعبير عن الوجع. الكتابة فقط، وإن حدث أحياناً أن التقيت صديقاً قريباً جداً من الروح، وذهبنا في الحديث والتناجي لقصة أو حادثة أو قصيدة أو أغنية فإننا نذهب معاً في رصد المغابن والجراحات التي تطفح بها مرارة الوجود بعامّة. في بيروت خصام ووفاق * لا يهدأ هذا الطفل الذي بداخلي، كلما أعطيته حلوى ومثلجات سال لعابه لمزيد من العبث والقفز فوق الموج وركل الغيم على الملوحين له هناك.... أأوقعك الطفل الذي بداخلك في مزيد من المتاعب لفرط تلقائيته وطفولته؟ حينما يقع هذا الطفل ويبكي كيف تمد يدك إليه من جديد ليبتسم ويعاود القفز؟ - صار الكلام عن هذا الطفل شيئاً شائعاً ومكرراً وأحياناً مبتذلاً. كلنا نحمل أطفالنا بداخلنا، البعض فقط ينسون اصطحابهم في مشي السنوات. أما المشغولة قلوبهم بالشعر والموسيقى وسائر الكلمات والفنون فإن طبيعة طرقهم نفسها تفضي بهم أخيراً إلى هذا الطفل وإن في غير عالم الطفولة، أو هكذا ينبغي. بالنسبة لي فإنني مع ما يسمى بالطفل الداخلي، على وفاقٍ وخصام، حزمٍ وطيش، وعلى مثابرةٍ ولعب، وكلما تقدم بي العمر عاماً شدّني إليه أكثر، واحتضن شيئاً جديداً فيّ أكثر، وحقيقة فإن هذا الطفل الداخلي لا يقع مهما قفز، نحن من يقع على الدوام، وكلّ منا يستنجد بطفله أن يمد يده إليه كي ينهض من جديد. الأطفال في قلوبنا لا يتعثرون ولا يقعون، نحن من نفعل، ونحن من نحتاج مَدّة أيديهم! ألتقط الروح * كتبت (انتظرت حتى نامت أحلامي، ثم خنتها ومشيت).. كم حلماً خنته بعد أن تأكدت بأنه غفا؟ وبماذا بررت له تلك الخيانة بعد أن استيقظ؟ - كثيرة كثيرة جداً، وكلّنا مرضى بهذه التعاسة بشكلٍ ما. كلنا نربي أحلاماً، وحين نحصل عليها، نرعاها حتى تصير جزءاً من طمأنينتنا ونومنا، ثم لسببٍ أو دونما سبب، نتركها ونمضي! وفي صورةٍ في الجانب الآخر فإننا نتخلّى عن أشياء تخصنا قبل أن نحصد روحها، قبل أن نلتقط الكهرباء التي تسري فيها، نتخلى عنها، وأيضاً وبلا سببٍ أحياناً نمضى! أغنية مطر * أتحسن الغناء مع المطر؟ ماذا تراقب فيه حينما تنظر إليه من خلف الزجاج؟ وكيف هي ذاكرة المطر لديك؟ - ومن لا يغني في المطر! من لا يحبه، لاسيما في هذه البقعة الرملية الساخنة من كوكبنا! أما ما أراقبه فيه فهو كل شيء، كل شيء تماماً. أتذكر معزوفة عظيمة للموسيقي الروسي أيغور كروتي، اسمها "الملاك الحزين"، والفيديو المصور عليها كان بغاية الجمال. حيث يجلس أيغور نفسه خلف زجاج مقهى، مراقباً ما يحدث من الحكايا العجيبة التي تدور في الشارع، ومنها يخلق موسيقاه. وهكذا أتخيل حياة الكاتب البائسة، فهو ليس شريكاً في الشارع بقدر ما هو يُسجّله، بقدر ما هو مشدوهٌ ومعذّبٌ بتوثيقه. وهذا هو الزجاج المنتصب والكامن في أنفسٍ كهذه، لا تستطيع أن تذهب في الشارع حتى أقصاه، لأن قلقاً أصيلاً في تركيبتها لا يفلتها تماماً فيه. في احد اللقاءات قاطع الطريق * أي الأسئلة التي تدور بداخلك لتتحول معها إلى كائن وجودي؟ أتغريك الأسئلة المبطنة؟ أم أن السؤال المباشر يعني الإجابة المكشوفة على أسئلة أخرى أدق وأعمق؟ - أسئلة الوجود نفسها، أسئلته الكبرى، التي تبدأ بالسؤال الأبجدي عن الخلق، وصولاً للسؤال الضخم والهائل عن الذات والأنا. أما الأسئلة المغرية فهي تلك التي تفتح آفاقاً أوسع من الأسئلة والتفكير. الأسئلة الحيّة هي تلك التي تتوالد، صغيرها ينجب سؤالاً أكبر فأكبر وهكذا. بينما السؤال الساذج ذو الإجابة المحسومة ليس سوى قاطع طريق! احتيال * متى تمنيت أن لا تكون "عبدالله ثابت"؟ - كنت قبل فترة أفكر في سؤالٍ شبيه، يتداوله الجميع، في الحوارات ومجالس الأصدقاء، وهو لو عاد بك الزمان عشرين أو ثلاثين سنة، هل كنت ستفعل الأشياء نفسها التي فعلت؟ الغريب أن الجميع يجيبون عن سؤالٍ لا يقبل الوجود إطلاقاً، إذ لا فرصة مطلقاً لعودة الزمن، وكلهم يقولون بمثالية عالية، وربما تفادياً مبطناً للندم والحسرات: نعم كنت سأفعل الأشياء نفسها. أيضاً هذا التساؤل "متى تمنيت ألا أكون أنا" ليس موجوداً عندي، لأنه افتراضٌ غير ممكن، ومجرد التفكير به عبثٌ واحتيال مضحك، إذ ليس هناك فرصة أن أكون شخصاً آخر. قيود الحب * غنى أبو بكر سالم (غرامك حل في كلي وكوني.. وقيدني وأنا إلي ماتقيد.. خلاص أرحم وخفف شجوني.. فموتي صار في حكم المؤكد).. أيهما يمنح الحب أكثر.. القيد أم الخلاص؟ أعشت يوما "حبا" قيدك وأنت الذي لاتقيد؟ - بدايةً أنا أحب هذا ال أبو بكر سالم بالفقيه، حباً جمّاً، أمدّه الله بالصحة والعمر، وأفكر كم ستكون ساحتنا الغنائية مسكينةً وجرداء لو خسرته هو ومحمد عبده، بعد خسارتها طلال مداح رحمه الله. أبو بكر هذا بحرفته وفرادة أغنياته العالية حالةٌ فنيّة خاصة، لا تقبل الشبه، سلطنةً وطرباً وجمالاً، وكل الذين خرجوا من مدرسته لم يستطيعوا الاقتراب منه، فضلاً عن تجاوزه. أما بشأن سؤالك أيهما يمنح الحب أكثر القيد أم الخلاص من القيد، فبظني أنهما معاً، أن يكون الحب قيداً وخلاصاً في الوقت نفسه، فالحب الذي لا يحمل في عمقه إلا القيد يستحيل إلى أخيراً إلى ندم وحطام، والحب الذي لا يحمل إلا الخلاص لا يصلح أن يكون غراماً. في رحلة خارجية النفوس القاحلة * تصبح الأمور الاعتيادية واليومية مع من نحب دهشة ومفاجأة وفرحا، حتى الكلمات المتداولة والمتكررة تصبح سعادة.. أيمكن للحب أن يكون له كل تلك السطوة على جعلنا نستطعم السعادة حينما نقول لمن نحب "صباح الخير"؟ أللحزن في الحب ذات السطوة؟ - بالتأكيد، الحب والحزن كلاهما حالة شعورية تنطوي عليهما نفوس البشر، وهما في الحالة السويّة كما غيرهما من الحالات الأخرى، من تمنح تفاصيل الأشياء من حولنا طعمها ولونها ورائحتها، أي حياتها، وبدونها تصير الأشياء خاليةً من المعنى. ما الجدوى مثلاً من البيوت والأبواب، ما الجدوى من الأغطية والملامح والأوطان، ما الجدوى لأي شيءٍ في النفوس القاحلة! كان رسول حمزاتوف يقول "هذه أرضٌ ليس بها أغنيات.. فلنتجاوزها". كائنات المساء * قبل أن أنام تزورني كائنات مشاغبة، هناك في داخل القلب، تنفض عني أوهام المساء وتعد بأن تأتي بالأحلام جميعها صباحا.. ألديك كائنات تلاحقها وتستسلم لسطوتها بداخل قلبك؟ بماذا تهمس لك؟ وبماذا تعدك؟ - نعم، وتتغير وتتناوب، تجيء فرادى مرات، ومرات تجيء معاً. تقفز في الذاكرة من أغنية أو منعطف، من رسومٍ متحركةٍ أو رائحة تنبجس في الشرايين كما النبع. وشخصياً أتأثر كثيراً بالصور وتعيش معي لأوقات، لذلك أتحاشى رؤية الأشياء القبيحة التي تجول ليلاً ونهاراً في شاشات الأخبار. اللقطة أو الصورة الواحدة، حلوةً كانت أو سيئة، تستحيل إلى منامات. حين أتابع فيلماً مثلاً فإنني غالباً ما أحلم به، بجزءٍ منه، أصير شريكاً فيه، أو تدخل إحدى شخصياته في تفصيلٍ ما في حياتي في عين المنام. توحش الخيبة * أركضت يوما نحو شيء ظننته السعادة وحينما قبضت عليه متلبسا اكتشفت بأنه ظل لخيبة؟ ولماذا لا تأتينا الخيبات إلا ممن وثقنا بهم ذات يوم؟ - يحدث هذا! أكثر الناس مجبولون على اللهاث بشراهة أحياناً خلف ما يظنونه الطمأنينة التي ستحرس حياتهم وتملأها بالسعادة والأمل، ثم يدركون في لحظةٍ أنهم حفروا فخاخاً لأنفسهم وعافيتهم بها. قبل سبع سنين في السعودية أتذكر كيف كان بعض القريبين مأخوذاً مثلاً بسوق الأسهم، وأذكر كيف تخلّى أناسٌ كثيرون عن عقاراتهم وما ورثوه من كدح آبائهم، ليقفزوا في جشع تلك الهاوية المريبة، والتي لم يطلع أكثرهم منها حتى اليوم، وأياً كان السبب أو الفساد والخدعة التي لبسوها، وراء ذلك الانهيار، إلا أنهم دفعوا ثمناً باهضاً ليس من أموالهم فقط، بل من صحتهم وسلامة نفوسهم أيضاً. بخصوص الخيبات الأخرى التي تأتي بها العلاقات بين الأشخاص، فحتماً أن الخيبة تكبر وتتوحش كلما كان مصدرها من محلّ الثقة، فالخيانات الكبيرة لا تأتي إلا من ثقةٍ كبيرة، وقد وضعت هذه الثقة مرة أو مرتين في صديقٍ هنا، أو حادثةٍ هناك، ورجعت بالخيبة. يكفي يا قلبي * متى قلت لقلبك "قاوم ولا تخذلني"؟ ومتى قلت له "يكفي ذلك"؟ - يحدث أن تقول لقلبك "هذا يكفي" حين يتمادى شيءٌ أو أحدٌ في مسّه. هذا يكفي.. حين تصفح وتصفح بينما يستمرئ آخرون أذاك. هذا يكفي.. عندما تذبل أول ورقة، صوناً للحياة وما بقي من الروح. هذا يكفي.. إذا أضرّت بلهفتك الروحية الرتابة والسأم. ويحدث أن تقول لقلبك "قاوم، لا تخذلني" وقت لا تريد أن يلمح أحد والديك تأثرك وألمك، لأنك تعرف أنه هذا يكسر روحيهما. وتقول لقلبك قاوم لا تخذلني.. حين لا تريد أن يلمح صغارك أساك وهمّك، كي لا تحمّلهم عناء حياتك. خبايا المدن * هناك مدن تشبهنا، تقول كل شيئا عنا، تشبعنا حياة وصخبا وهبلا، تسرقنا معها ولا نعود إلا محملين بمزيد من النجوم ثم نودعها ولكنها تبقى في القلب "مدنا مشاغبة" لا تنام.. أي المدن التي سافرت إليها ووجدتها تشبهك؟ وماذا عن عسير.. كم مرة سرقتك وحينما أردت أن تودعها قبلتك وقالت لك "بالسلامة"؟ - لم أجد أطيب في قلبي من أبها وجدة أولاً، أبها لأنها المولد والريحانة والجبل والتكوين، لأنها حقل أبي ودلاء أمي وتربتها، رحمها الله، وجدة لأنها الرحابة وسعة القلب والحياة، لأنها المأوى وراحة البال، أما المدن التي سافرت إليها فكثيرة، لكنني أحتفظ بحب بيروت وصنعاء ولندن. أحببت باريس أيضاً، وأكثر منها أحببت مدينة في جنوبفرنسا اسمها لوديف، وأحببت كثيراً مدينة "أيوا" بولاية أيوا في أمريكا، تلك المدينة الهادئة المحاطة بالريف والكتابة والمطر. إن واحداً من أكثر ما في نفسي من الولع هو الولع بالأسفار والمطارات والفنادق، باكتشاف الضواحي، بالمشي دونما توقفٍ أو جهة، من رصيفٍ لرصيف، ومن ناصيةٍ لأخرى.. بخبايا المدن. الورق الوفي * ماهو السر الذي لم تقله يوما لأحد؟ - وكيف سيكون سرّاً لو أفصحت عنه. بكل حال لو حدث وقلت سرّاً لم أقله من قبل، فلن يكون مكانه هذا العلن العام. سأصبّه قبل كل شيء أو أحد، في ورقٍ شخصي. الورق الخاص أوفى وأصدق، وأكتم للسرّ، إن شئت نشرتها، وإن شئت محوتها ومزقتها.