لم تشهد العقود الأخيرة توظيفاً واستثماراً أيديولوجياً واسعاً كما شهدته مقولة «حقوق الإنسان»، إذ إنّها مع مفردات عديدة كالمواطنة والمساواة باتت حاضرة في أدبيات التعاطي الإعلامي الذي يتم توظيفه وفق منطلقات أصحابه وتوجهاتهم. المملكة، وبعيداً عن اصطخاب تلك المقولات فإنّها راسخة الجذور فيما يتعلق بحق الفرد في مجتمعه وصون كرامته انطلاقاً من مرتكزاتها العميقة القائمة على الدين الإسلامي العظيم الذي جذّر تلك الحقوق وأرسى العلاقة التعاقدية بين الفرد والمجتمع وفق علاقة المواطنة التي جعلتهم مواطنين متكافئين في أداء ما عليهم من واجبات للدولة وفق التعاقد المبرم بين بعضهم البعض على أن تقوم الدولة بتأمين حماية الجميع ومنحهم حقوقهم وكفالتها لهم بموجب تشريعات وقوانين تسنّها وتضمن من خلالها عدم انتهاكها أو المساس بها بأي شكل. بالأمس جرى إصدار أول نظام لمكافحة التحرش بالمملكة في تأكيد لافت ومهم يعكس حرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسمو ولي عهده على صيانة خصوصية الفرد وكرامته وحريته التي كفلتها أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة. ولعلّ المتابع المتفحّص لسياسة المملكة يدرك عمق واستبصار الرؤية الثاقبة المتأنّية التي تتّخذ القرارات الملحّة في التوقيت والظرف المناسبين دون تعجّل أو ارتجال. ومما لا شك فيه أن جريمة التحرش من الجرائم التي فضلاً عن بشاعتها وعدم اتساقها مع الخلق القويم والسّوي فهي تدخل ضمن فئة جرائم الاستغلال الخاطئ للسلطة حيث يتم تعرّض الضعيف لاستغلال مهين وبشع من طرف آخر قوي لا يتمتّع بأي حس قيمي أو أخلاقي. ومما لا شك فيه أن مكافحة التحرش الوليد الجميل المكتمل سيكرّس بيئة سليمة على جميع المستويات وفي كل الأماكن سواء في الشارع العادي أو بيئة العمل وفي كل فضاءات الالتقاء بين الجنسين، الأمر الذي سيخلق حالاً من التوازن والأمان النفسي المفضي إلى حال تصالح بين جميع أفراد المجتمع. القانون في صيغته المعلنة جاء ملبياً للطموحات إن كان على مستوى تكييف الجرم أو العقوبات وتدرجها وتحديد المشمولين به من الضحايا الذين لا يقتصرون على النساء أو الأطفال بل شمل حتى المعوقين جسدياً أو عقلياً وغيرهم. ومن المهم التأكيد على أن قانون التحرش في جوهره لا يهدف إلى تطبيق العقوبات على المتجاوزين بقدر ما يسعى قبل ذلك إلى مكافحة جريمة التحرش والحيلولة دون وقوعها وحماية المجني عليه. Your browser does not support the video tag.