يعارض بعض أفراد المجتمع المطالبة بتشريع أنظمة جديدة تحمي حقوق الأفراد أو إلغاء أنظمة تضر بحقوقهم، بحجة أننا مجتمع محافظ ليس بحاجة لنظام يضبط أفراده، والبعض يحتج بأنها ستكون سبباً لفساد المجتمع واختلاطه أو حتّى انحلاله! هذه الحجة لا تنمّ إلا عن جهل قائلها! نظام مكافحة التحرّش رغم الدراسات القائمة عليه والحاجة التي باتت ضرورية جداً لسنّه، إلى الآن يتم التشاور حوله في مجلس الشورى وكأنه اختراع غريب لم تسبقنا عليه الدول منذ سنين. التحرّش بكافة أشكاله وبالأخص الذي تتعرض له النساء السعوديات في العمل، في الأسواق وفي الأماكن العامة ومع وجود الخدمات الجديدة للنقل بات التحرّش حتى في السيّارات! وحاجتهن لهذه الخدمات نتيجة لمنعهن من القيادة، والذي أيضا يرفضه عامة الناس ويقبله أصحاب مقولة "نحن مجتمع محافظ"! وجود نظام مكافحة التحرش يعزز من ثقة الأفراد ووعيهم حول شناعة هذا الفعل، ويساعد على نشر التوعية من جهة القانونيين أيضا، ويحد من سكوت المتعرضين للتحرش بسبب الرغبة بالعمل والخوف من الطرد، أو الخوف من منع ذويهم من الركوب مع السائقين وبالتالي "مجبر أخاك لو كرِه". نريد أن تندثر عبارات مثل "تستاهل أكيد متبرّجة سافرة"، "هي السبب"، وغيرها من العبارات التي نجدها في كل هاشتاق يتحدّث عن قضيّة تحرّش، تقوم بتبرير هذا الفعل الشنيع وتلوم المرأة وتبرئ جرم المتحرش. نحن الآن في أمسّ الحاجة لنظام مكافحة تحرش يوضّح الأفعال والأقوال التي تندرج تحت مسمى التحرش، ليسهل بذلك معرفة النظام من قبل العامّة. المشرّع الإماراتى لم يُعرّف معنى التحرش الجنسي صراحة، ولم يتطرق إلى اللفظ، ولكن جاءت بعض النصوص القانونية بتجريم بعض المرادفات للتحرش الجنسي، والمادة 359 من القانون الإماراتي نصّت على أنه: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على عشرة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين من تعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها بالقول أو الفعل في طريق عام أو مكان مطروق. وفي ألمانيا: التحرش الجنسي يصنف للمرة الأولى كجنحة جنائية (أضيفت هذه الفقرة إلى المادة 184). لمس شخص آخر دون موافقته (ودون عنف أو إيلاج، كتحسس جسد شخص آخر مثلاً) لم يكن على قائمة الجرائم الجنسية من قبل. تصل العقوبة القانونية لهذا الفعل إلى الحبس لمدة سنتين، أو غرامة مالية، أو السجن لمدة تتراوح بين 3 أشهر و5 سنوات إذا كان الاعتداء جماعيًا. وفي بريطانيا: التحرش يشمله العديد من القوانين من جوانب مختلفة، بالإضافة إلى قانون الحماية من التحرش (Protection from Harassment Act 1997)، لسنا ملائكة ولسنا في خانة تنزيه أبدية ترفعنا عن كل تجارب تلك الشعوب المسلمة وغير المسلمة، مع وجود النظام والعمل به دون أن يكون حبراً على ورق ستكمم أفواه الجهل واتّهام المتعرض للتحرش ونقله من خانة الضحيّة إلى خانة الجاني! وسنهدم بهذا أيضا فكرة المجتمع المحافظ الذي لا يحتاج إلى قوانين، مؤمنة بأنّ الأنظمة المطبّقة على الجميع دون استثناء من أكبر أسباب وعي المجتمعات وهذا ما يحتاجه مجتمعنا في الوقت الحالي.