كشف المستشار في شؤون الطاقة وتسويق النفط، مدير دراسات الطاقة في منظمة أوبك سابقاً د. فيصل مرزا أن العبث الذي تمارسه طهران في كثير من المجالات مجرد محاولة يائسة لإيهام المجتمع الدولي بأنها شريك مهم ولاعب في المنطقة لا يمكن تجاهله، وأنها تملك اقتصاداً متكاملاً، وأن إيران بذلك تحلم بالمستحيل لإعادة الأمس الذي مضى عليه 40 عاماً، عندما بلغ أقصى إنتاجها 6.6 ملايين برميل يومياً في نوفمبر من عام 1976، بينما معدل إنتاجها خلال الأربعين سنة الماضية لم يتجاوز 3.8 مليون برميل يومياً. وعن حقيقة تلاعب إيران بأرقام الإنتاج فور رفع الحظر الاقتصادي مطلع 2016، بين مرزا أنه قبل اتفاقية خفض الإنتاج التاريخية، وصف الإعلام النفطي الغربي إيران بأنها عثرة في طريق استقرار أسواق النفط، مع أن واقع الحال يثبت وبما لا يدع مجالاً للشك أن إيران باتت أقزم وأقل تأثيراً من أن توصف "بالعثرة في الطريق" وهي أقزم من أن تخلق "حرب سعرية شرسة" حتى لو لم يتم التوصل لاتفاق تجميد إنتاج النفط في هذه الفترة، فإيران اليوم علاوة على الإرهاب؛ لا تتجاوز كونها ظاهرة صوتية لا أقل ولا أكثر. واستطرد مرزا بقوله "لذلك يجب أن لا ننسى التمويه الصبياني الذي مارسته إيران عندما تلاعبت بأرقام مخزونها النفطي عن طريق إجلاء وتخزين كميات هائلة من النفط داخل ناقلات النفط العملاقة العائمة والتي استخدمتها كثيراً أثناء الحصار الاقتصادي بتخزين النفط في ناقلاتها المملوكة والتي ظلت واقفة في مياه الخليج العربي طيلة الحظر الاقتصادي، وساعدتها في رفع أرقام إنتاجها بوتيرة سريعة جداً وذلك فور رفع الحصار المضروب عليها، وتم تزييف أرقام المخزونات العائمة على أنها أرقام إنتاج وهمية مع أنها لا تمت للواقع بصلة بل هي أرقام تصدير تمثل المخزون النفطي العائم". وأبان أن هذه الحقيقة تعتبر إجابة مباشرة للسؤال عن القفزة السريعة في إنتاج النفط الإيراني فور العقوبات الاقتصادية مطلع 2016 والتي ترجمت من خلال أرقام التصدير كانت زوبعة تفريغ المخزون النفطي العائم وبعدها تلاشت لأن هناك إجماعاً بين المحللين وبصورة عامة أن إيران لن تكون قادرة على الحفاظ على الإنتاج في هذه المستويات، دون استثمارات مالية كبيرة لا تملكها. وكشف مرزا أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تجاوزا كل الأعراف بتلميع اقتصاد إيران الهش، وإظهاره على أنه اقتصاد قوي واعد، في حين أن اقتصاد إيران متهالك بسيرته المذمومة ومسيرته المشبوهة، كما حاولت أقلام مستأجرة، وساسة ومؤسسات بعمل منظم، وحالة استنفار لنفخ الروح في جسد الاقتصاد الإيراني المحتضر الذي قتلته معاول حماقات ساساته، وأكلته ديدان الفساد. وأشار إلى أنه مهما كانت تلك الجهود في تلميع صورة إيران بطريقة فجة، لن تجعل من مرحلة ما بعد العقوبات نزهة لملالي طهران، كما يصوره البعض، بل العكس تماماً، فالأصعب لم يأتِ بعد، لأن حجتهم في تبرير الفشل في تحسين مستوى المعيشة للمواطن الإيراني المحروم، لم تزل بعد زوال الحظر الاقتصادي بل تعمقت مشكلاتهم وطفت على السطح أكثر لأنها مزمنة ومعقدة للغاية، فإيران تحتل المرتبة 180 من أصل 187 دولة في مؤشر التضخم، ولديها معضلات كبيرة من تدهور عملتها إضافة إلى أرقام البطالة المرتفعة، والفساد الإداري والمالي، ومشكلات مستعصية كبيرة، تتعلق بتصفية حسابات معقدة لعقود من الفوضى ودعم الإرهاب وزعزعة الأمن في المنطقة وهذا واقع لا تسمن فيه التقارير البنكية ولا تغني فيه من جوع، فإيران التي يمتدحون استقرارها الاقتصادي حلت في المرتبة 136 من أصل 168 في مؤشر الفساد في العالم، بالإضافة إلى عمليات الاحتيال الممهنجة التي طالت جميع القطاعات وجميع الأطراف. وقال إن إيران اليوم تعيش حالة من اليأس فحتى الأقلام التي استأجرتها هي وحلفاؤها لمهاجمة المملكة والترويج لأكاذيب تسييس النفط والحج، لم تستطع الاستمرار ببث تلك السموم، فقد أربكتها تحركات السياسة السعودية الإستراتيجية وتحالفاتها الإقليمية، فطاشت في حساب خسائرها المتوقعة بعد أن وقفت بعيداً تشاهد عظم دور المملكة الإقليمي بحالة من اليأس، موضحا أن الأقلام المستأجرة كان لها أذرع في الإعلام النفطي الغربي المغرض الذي يشكك في دور المملكة الريادي لتوازن أسواق النفط، بينما نجده في الجهة المقابلة أكبر داعم لأولياء نعمته من ملالي طهران، فنراه يدافع باستماتة عن اتفاقية إيران النووية حتى مع أبعادها المدمرة كما يغض الطرف عن دعم إيران المتواصل للإرهاب وتهاوي الاقتصاد الإيراني ومعدلات الفساد القياسية كما لم يذكر قط تحركات إيران المشبوهة في أسواق النفط. وأضاف بأنه مع تدهور العلاقات بين إيران وأميركا واحتمال خرق شروط الاتفاقية وعودة العقوبات الاقتصادية، بدأت تبرز علامات الاستفهام عن مشكلات البنية التحتية لإنتاج النفط الإيراني وهي واحدة من حمى عدم الاتزان الإيرانية، تزامن معها جملة من العوامل يأتي من بين أهمها، عدم إمكانية تأمين قدر كبير من السيولة لدعم مشروعات المنبع والتي تعيش أزمة حقيقة باتت تهدد علاقتها مع شركات النفط العالمية لدرجة محرجة للغاية، وكما هو متوقع فإن الطريق ليس معبداً أمام إيران مع شركات النفط العالمية للاستثمار في مشاريع المنبع واضحاً جلياً في التأخير المستمر لتوقيع العقود، وبالتالي هناك علامات استفهام كبيرة عن إمكانية التوسع في الإنتاج. وبين مرزا أن احتمال فرض عقوبات أميركية على إيران جاء خلافاً لما بدأت به من بسط يد العون لملالي طهران، هذا التوجه الجديد أفقد القيادة الإيرانية القدرة من الاستفادة من اللبن الذي سكب في عهد أوباما، وحتى من مجرد القدرة على مسايرة المتغيرات في أسواق النفط العالمية، فوقعت في تخبط واضح، وحسرة على سراب صداقة استراتيجية مع أميركا كانت تحسبه ماءً، وبات واضحاً لها أن رياح التغيير في حقبة ترامب ستسقط معها كثيراً من عمائم طهران، وهذا ما جعل القيادة الإيرانية، تتخبط في وصف هذا التوجه، وتصفه بأنه يعتبر انتهاكاً صارخاً، للاتفاق النووي الموقع بين إيران والسداسية الدولية والذي تسوق إيران أنه لا يجوز السماح لأي طرف من الأطراف المشاركة في الاتفاق أن يقوم بتقويضه، كمستمسك أخير يحفظ شيئاً من ماء الوجه، ويخفف من ضغط حراك الداخل الإيراني على قياداته التي أصبحت تفقد الثقة مع كل متغير في العالم، والسداسية الدولية الموقعة على الاتفاق هي أميركا والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، قد لا يوافق إحداها على دحر التعامل بسبب مجرد تغيير السياسة الأميركية، ولكن هذا لا يمنع أميركا من وضع القيود على شركات النفط العالمية. وأوضح مرزا أنه عندما خرجت إيران من العزلة تمكنت من رفع صادراتها من النفط الخام وارتفع حجم المبيعات إلى أوروبا، لكن عدم اليقين يهدد الآن مصير الاتفاق النووي بين إيران والقوى الست العالمية، وسط تصاعد الإشارات إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيتحرك من أجل وقف الصفقة النووية التي خدمت طهران منذ عام 2015، حيث إنه مع تضاعف إنتاج إيران، تضاعفت التداولات المشبوهة، والحال أنه طالما استمر ملالي طهران في أعمالهم الدنيئة، فهم في حاجة إلى هذا المال، ليكون سبيلاً إلى نشر الفساد والإرهاب في العالم، وقد تمكنت إيران بعد الاتفاق النووي مع أميركا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا عام 2015 من الحفاظ على مستويات تصدير النفط الخام فوق 2.2 مليون برميل يومياً، ما يقرب من مليون برميل يومياً إلى أوروبا وتركيا وسورية، وهناك نحو 1.2 مليون برميل يوميا إلى آسيا. وقال مرزا إن مستوى صادرات النفط الإيراني لا يزال مستقراً عند هذه المستويات حتى الآن رغم أنهم ادعوا أثناء اجتماع الجزائر في سبتمبر 2016 أن إنتاجهم سيصل إلى خمسة ملايين برميل يومياً، إلا أنها لم تستطيع رفع الإنتاج فوق 3.8 مليون برميل يومياً حتى الآن وهو ما يثبت كذب ادعاءاتهم بقدرات إنتاجية أكبر من قدراتهم المتدهورة والتي انفضحت فور زوال النفط المخزن في الناقلات العائمة، مضيفاً "لأن تصريحات ملالي طهران العبثية عن زيادة الإنتاج قبيل اتفاقية أوبك التاريخية لخفض الإنتاج في نوفمبر 2016 كانت مجرد محاولة لتهدئة الشأن الإيراني الداخلي، فمراكز القرار في أسواق النفط قد أدركت منذ وقت مبكر أنها مجرد هذيان، فقد بلغت إيران أقصى طاقتها الإنتاجية، ولم يعد لديها طاقة إنتاج إضافية إذا افترضنا أنها أرقام إنتاج وليس تصدير". وأكد مرزا أن البنية التحتية للنفط والغاز في إيران مهترئة ولم يحدث لها أي تطوير أو استثمارات منذ نحو أربعين عاماً، لأن إيران لم تستثمر في مشروعات المنبع واستمرت لتصدير الإرهاب وزعزعة أمن المنطقة، كما أن الصفقات الكبيرة مع شركات النفط العالمية اقتصرت على استثمارات تبلغ نحو ملياري مليار دولار في حقول الغاز البحري بقيادة توتال لم تستمر بها إلى الآن إلا شركة توتال الفرنسية، وهناك تطلع أن تستثمر شركة رويال داتش شل في حقل أزاديجان النفطي القريب من الحدود العراقية وأكبر الحقول الإيرانية المكتشف في الثلاثين عام الماضية. وأوضح مرزا أن الإعفاءات من العقوبات المستهدفة طهران أعطت إمكانية الحصول على احتياطيات النقد الأجنبي، وخففت القيود المالية التي أعاقت خدمات التأمين والشحن لعائدت النفط والتي كانت أكبر عائق واجه صادرات النفط أثناء العقوبات، والتي سمحت بها الشركات الأميركية بالتداول جزئياً مع إيران. ولذلك فإن أي إعادة لفرض هذه العقوبات ستكون معضلة لصادرات النفط الإيراني لا سيما أن معضلة الشحن والتأمين سوف تذعن للعقوبات الأميركية مباشرة وسوف تقوض بشكل كبير قدرة المستأجرين على استئجار السفن وتأمين الشحنات، حتى وإن تولت شركة النفط الوطنية الإيرانية مسؤوليات الشحن ومخاطر التأمين باستخدام سفنها لنقل البضائع على أساس نظام التحميل فإنها ستواجه رفضاً من المصافي التي تستقبل تلك الشحنات لأنها لن توافق على استلام شحنات النفط دون التأمين عليها من شركات تأمين الناقلات والتي تتحمل عبء المخاطر والذي لا يمكن فصله عن النظام المالي الأميركي حتى وإن امتلكت إيران أسطولاً كبيراً من ناقلات النفط، إلا أنها لن تستطيع نقل نفطها إلى عملائها دون التأمين على الناقلات مع شركات التأمين الغربية.