حين نبحث في الدبلوماسية السعودية نجد أنفسنا أمام دبلوماسية ذات سمات واضحة ومنهج قويم ذي مرتكزات ثابتة، فمنذ تأسيس المملكة وهي تعتمد الدبلوماسية المنفتحة على العالم ملتزمة بقضايا الوطن والأمة العربية والإسلامية، والقضايا الإنسانية في العالم تقوم على بناء وطن قوى اقتصادياً وعسكريًا وثقافيًا وعلميًا، ترفض التكتلات والهيمنة واستغلال المواقف، وترفض الابتزاز أيَّا كان وتؤمن بالسلام والإخاء، فهي بهذا المفهوم دبلوماسية أصيلة تستمد أصولها من سماحة الإسلام، والأعراف الإنسانية الصحيحة ولقد كان الرشد مفتاح هذه السياسة، وضابطها وموجهها، ولهذا تحقق لها النجاح والإيجابية وأنجزت ما لم ينجزه غيرها إقليميًا ودوليًا. وتتميز المبادئ الإنسانية التي تستند إليها الدبلوماسية السعودية بأنها مبادئ ثابتة صحيحة ومنفتحة، وهي مع ذلك متطورة تطورًا يثرى التجربة السياسية ويعمقها ويزيدها قوة وعمقًا وانفتاحًا واتصالاً وتأثيرًا ولعل من أهم إنجازات السياسة الخارجية تحقيق الاتصال والتعاون والتفاعل الذي يحقق للوطن أمنه وسلامته وقوته ونموه الاقتصادي والعلمي والثقافي ويحافظ على هويته وعالميته في آن واحد، وقد أضافت الدبلوماسية السعودية إلى هذا الإنجاز هدفًا ثابتًا هو السعي نحو تحقيق الأمن والقوة والتقدم والرقي لأمتها العربية والإسلامية، فهي مع هذا الانتماء الراسخ تنتمي إلى الأسرة الدولية، وتشارك في مواجهة هموم الإنسان في كل مكان وفي هذه الدبلوماسية تلتقي الأهداف العليا مع الإمكانات مع المصلحة التي لا تقتصر على طرف دون آخر بل تلتزم بالصالح الاستراتيجي لكل الأطراف. وتتحدد مرتكزات الدبلوماسية السعودية في سياستها الخارجية على الإيمان بالسياسة الجادة المعتدلة التي تتجنب الضجيج والشعارات الجوفاء مما أكسبها السمعة الدولية المرموقة، مع إيمانها في الوقت نفسه بحق الدفاع عن نفسها من أجل الحفاظ على المصالح العليا، فالمملكة تعتمد أسلوب الحوار والمفاوضات سبيلاً عمليًا لتحقيق الأهداف كما التزمت أيضا بمبدأ الشرعية في معاملاتها وعلاقاتها العربية والإسلامية، وإنتهجت سياسة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، كما أنها في المقابل ترفض أي تدخل في شؤونها الداخلية. وتستند المملكة في هذا الجانب على أساس من الحكمة والعقل والعدل والتعاون البناء لخير الإنسانية جمعاء، كما تستند إلى الدعوة للسلام وعدم العدوان على الغير، ومبادئ الحب للبشر جميعًا والتعاون بين كل الشعوب ونستقرأ منها منهجًا قويمًا لإرادة المواقف السياسة، وأسلوبًا صحيحا للتعامل مع الدول أو الشعوب، أو الجماعات التي تقدم لهم المبادرات، بحيث نرى في هذه المبادرات استجابة لما يتطلعون إليه، أو للممكن منه ذلك الممكن الذي يمثل الحد الذي ليس بالإمكان تجاوزه لوجود قوى رافضة، أو غير قادرة على التعامل مع المبادرة لأسباب تتصل بها وبإمكاناتها وظروفها الاقتصادية أو الاجتماعية أو بالموقف الدولي الذي يمثل قوة ضاغطة أو موجهة أو غير قابلة للمشروع أو المبادرة إلا في حدود لا تُمثل فيها المبادرة أو المشروع تهديدا لمصالحها الحقيقية أو المتوهمة. وكان الخطاب السياسي للمملكة منذ قيامها خطابًا سياسيًا متوازنًا يقوم على مبادئ وثوابت ومعطيات جغرافية وتاريخية ودينية واقتصادية وأمنية وسياسية، وضمن أطر رئيسية أهمها حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتعزيز العلاقات مع دول الخليج والجزيرة العربية، ودعم العلاقات مع الدول العربية والإسلامية بما يخدم المصالح المشتركة لهذه الدول ويدافع عن قضاياها، وانتهاج سياسة عدم الانحياز وإقامة علاقات تعاون مع الدول الصديقة ولعب دور فاعل في إطار المنظمات الإقليمية والدولية وتنشط هذه السياسة من خلال عدد من الدوائر الخليجية، العربية، الإسلامية، وتقوم هذه السياسة على أسس علمية توفر لها النجاح وتحقيق مصالح الدولة بالمعنى العميق الصحيح للمصلحة لا يكون الانكفاء على الذات، والانغلاق والتقلب وراء مصلحة موقوتة بل يكون بالانفتاح والتواصل والمبادئ الثابتة الرشيدة. ولقد آمنت السعودية بالسياسة الجادة المعتدلة والدبلوماسية التي تتجنب الضجيج وطرح الشعارات الجوفاء مع الحرص على الإعلان عن خطواتها السياسية بشجاعة واقتدار من خلال الثوابت التي ارتكزت عليها تلك السياسة، مما أكسب المملكة هذه السمعة الطيبة الدولية المرموقة بحكم مصداقيتها وسياستها النابعة من التجانس بين الإستراتيجية والتكتيك، فكانت السياسة السعودية الخارجية سياسة نشطة فاعلة، تنتقل من الموقف الرشيد إلى المساعي الحميدة، ومن الموقف والمساعي إلى المبادرات الملتزمة بالحق والإنصاف والمصلحة المشتركة والحياد الإيجابي. ويؤكد د. علي الخشيبان -كاتب ومحلل سياسي – بقوله: " شكلت السياسة السعودية ومنذ عهد الملك عبد العزيز رحمه الله مسارا محددا اعتمد على قيم ومعايير سياسية شكلت العقيدة الدبلوماسية للمملكة خلال العقود الماضية، وقد تشكلت الدبلوماسية السعودية في هذا الإطار من خلال المحافظة على قيم تمثلت في التأكيد الدائم للسياسة السعودية على دعم الاتجاهات نحو خدمة الإسلام كون السعودية تشكل قبلة المسلمين، كما سارت الدبلوماسية السعودية ملتزمة بدعم قضايا الأمة العربية والإسلامية والوقوف بشكل دائم مع كل ما يسهم في إحلال السلام والاستقرار في المنطقة ومن ذلك التأكيد الدائم للدبلوماسية السعودية على ضرورة محاربة الإرهاب ودعم الجهود الدولية في هذا الجانب. كما عملت الدبلوماسية السعودية على استثمار جميع الميزات التي تحظى بها السعودية كونها البلد الأكبر تأثيرا في العالمين الإسلامي والعربي بالإضافة إلى المكانة الاقتصادية كون السعودية واحدة من اكبر منتجي الطاقة في العالم. وهذه المعطيات الكبرى التي رسمت قيم السياسة السعودية ساهمت في بناء مسار دبلوماسي سعودي حقق الكثير من الإنجازات على جميع المستويات المحلية والدولية، ولذلك نجد ان السياسة السعودية تحقق الإنجازات المتتالية في جميع المحافل الدولية وهذا يعود بفضل الله إلى تلك القيم الراسخة التي بنيت عليها السياسة السعودية منذ عقود مضت. وفي جانب آخر يمكننا القول إن ثبات القيم ورسوخها في السياسة السعودية ساهم في تميز كبير للدبلوماسية السعودية كونها تعمل على مبادئ إحداث التوازن في كل القضايا انطلاقا من المصالح الوطنية والإقليمية والدولية، وقد ساهم هذا النجاح في مكانة مميزة للدبلوماسية السعودية في جميع المحافل الدولية من خلال الشراكات الناجحة لدعم الحق والقضايا العادلة. ويضيف الخشيبان: " وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ساهم الجيل الجديد في مؤسسة الحكم في دعم الاتجاهات الإيجابية للسياسة السعودية وقد رأينا الكثير من المواقع السياسية والدبلوماسية وهي تملأ بعقول شابة ستساهم بإذن الله وبشكل كبير في تعزيز الدبلوماسية السعودية من خلال الالتزام الدائم بتلك القيم التي بنيت عليها السياسة السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله. خادم الحرمين يسعى دائما في سبيل دعم ونصرة اشقائه قوة ووضوح ومصداقية الدبلوماسية السعودية اكسبتها احترام العالم