لدينا ثروات مهدرة تتجاوز أحياناً حدود المعقول، ولأجل أن نكتشف ذلك ما علينا إلا أن نراجع عاداتنا التي تجاوز كثير منها حتى الأوامر الدينية، ولنأخذ مثلاً واحداً فقط وهو ما يخص النحر في عيد الأضحى.. فتجد من يربط بين روحانية يوم النحر بعدد الضحايا المذبوحة وكأن الأوامر الدينية قد استندت وأيدت ما هو عليه.. في ذلك هدر مبالغ فيه وإسراف وسوء إدارة للميزانيات الشخصية.. ناهيك عن الفهم المغلوط للأوامر الدينية. كنت أحادث صديقاً شدد على أن والده سيضحي بثماني خراف سمان يتقرب بها إلى الله عنه وبيته ووالديه وكل من له علاقة فيه.. هنا نسأل: هل أحسن والد صديقنا بفعله هذا.. في مفهوم "الدباشة الاستهلاكية" فقد بلغ شأنها الأعلى، وفي مفهوم المتطلبات الدينية التي ارتكزنا من خلالها على نحر الأضحية، فما يقوم به هو مخالف لما ينادي ويحث عليه مشايخنا الكرام من خلال دعواتهم لتوضيح ماهية عيد الأضحى والمطلوب خلاله.. وشاهدت وسمعت خلال الأيام القليلة الماضية لشيخينا الفاضلين عبدالله المطلق وصالح المغامسي، ما فيه حث على محاربة كثير من المعتقدات الزائفة والتأكيد على أن أضحية واحدة تكفي، بل تشديد على أن الأضحية للحي قبل الميت؟!. في مناسبات عظيمة كعيد الأضحة بطقوسة واحتفالياته والنحر فيه لا نبتعد عن ما نحن فيه من "سوء دبرة" لأن الأمر لا يرتبط بتحقيق الرسالة السماوية من نحر الأضحية، بل بكيفية تفسيرها، وهنا أبحث عن التشخيض وهدر ثروة وطنية وميزانيات شخصية كان الفرد وأهل بيته أحق بها.. فقط لو التزم بالمبادىء والتوجيهات الدينية الحقيقية في الأضحية المطلوبة.. كماً وكيفا؟!. تلك الأفعال الاستهلاكية المبالغ فيها التي نجدها في عيد الأضحى أصبحت جزءاً من شخصية المستهلك السعودي.. حتى أن بعضهم يجد فيها وجاهةً يجب أن يقوم بها، ولا بأس لديه إن استدان أو ضيّق على نفسه وبيته لأجل أن يشارك في إسالة الدماء.. وها نحن في أجواء عيد الأضحى المبارك وكل من تيسر له سيفعل خلال أيام النحر، لكن هل تساءلنا فيما بيننا عن الإسراف المتنامي في هدر دم بهيمة الأنعام، من منطلق أن هناك من "ربعنا" من يذبحون أضحية عن كل متوفى منتمٍ لهم، ومن ثم اكتظاظ الثلاجات باللحوم كفعل زائد عن الحاجة. لن أتجاوز في ذلك لأن هناك متخصصين اجتماعيين وفقهيين هم أخبر بمقاييس ذلك، وإن كنت انطلق من أن رسولنا الكريم قد ذبح أضحية واحدة عنه وعن أمته.. أما والد صديقنا ورغم أنه من متقاعدي الدولة ومحدودي الدخل إلا أنه ينوي ذبح ثماني "عن كل متوفى واحدة" وعنه وعائلته.. مع أنه لا بأس إن جمعها كلها في واحدة اقتداء بالرسول الكريم، وتحقيقاً لمبدأ محاربة الهدر والإسراف اللذين نهى عنهما القرأن الكريم والسنة النبوية الشريفة. أعود إلى ترشيد الاستهلاك، فالهدف كان إننا أصبحنا نحتاج إلى توجيه العادات والأنماط الاستهلاكية سواء التكميلية أو الغذائية، أو ما يحقق البعد الديني الذي ننشده، وبما يجعل سلوكنا الاستهلاكي الفردي أو الجماعي يتسم بالتعقل والاتزان، وحسن التدبر وبحيث تكون مدفوعاتنا حسب ما نحتاجه، أو حتى وفق التوجيه الإسلامي الكريم الذي ينبذ الإسراف ويحذّر منه. ما ندعو إليه هو التدبر العاقل للمشتريات المناسباتية والدينية وجعلها متوائمةً مع الاحتياجات، ولاشك أنها ستسهم في تحسين نمط حياتنا إلى الأفضل بل ستقودنا إلى مكتسبات سلوكية ومعيشية أفضل، ونحن بدعوتنا إلى الترشيد الاستهلاكي لا نقصد الدعوة إلى مبدأ الحرمان من التمتع بملذات الدنيا، بقدر ما نقصد بها العمل على تربية النفس وضبط السلوك، وبما يجعلنا كمجتمع قادرين على تجاوز أنماط سلوكية باليه، وجب انتزاعها بما يتوافق مع الحياة المعيشية المتسارعة الحالية، أيضاً ومن منطلق إسلامي هو ترسيخ للسلوكيات النبوية التي دعا إليها رسولنا الكريم.