«لا يمكنك الاستمرار فى إيذاء شخص ما لمجرد أنك كنت في يوم ما ضحية، لابد أن يكون هناك حد». (إدوارد سعيد) يحدث كثيراً في الحياة أن يتعرض الأشخاص لأنواع من الأذى النفسي والجسدي، وهذا الأذى يأخذ صوراً مختلفة ويحدث من أناس مختلفين وبدرجات متفاوتة، وهذه الحالة قد تستمر لفترات طويلة إذا أحس الشخص الواقع تحت تأثير هذا الأذى أنه مقهور ووحيد وعاجز عن فعل أي شيء، وهذا ما يشجع الطرف الآخر على التمادي في الأذى، فإحساس الضحية بالارتباك والخوف يزيد من تحكمه بالوضع. نادراً ما يتوقف المسيء عن إساءاته وظلمه من تلقاء نفسه، وذلك لأنه يستمد قوته وثقته بنفسه من ضعف الضحية واستسلامها خصوصاً عندما تكون الظروف من حوله سيئة، وقد تساهم ظروف نشأته في تكوين منظوره عن العلاقات بين البشر فالسيطرة والعنف والاستغلال والتلاعب بالعواطف والحط من قدر الآخر تصبح من أساليبه في التعامل. من يضع الحد لكل ذلك؟ تجارب الحياة تثبت أنه من العبث محاولة تغيير الأوضاع التي لا يمكن التحكم بها، كما أن تغيير الأشخاص إذا لم يكن لديهم الرغبة والقابلية للتغيير مهمة صعبة ومستحيلة أحياناً، وفي الوقت الذي يكون فهم وتقبل بعض الأوضاع الصعبة ومحاولة التعامل معها بإيجابية نوعاً من الحلول إلا أن قبول أذى شخص بكل أنواعه وصوره لا يمكن أن يكون حلاً، فالوضع هنا ليس قبولاً ولكنه استسلام وخضوع لن يجلبا إلا المزيد من الألم والخراب للضحية ولمن حولها. المشكلة الأكبر والأخطر في حالة الاستمرار في العيش بتلك الصورة أن الشخص الخاضع للأذى يصبح مع الزمن سجين أفكاره وتصوراته ويأسه، ويعتاد نمط حياته بل يبرر ما يحدث له أحياناً بمبررات غير منطقية وقد يحمل نفسه مسؤولية ما يحدث له، وهنا يصبح ضحية عقله وتفكيره وهذا ما سيمنعه من استرداد إرادته وقوته الذاتية ووضع حد لمعاناته، صحيح أن هذه الخطوة ليست سهلة ولكنها ممكنة، فوضع الحدود بوضوح وحزم والوقوف بشجاعة في وجه الظلم والتعدي وتغيير ردود الفعل ستكون الدافع الذي يجبر الطرف الآخر على التغيير. استرداد الضحية لإرادتها وصوتها هو بداية التغيير الذي سيضعها على طريق السلامة والكرامة والسعادة.