أمير تبوك يطمئن على صحة الضيوفي    «إنسان».. خمس جوائز وتأهل للعالمية    المملكة تتسلم رسميًا استضافة منتدى الأمم المتحدة العالمي للبيانات 2026 في الرياض    تحقيق يكشف الدهاء الروسي في أوكرانيا    د. الربيعة يتسلم جائزة القيادة في مجال الصحة والإنسانية    قوافل إغاثية سعودية تصل إلى شمال قطاع غزة    إسرائيل تصعد من وتيرة العنف في لبنان    ضبط 20124 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل    "ديوان المظالم" يقيم ورشة عمل لبوابة الجهات الحكومية    إحباط تهريب (32200) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي في جازان    التواصل الحضاري ينظم ملتقى التسامح السنوي    فتح باب التسجيل في جائزة فيصل بن بندر بن عبدالعزيز للتميز والإبداع    ختام مسابقة القرآن والسنة في غانا    خطيب المسجد الحرام: احذروا أن تقع ألسنتكم في القيل والقال    إمام المسجد النبوي: استبصار أسباب الفلاح يؤدي إلى السعادة    المؤتمر الوزاري لمقاومة مضادات الميكروبات يتعهد بتحقيق أهدافه    اتحاد القدم يحصل على العضوية الذهبية في ميثاق الاتحاد الآسيوي لكرة القدم للواعدين    تدريبات النصر: بيولي يستدعي 12 لاعبًا شابًا    إعلان برنامج انتخابات الاتحادات الرياضية 2024 – 2028    توقيع مذكّرة تفاهم بين السعودية وتونس لتشجيع الاستثمار المباشر    74 تشكيليا يؤصلون تراث وحضارة النخلة    أخضر الشاطئية يكسب الصين    سباليتي يثني على الروح الجماعية لمنتخب إيطاليا    تكريم الفائزين بمسابقة حرف    ضبط يمني في الدمام سكب الأسيد على آخر وطعنه حتى الموت    الزفير يكشف سرطان الرئة    تطوير الطباعة ثلاثية الأبعاد لعلاج القلب    القهوة سريعة الذوبان تهدد بالسرطان    اليابان تعد بحزمة مساعدات إضافية لأوكرانيا    مسلح بسكين يحتجز عمالاً داخل مطعم في باريس    أسرتا نور وفدا تتلقيان التعازي في فقيدتهما    أمير الباحة يكلف " العضيلة" محافظاً لمحافظة الحجرة    فيغا: الدوري السعودي يُشبه «الليغا».. وأشعر بالسعادة مع الأهلي    حسن آل الشيخ يعطّر «قيصرية الكتاب» بإنجازاته الوطنيّة    الأحساء وجهة سياحية ب5 مواقع مميزة    «هلال نجران» ينفذ فرضية الإصابات الخطيرة    خطأ في قائمة بولندا يحرم شفيدرسكي من المشاركة أمام البرتغال بدوري الأمم    برامج تثقيفية وتوعوية بمناسبة اليوم العالمي للسكري    إعلان أسماء 60 مشاركاً من 18 دولة في احتفال "نور الرياض 2024"    المواصفات السعودية تنظم غدا المؤتمر الوطني التاسع للجودة    بيان سعودي فرنسي عن الاجتماع الثاني بشأن العُلا    الأربعاء المقبل.. أدبي جازان يدشن المرحلة الأولى من أمسيات الشتاء    تطبيق الدوام الشتوي للمدارس في المناطق بدءا من الغد    وزير التجارة: منع الاستخدام التجاري لرموز وشعارات الدول والرموز والشعارات الدينية والطائفية    «سلمان للإغاثة» يوزّع 175 ألف ربطة خبز في شمال لبنان خلال أسبوع    المربع الجديد استعرض مستقبل التطوير العمراني في معرض سيتي سكيب العالمي 2024    مصرع 10 أطفال حديثي الولادة جراء حريق بمستشفى في الهند    مهرجان صبيا.. عروض ترفيهية فريدة في "شتاء جازان"    وظائف للأذكياء فقط في إدارة ترمب !    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    لجنة وزارية سعودية - فرنسية تناقش منجزات العلا    الأمير محمد بن سلمان.. رؤية شاملة لبناء دولة حديثة    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بؤس «نظرية المؤامرة»
نشر في الحياة يوم 27 - 12 - 2011

عام 2011 يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن أتخمنا بالأحداث الكبرى والمحورية، ولعل الرتم السريع لتتابع هذه الأحداث، جعل التفسير الأكثر ضخاً وانتشاراً لها هو تصويرها بأنها محض فصول من «مؤامرة» كبرى، نجد هذا التفسير عند أنظمة مثل النظام السوري، الذي يصف الثورة التي يواجهها بأنها مجرد مؤامرة ضده، ونجده كذلك عند قوى الثورة الظافرة في مصر وليبيا عند حديثها عن «الفلول»، و«الثورة المضادة»، و«الطابور الخامس»، قد تكون هذه الاستخدامات مبررة عند من يروجها، نظراً لكونها تخدم مصالحه، لكن ما هو صعب على الفهم هو سهولة قبولها لدى المتلقين ودفاعهم المستميت عنها، إذ إن الاكتفاء باعتبار هؤلاء المتلقين جهالاً لتعليل انتشار مثل هذه التفاسير بينهم هو تعالٍ وغرور، إضافة إلى أنه يخفق في تبيين لماذا تم تبني هذا التفسير بعينه لا تفسير آخر، مادامت العلة، التي هي الجهل، عمياء بطبيعتها. باعتقادي أن ثمّة أمراً ما في بنية نظرية المؤامرة يجعل منها، على رغم بؤسها البيّن، جذابة لهذا الحد.
الحديث عن نظرية المؤامرة لا يعني بالضرورة إنكار وجود مؤامرات في عالم السياسة، فعالم السياسة، ولأنه عالم محجوب تجري مفاوضاته وصفقاته في ظلمة الديبلوماسية السريّة، هو عالم المؤامرات بامتياز. لكن هذا المعنى للمؤامرة لا يتجاوز كونه استخدام القوّة المتاحة بتنسيق مع القوى الأخرى من أجل تحصيل مصلحة أكبر قدر الإمكان. والمؤامرة بهذا المعنى أمر مختلف عنها في المعنى المتضمن في «نظرية المؤامرة» التي تصور المجموعة التي تحيك المؤامرات بأنها ذات طبيعة إلهية، أي لها القدرة على خلق الأحداث والتحكم بها، لا مجرد استغلالها ومحاولة توظيفها لصالحها قدر الإمكان، فأميركا تستطيع أن تتآمر على العراق وتغزوه بالأكاذيب لتحصيل مصالحها، لكنها أبداً لا تستطيع أن تتحكم بالأحداث التي تنتج عن هذا الفعل، التي قد تقود لتبعات معاكسة تماماً لمصلحتها التي أرادت تحقيقها من الغزو.
نظرية المؤامرة بهذا المعنى ليست نظرية علمية لأنها - بحسب معيار العلمية الذي طرحه كارل بوبر - غير قابلة للدحض، فبوبر، وفي سبيل أن يرسم حدوداً واضحة بين نظريات تدعي العلمية كالماركسية والفرويدية وغيرهما كنسبية اينشتاين، وضع معياراً يفصل بين العلم وغير العلم هو «القابلية للدحض»، فتصبح النظرية علمية إذا كانت قادرة على تحديد واقعة ما وفور حدوثها، أو إثبات وجودها تصبح فيها هذه النظرية باطلة، أي أن النظرية تصبح علمية إذا تحدت بأن مثل هذه الواقعة لا يمكن أن تقع، فنسبية «آينشتاين» تتحدى أنه لا يوجد ما هو أسرع من الضوء، ومن هنا أصبحت قابلة للدحض، أي أن مجرد إثبات وجود ما هو أسرع من الضوء كفيل بدحضها، وتكتسب قوتها في كل مرة تفشل فيها محاولات دحضها، لكن نظرية المؤامرة لا تستطيع أن تعين ما يدحضها، بل تقوم بتوظيف كل حادثة - وإن كانت صارخة الوضوح في دحضها لها - كإثبات جديد لها.
إن السهولة التي تنتشر بها نظرية المؤامرة إنما تعود حصرياً إلى قدرتها على نسج «قصة» عن الأحداث التي تتتابع بشكل مفاجئ وسريع. إنها الطمأنينة التي يلجأ إليها من عجز عن استنباط «قصة» ما من فاعلي الأحداث أنفسهم، ليخترع «كاتباً» ما - سمه ما شئت: الغرب، الماسونية، الصهيونية العالمية، المشروع الصفويى - خلف الأحداث قام مسبقاً بالتخطيط لها من أجل أن يحقق غاية محددة.
إن فاعلي الأحداث أنفسهم لا يستطيعون معرفة القصة التي ستنتج عن أعمالهم وأفعالهم، ومن هنا فقط يصبح اختراع «كاتب خلف الكواليس» أساسياً لتوليد قصة ما مريحة لربط الأحداث ببعضها البعض، في حين أن القصة الحقيقية للأحداث لن تكشف عن نفسها إلا للمؤرخ الذي سيعود بأنظاره للماضي بعد انقضاء الأحداث كلياً، ولتوضيح الفكرة بمثال بسيط، نقول إنه لو تشاجر شخصان فجأة، ثم سقط من أحدهما محفظة ممتلئة بالمال فقام أحد المارة بسرقتها، فإنه لا يمكن أبداً القول إن هذا الشجار كله محض مؤامرة صنعها السارق من أجل أن يسرق المحفظة، ومن هنا كل بؤس نظرية المؤامرة: فهي تجعل المستفيد والمستغل لحدث ما هو صانعه ابتداءً، وتستدل بنجاحه في استغلال الحدث على كونه هو من صنعه، في حين أن حدوث الحدث لا علاقة بينه وبين من يستغل تبعاته في النهاية.
قد يكون مفهوماً أن تتبنى الدول والحركات السياسية مثل هذه النظرية من أجل خداع الناس، نظراً لأن الناس يميلون للتفسيرات السطحية والسهلة التي تصور العالم على أنه صراع بين الخير والشر، ويغري غرورهم - أو يعوض نقصهم لا فرق - شعورهم الوهمي بالأهمية بأن قوى عظمى لا همّ لها إلا نصب المكائد لهم، كل هذا مفهوم، لكن ما ليس مفهوم هو الانتشار الرهيب لهذه النظرية عند الأوساط المثقفة والأكاديمية التي تنزلق خطاباتها بسهولة إلى هذا المستوى متجاهلة الوقائع المتكاثرة على الأرض.
* كاتب سعودي يدرس في أميركا.
[email protected]
twitter | @sultaan_1


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.