صحيح الليل ليلي طال ليله والظلام ازداد نثرت الدمع في وجه الظلام ولا استفاق الصبح عجزت اضبط عقارب ساعتي في لحظة الميعاد وعجزت القي لكفي في صميم (ام المعارك) رمح اقود بمفردي احلام والاحلام ماتنقاد تفك قيادها واشوفها بالجو تجمح جمح يذيرها الهوا العالي ويرجاها شجر وعباد ولايقدر يروضها سوى الصبر بعروق الطلح يجافيني الزمان ويستلذ بسرقة الاعياد ولاهي كل زله يازماني تستحق الدمح مسافر والرحيل اللي تغشاني وطن وبلاد خيوله في عيوني لابغيت النوم ترمح رمح وقفت على اليباس الجرد يوم ان السنين شداد ومن دمعي تزاحم في زواياها سنابل قمح نهضت استجمع عزوم العمر وافكك الاصفاد ولمحت الموت ياشر لي بيديه ولاقويت اللمح انا الطفل الغريب اللي مشى في موكب الرواد نسي في قريته مرسم ودراجه ووجهً سمح وانا الوجه الشحوب الممتلي هم والم وسهاد حداه القيظ لين انه تظلل في سحابة ملح امانه دون اسمي يا وطن في سيرة الأولاد وامانه لوني صبرك بدمعي ياعروق الطلح تزدحم في هذا النص المليء بالمواجع كلمات موحية بالألم والمعبرة عن ضراوة الحزن والمكابدة والندم والخوف والأحلام والامنيات لتشكل عالماً فريداً من صراعات ذات موجوعة لايجد المرء بدا أمامها سوى ان يهرع للاستنجاد بأحد ثالوث (الفلسفة أو الفن أو الدين) أو بها جميعا لكي تساعده على مجابهة الألم وتعينه على انحساره. وهكذا هو الإنسان دأب الإنسان في صراعاته في هذه الحياة يتوسل هذا الثالوث للبحث عن مخرج. ولأن طبقة الشعراء تجد في الفن ملاذا فإن سليمان الشدوي في نص (عروق الطلح) كان على طريقة جلينس ريدموند الذي قال: "أنا أؤمن بأن الشعر يشفي لأنه يتيح لي الدخول إلى أعماق قلبي". يقيناً ان مانغبط عليه اي فنان هو ذلك الثمن الرائع للألم الذي يبقى نبعاً فياضاً للفن الذي يغدو وهجهم المتألق ولحنهم الخالد". حين نرى منجزهم الذي انبجس من رحم تلك الأوجاع. هنا تأتي السباحة مع الشاعر في أودية الحزن متعة حين عايشنا نبض الشاعر وهو في أحضان ألم متعاظم الليل بسواده الكالح وظلمته الموحشة رمز الحزن على مر العصور وبيئة مواتية وحاضنة مثلى للوجع وهذا ما يبرر اتخاذه فضاء زمانيا للبوح الذي افتتح به الشاعر وجعه، فيما يمثل الزمن أكبر معضلة للموجوع وفي ذات اللحظة هو الرهان الذي يعول عليه لانقشاع غمة الحزن وحلول الفرج الجميل. حيث (من ساعة لساعة فرج) وهنا كان حضور الزمن عبر مفردات (الوقت والساعة اللحظة والسنين) بكثافة. ولا يستغني موجوع عن ان يلوذ بحلم جامح حيث يأتي عالم الأحلام والأماني بمثابة سلاح آخر يصارع به في معركة الوجع الممتد. ويظل الصبر أعظم الأسلحة القادرة على ترويض الوجع والاحزان الذي يجسده الشاعر بقوله (ولايقدر يروضها سوى الصبر بعروق الطلح). حيث (عروق الطلح) سيدة ورمز ملهم في عالم الصبر والتكيف التي يستلهمها الشدوي كسلاح جديد. هذه الاوجاع المتعاقبة والاحزان الطافحة وحالات الخوف والترقب شكلت حالة خلق شعري متدفق توحي بالانبثاق من عالم المجهول والتمدد كالليل والظلام والشحوب والرحيل وخوف الطفولة وقسوة السنين والرجاء والاحلام والامنيات هذا ما يمكن لمسه من خلال هذه العبارات الشعرية «طال ليله/ والظلام ازداد -نثرت الدمع في وجه الظلام- يجافيني الزمان/ ويستلذ بسرقة الاعياد-/ حداه القيظ/ وانا الوجه الشحوب/ وقفت على اليباس الجرد/ السنين شداد امانه لوني صبرك بدمعي/ ياعروق الطلح" وقد أحصيت في النص أكثر من 13 فعلاً مضارعاً وهنا كأن الشاعر يريد أن يؤكد استمرارية الحالة وتمددها وكأنه يقول في ذات الوقت إنه في ظل الحزن والوجع تتشكل حياة أخرى، حيث في الحزن والصبر حالة خلود دائمة تتشكل من رحم هذا الألم، فالكلمات التي جاءت خائفة مرتعدة في عملية مخاض صعبة تحوّلت إلى عبارات متموّجة نابضة بمعاني الشعر الخالد والعزم المتجسد في أكثر من بيت شعري على غرار (ومن دمعي/ تزاحم في زواياها /سنابل قمح) حيث سنابل القمح رمز الأمن الغذائي وأمل الجياع المنتظر فيما يختم نص (عروق الطلح) الفخم بهذا البيت الذي صب فيه غاية أمنياته المتناثرة بأن يورثه صبره الممتد خلودا لايفنى.. (امانه دون اسمي ياوطن في سيرة الأولاد وامانه لوني صبرك بدمعي ياعروق الطلح) ويكفي أن يدون وطن ما اسم أحد مواطنيه وان تلون رمز الصبر (عروق الطلح) صبرها بدموع موجوع لكي يتحول الألم والحزن والجروح والصبر جسراً نحو الخلود وتحقيق الأبدية. سليمان الشدوي رؤية - ناصر بن محمد العمري