في اليوم الذي أنشد فيه الشاعر أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم» بدأت القصائد تفكر في أن تستقل عنه. راقت الفكرة للشاعر فترك قصائده تنفذ ما فكرت فيه. سُرّ الشاعر بما رأى، وأعجبته طريقة قصائده في الاستقلال عنه، تلك الطريقة الدالة على النفوذ الذي يمتلكه مَن يعتقد أنه بريء، وعلى حق. لم تعد قصائده ما ( قاله) بل تحولت إلى ما ( قُلْن)، وحينما تؤول القصائد لا يقول النقاد إن القصائد (تعني)، إنما القصائد (يعْنين). اشتد قلق الشاعر؛ لأن قصائده لم تعد وثيقة الصلة به، فكلما فكرن في أن يَنْسقْن إلى أفكارهن المتعلقة بحياتهن معه، فعلْن كل ما في وسعهن لكي يحولن عقولهن عنه. شعر الشاعر أن قصائده متفوقات عليه، وكما يحدث دائماً، ومهما يكن من شأن التفوق؛ فإنه يعجز عن أن يتفوق من دون مكر أو حيلة. في أحد الأيام قابل الشاعر عدوّه. أراد أن يهرب. قلن له، وهن يبتسمن: -أتهرب وأنت القائل الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم» من غير المجدي أن يفكر الشاعر. فخلاصة التفكير المجرد لا تكون إلا مجردة، وغير فاعلة، لاسيما أن الوضع الذي يعاني منه وضع ملموس، وليس مجرداً. كرّ الشاعر على عدوه، لكنه أصيب في مقتل. قال وهو يحتضر -أرأيتن؟ يقلّد الواقعُ الشعرَ. لا أحد سوى شاعر، يمتلك ما يكفي لصياغة عبارة كهذه.