الحديث عن سياسة المملكة واستقرارها وأمنها يتطلب استدعاء لتاريخ هذه الدولة الذي يقترب من اربعة قرون مضت حيث مرت الدولة السعودية بثلاث مراحل مهمة وأساسية وكانت المرحلة الثالثة التي قادها الملك المؤسس الملك عبدالعزيز بمثابة الاعلان عن الاستقرار السياسي لهذه الدولة، فقبل اكثر من مئة عام مضت وحد الملك عبدالعزيز اركان دولته وتبنى نموذجا سياسيا فريدا يراعي التوازن في مكانة المملكة دوليا ومحليا ويمنحها مكانتها الطبيعية عطفا على امكاناتها ومقدَراتها وحكمة قياداتها وتلاحم شعبها. ومنذ ذلك العهد وحتى يومنا هذا ترفل بلادنا في نعمة الأمن والاستقرار في كل جوانبهما رغم كثير من التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعج بها المنطقة مؤخرا إلا أننا نحتفظ بجدارة بموقع سياسي ثقيل وامكانات اقتصادية قوية أما تلاحمنا ووحدتنا الوطنية راسخة وثابتة في موقفها مهما تعددت وتنوعت مخططات الأعداء والمتربصين بأمن واستقرار هذا الوطن ولا شك أن - الفضل لله - ثم لسياسة قادتنا التي حافظت بحكمتها وعزمها وحزمها على ثبات الحكم واستقراره في أصعب الظروف التي نعاصرها. التحديات السياسية بداية تحدث د. علي بن حمد الخشيبان - كاتب ومحلل سياسي - عن السياسة السعودية اليوم وخصوصا بعد ما يسمى بالربيع العربي حيث أوضح أنها تجد نفسها في تحد اكبر ومسؤولية اكبر من اجل العمل على تأكيد الاستقرار في المنطقة، مضيفا أن المملكة لعبت دورا بارزا في هذا الجانب وتمكنت بفضل الله ان تتجاوز الكثير من التحديات السياسية وخاصة تلك المصاحبة للثورات العربية التي اجتاحت المنطقة، كما تساهم المملكة اليوم بالوقوف مع اشقائها في اليمن من اجل ضمان استقرار اليمن وعودة الشرعية الى ارضه وتمكين الشعب اليمني الشقيق من ممارسة دوره التنموي والحضاري بعيدا عن التدخلات الاجنبية الداعية الى زرع الفتنة في اليمن والمنطقة بأكملها. وأوضح أن الموقف السعودي السياسي في المنطقة العربية ينطلق في حقيقته من مسؤولية كاملة للسعودية كونها الدولة الاكبر في المنطقة والدولة الاكثر تأثيرا في العالم وكونها الدولة التي تتمتع بعلاقات دولية تجعل منها لاعبا رئيسا في المنطقة والعالم انطلاقا من مكانتها الدينية والسياسية والاقتصادية، مشيرا إلى أن المملكة اليوم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن نايف تلعب دورا بازا في تأكيد اهمية الاستقرار في المنطقة وهذا الدور الذي تلعبه المملكة في هذا الجانب يعكس مكانتها الدولية وقد اثبتت السعودية انها تساهم وبشكل كبير في قيادة الامة العربية والاسلامية الى كل ما فيه خير هاتين الامتين وفقا لسياسة السعودية الراسخة في تعزيز مكانتها الدولية ودعم اشقائها من العالم العربي ومن الدول الاسلامية الشقيقة. وأضاف أن التحولات السياسة التي أعقبت الثورات العربية تشكل تحديا كبيرا أمام سياسات المملكة في منطقة الشرق الأوسط وخصوصا التمدد الإيراني في المنطقة الذي ساهم في ادخال المنطقة العربية بالكثير من الازمات، ولقد كان موقف المملكة أمام السلوك الإيراني السلبي في المنطقة معبرا عن رفض كامل من السعودية لكل ما تقوم به ايران في المنطقة العربية ابتداء من تدخلها في لبنان ثم العراق ثم سورية ثم البحرين ثم اليمن، مبينا أن السياسة السعودية عملت على الوقوف الدائم امام مشروعات التوسع الايرانية في المنطقة وقد ساهمت الجهود الدبلوماسية الكبيرة للمملكة في توحيد الصف العربي امام المشروعات الايرانية وخاصة تلك المشروعات الداعية الى تأجيج الطائفية بين ابناء الشعوب العربية والخليجية تحديدا، كما ساهمت المملكة بكل حزم في ردع العدوان الايراني على البحرين قبل سنوات وتم بحمد الله إعادة الاستقرار إلى هذه الجزء المهم من المنظومة الخليجية، كما ساهمت المملكة وعبر قيادتها لتحالف عربي في انقاذ اليمن من السيطرة الإيرانية عبر عملية (عاصفة الحزم) التي امر خادم الحرمين بانطلاقها قبل أشهر من أجل إعادة الأمل إلى اليمن الذي ساهمت ايران في زرع الفتنة داخلة من خلال تبني جماعة طائفية لا تمت للإسلام بصلة. وأشار إلى أن المملكة اثبتت قدرتها على تجاوز تلك التحديات بجميع الوسائل واستطاعت ان تثبت للعالم انها تستطيع اتخاذ الاجراءات اللازمة اذا ما دعت الحاجة الى ذلك وهذا ما تحققت من خلال قيادة المملكة للأعمال الدبلوماسية والعسكرية في سبيل مواجهة التمدد الإيران الذي يسعى الى السيطرة على المنطقة العربية عبر تأجيج الطائفية بين أبناء المنطقة، كما عملت المملكة على التأكد من أن ايران لن تتمكن من امتلاك سلاح نووي يساهم في ادخال منطقة الشرق الاوسط في سباق تسلح كبير قد يساهم في حرب دولية يتأثر بها العالم اجمع، وإن النجاح الكبير الذي حققته السياسة السعودية في تحدياتها القائمة تثبت المكانة والقدرة التي تتمتع بها المملكة من خلال قدرتها على التأثير دوليا ومحليا في المسارات السياسة بالإضافة الى القدرات الدبلوماسية والعسكرية التي تتمتع بها المملكة والتي استطاعت من خلالها أن تفرض الكثير من رغباتها على اعداء المنطقة وتجبرهم على التراجع عن مخططاتهم، موضحا أن المملكة اليوم تثبت انها الدولة الاكثر تأثيرا في المنطقة والعالم من خلال جهودها وقدراتها وثقة العالم بها كونها بلدا لديه من القدرات التي تمكنه من مواجهة التحديات التي تمر بها المنطقة العربية. المبادئ الراسخة ومن جانبه أكد د. طلال محمود ضاحي - عضو مجلس الشوري السابق واستاذ العلوم السياسة المشارك كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة الملك سعود-: أن الحصيلة النهائية لسياسة الدولة الخارجية عموما يعكس بصورة أو بأخرى صورة وشخصية الدولة في المحيط الخارجي مما قد يكسبها في الوجه المضيء من الصورة الاحترام والتقدير العالمي، او قد يضعها في الجانب الاخر المظلم من الصورة، وفي الحديث عن السياسة الخارجية السعودية قال د. ضاحي لا بد وان تستوقفنا مجموعة من المتغيرات المهمة التي جعلت من هذه السياسة مثار اهتمام واعجاب العالم اجمع على اختلاف اطره العقائدية ودرجة نموه السياسي او الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، فالسياسة الخارجية السعودية تقوم على مجموعة من المبادئ الراسخة لهذه الدولة منذ توحيدها على يد الملك المؤسس غفر الله له مرورا بأبنائه الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله والتي يأتي في مقدمتها دفاعها عن قضايا الوطن ومصالحه، وقضايا الامتين العربية والاسلامية وحرصها على استتباب الامن والاستقرار العالمي وغيرها من القضايا العالمية التي تلقي بظلالها على البشرية، واذا انتقلنا للحديث عن سمات هذه السياسة الخارجية فلا بد وان يستوقفنا انها تنبع من "اطار ايدلوجيا" رباني يحدد اطر الخير والشر ويرسم طريق التفاوض من خلال التوجيه الرباني "وجادلهم بالتي هي احسن". ويرى د. طلال أن هذه المرجعية الفكرية جعلت السياسة الخارجية السعودية تتسم بسمات "الثبات والاستمرارية" التي تعني بعدها عن الارتجالية والانفعالات اللحظية والتي تعطي الباحث والمتابع في الجانب الاخر من التحليل القدرة على التنبؤ بمسار هذه السياسة وما يتمخض عنها من قرارات انية او مستقبلية، مشيرا إلى أن هناك الكثير من التحديات التي تواجه السياسة السعودية داخليا وخارجيا والتي تنبع من دوائر اهتمام صانعي القرار السياسي السعودي فالدائرة الاولى هي امن واستقرار المملكة، تليها في الاهمية امن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي، ثم قضايا العالم والعربي، فمنطقة الشرق الاوسط، ثم بقضايا العالم الاسلامي وانتهاء بالسلم والامن الدوليين، ولعل من اهم السمات المشتركة لهذه التحديات ان بعضها هي تحديات "وجود" مما يعني ضرورة التصدي لها بكل قوة وعزيمة واصرار بعد الاتكال على الله اولا ثم بمساعدة الخيرين من اشقاء واخوة المملكة ولعل اخرها كانت المواجهة على الحد الجنوبي من المملكة والتي لقن فيها التحالف الذي تقوده المملكة للأعداء والمتربصين بأمنها واستقرارها درسا لن ينسوه وسيصل صداه حتما لتلك القوى الآثمة التي ساعدتهم وتساعدهم على الاثم والطغيان. التحديات الأمنية وعن التحديات الأمنية تحدث د. عبدالرحمن العطوي – عضو مجلس الشورى عضو لجنة الشؤون الأمنية – قائلا: ان المملكة واجهت وتواجه تحديات أمنية داخلية وخارجية فمكائد الأعداء ودسائسهم في ازدياد وتنوع وتطور فتارة يستخدم الأعداء غطاء الدين وتارة يستخدمون غطاء الحريات والحقوق وتارة يستخدمون غطاء التطوير والتحديث والتجديد ولا يترددون في استخدام اي وسيلة بشرية او مادية او تقنية او معنوية يحققون من خلالها أو يصلون بواسطتها الى الغاية الرئيسة وهي تدمير هذا الكيان ومكوناته والاستيلاء على خيراته وثرواته وتطويعه وتطبيعه لتحقيق غايتهم واطماعهم وما ذاك الا لسبب رئيس هو تميز هذه البلاد عن بلدان العالم اجمع بتحكيم الشريعة الاسلامية السمحة والاحتكام اليها حكاما ومحكومين وثبات شعبها على دينه وقيمه الحميدة الكريمة ووحدته وتماسكه والتفافه حول قيادته وعلمائه وامتلاكه لثروات كبيرة متنوعة وأعظمها المكانة الدينة المؤثرة في نسبة كبيرة من سكان المعمورة، مضيفا لن يرضي الأعداء علو شأن هذه البلاد ونهضتها وأمنها واستقرارها وراحة واطمئنان اهلها ولكن شعب هذه البلاد وقياداتها على علم ودراية بذلك وهم يد واحدة في حفظ أمن هذه البلاد ورخائها واستقرارها ووحدتها ويضحون في سبيل ذلك بالنفس والنفيس رجالا ونساء صغارا وكبارا وعلى مختلف المستويات والمسؤوليات في الداخل والخارج. وأكد أن حكومة المملكة وشعبها تكاتفوا وتعاونوا في الحرب على الارهاب بكل صوره المادية والفكرية وأبهروا العالم في قدراتهم ومهاراتهم و تعاونهم في القضاء على الارهاب وكشف دوافعه وحقيقة منفذيه وداعميه والمخططين له في الداخل والخارج وكل ذلك بفضل الله الذي يحفظ هذه البلاد المباركة الحافظة لحدوده وشريعته ثم بفضل الجهود المخلصة الموفقة لمن تولى مهام حفظ أمن هذه البلاد في الداخل والخارج من عسكريين ومدنيين وعلى رأسهم القيادات العليا للأمن والدفاع في هذه البلاد المباركة. وقال ان عاصفة الحزم هي في حقيقتها حرب شاملة على الارهاب الذي أضر بالدِّين ومصالح الوطن والمواطن وانتهك حرمات الجار ولن تدع للإرهاب والجماعات الإرهابية في الداخل والخارج فرصة للنيل من أمن هذه البلاد ووحدتها واستقرارها وهي عاصفة أمن وأمان شاملة لكل اجزاء هذا الوطن الغالي ولكل حدوه وأركانه ومكوناته البشرية والمادية ومقدساته ومصالحه الاقتصادية والاجتماعية. تنمية واستقرار كما بين د. فضل البوعينين محلل اقتصادي أنه لا يمكن الفصل بأي حال من الأحوال بين التنمية الشاملة التي تشهدها المملكة، وبين الاستقرار السياسي الذي من الله به عليها، فأصبحت قادرة على تنفيذ خطط التنمية بعيدا عن المنغصات. مؤكدا أنه نجحت المملكة في تحقيق قدر من التوازن بين متطلبات التنمية والنمو الاقتصادي، والتطور العلمي والتقني لأسباب مرتبطة بالاستقرار السياسي الذي كان له أكبر الأثر في خلق بيئة آمنة ومحفزة للإبداع والتطوير والبناء، ومؤسسة الحكم كان لها الدور الرئيس في تحقيق الاستقرار السياسي؛ ومن دونها لم تكن الدولة قادرة على تحقيق كل ما وصلت له من تطور وازدهار، وبناء لقطاعات الاقتصاد. وأضاف لا يمكن أن تهنأ الشعوب بالتنمية الاقتصادية، الاجتماعية، الحضارية، والفكرية، وإن تهيأت لها الثروات، ما لم تتوفر لها مقومات الأمن والاستقرار اللذين يعتمدان؛ بعد الله؛ على الاستقرار السياسي؛ واللحمة الوطنية. وقال لقد شهد الاقتصاد السعودي خلال السنوات الماضية تطورا ونموا كبيرين خرج من مرحلة تحمل ديون التنمية إلى بناء الاحتياطات المالية الضخمة، وتضاعفت ميزانية الدولة ووصل الإنفاق الحكومي إلى أرقام مهولة؛ ومع التغيرات الاقتصادية العالمية انخفضت ايرادات الدولة في هذا العام؛ الا ان مشروعاتها وخططها التنموية لم تتوقف بفضل الله ثم بوجود الاحتياطيات الضخمة؛ والسيولة المتاحة في القطاع المصرفي ومثلما خرجت السعودية قوية؛ بفضل الله من أزمات سابقة ستخرج من هذه المتغيرات الحالية بإذن الله، مؤكدا أن الاستقرار الاقتصادي لا يمكن تحقيقه بمعزل عن الاستقرار السياسي؛ الضامن الأول لمكتسبات التنمية، ومقومات الاقتصاد، وكل ما عدا ذلك يمكن فقده في غفلة من الأمن، أو اهتزاز الاستقرار، كما حدث من قبل في بعض الدول التي خسرت جهودها التنموية، وتهاوت اقتصاداتها؛ وتفككت وحدتها؛ بسبب فقدانها الاستقرار السياسي؛ والأمن القومي. وقال: اليوم الوطني فرصة للتذكير بالمكتسبات؛ ومراجعة الخطط الاقتصادية والتحديات؛ والتوسع في الإصلاحات الاقتصادية ومنها الخصخصة؛ وتفعيل دور القطاع الخاص؛ ودعم قطاعات الإنتاج؛ وتنويعها؛ وضبط الإنفاق وتحقيق كفاءته؛ ووقف الهدر المالي؛ ومراجعة سياسات الدعم؛ وفق أسس تضمن إيصال الدعم للشرائح المستحقة وبمعزل عن الآخرين؛ إضافة إلى استثمار السيولة المتاحة في الاقتصاد وتوجيهها نحو تمويل المشروعات الاستثمارية الضخمة التي تدعم الاقتصاد؛ وتحقق التنمية؛ وتوفر فرصًا استثمارية آمنة للمواطنين. الاحتفاء باليوم الوطني تعبير عن صدق الولاء والانتماء للوطن والقيادة د. علي الخشيبان د. طلال ضاحي د. عبدالرحمن العطوي د. فضل البوعينين