منذ فترة وقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - يحفظه الله - تعيد التوازنات الاستراتيجية في المنطقة، ومنذ انطلاقة عاصفة الحزم، كان مجمل القراءات يؤكد ولادة المشروع العربي لمواجهة المشروع الايراني في المنطقة ، وكل الحيثيات والتعاملات تؤكد أن ايران مساهم رئيس في عمليات الفوضى والارهاب التي تجتاح بلداننا، ولا مجال إلا الحزم والتعاون في مواجهة هذه المخططات. ورغم ان البعض يعتقد - ومنهم الجانب الامريكي - أن الشطط في السلوك الايراني كان نتيجة للحصار الاقتصادي، والمخاوف الايرانية حول برنامجهم النووي وان توقيع الاتفاق النووي المشروط، سيدفع ايران نحو الداخل، ونحو التنمية، غير أن حبر الاتفاق لم يجف، حتى أعلن المرشد علي خامئني ان الاتفاق لن يؤثر على سياسة التدخل الايرانية، ليؤكد حقيقة الرؤية الخليجية والعربية، بأن المشروع الفارسي ليس في وارد التراجع، ولا يملك القدرة على تغيير الاتجاه، والتصالح مع الاقليم. فايران ظلت - عبر تاريخها الثوري - تصادر الداخل بحجة المؤامرات التي يحيكها المجتمع الدولي ضدها، وما ان تنتهي من أمر حتى تصطنع أمرا آخر لتبرير سياساتها الداخلية والخارجية. كلنا مقتنع بأن الحروب وعدم الاستقرار ، ومحاربة الارهاب تحتاج لتحالف دولي واقليمي، وتحتاج لمنظومة أمن إقليمي جديدة، لكن ايران مازالت غير مؤهلة للقيام بهذا الدور وأن تكون شريكة في صناعة الأمن الإقليمي والمساهمة في استقرار المنطقة، والتأسيس لمرحلة جديدة تشاد على الأمن والتنمية والتعاون الانساني والثقافي. ولهذا احتاجت دول المنطقة ضمانة دولية للفرض على ايران التخلي عن سياساتها التدخلية والداعمة للارهاب. لقاء الدوحة الأخير الذي ضم وزراء خارجية الولاياتالمتحدة جون كيري ووزير خارجية روسيا سيرغي لافروف ووزير خارجيتنا عادل الجبير ، كان لقاء استراتيجيا وهاما. فالمنطقة حبلى بالمشكلات والتصدعات العنيفة التي لن تتوقف عند حدودها، وايران - للأسف وبمعرفة الامريكان أنفسهم - دولة صانعة للمشكلات وداعمة للتطرف والطائفية والارهاب، ولا يمكن النجاح في محاربة الارهاب، طالما يجد الارهاب من يدافع عنه ويدعمه ويؤويه. إن استراتيجية الحزم السعودي وبناء منظومة الدفاع والردع العربية، ومنظومة العلاقات الاستراتيجية الاقليمية والدولية، جاءت واحدة من الخطط الرئيسة لتحجيم التدخلات الايرانية ولضبط الصراعات العنيفة في المنطقة، والدخول في تسويات سياسية عادلة تسهم في حفظ أمن واستقرار الدول والمجتمعات التي تشهد مزيدا من الازمات والانقسامات والتحديات الداخلية، وبسبب التدخلات الخارجية، كما يجري في العراقوسوريا واليمن. إن الحراك السياسي والدبلوماسي السعودي على الصعيدين الدولي والاقليمي، ساهم في تعزيز ملامح الاستقرار الاقليمي، وساهم في الحد من عوامل التدخل ومد النفوذ الايرانية في المنطقة العربية، إلا أن ايران الطامحة مازالت تساهم في إضعاف الدولة العربية واستهداف الجيوش العربية لصالح الأحزاب والميليشيات الطائفية، كحزب الله وحركة التمرد الحوثي، وميليشيات الأسد، حال خروج السلطة في سوريا. ونظرا لإدراك الدول الغربية، وإدراك موسكو أن ايران مساهم في تعزيز بنية وبيئة التطرف والارهاب في المنطقة، وأنه ليس في نواياها المقبلة أن تكون دولة طبيعية ومسؤولة، كان لابد للدول الكبرى من رؤية تتفق والرؤية السعودية بضرورة بناء قوة وتحالف إقليمي مواز ، لتعزيز معالم الاستقرار الاقليمي، وهو الأمر الذي دفع القيادة السعودية لاستعادة علاقاتها النوعية مع تركيا، ومصر ، وموسكو ، وهو الأمر الذي دعا الادارة الامريكية الى إعادة العلاقة النوعية والاستراتيجية مع مصر. وكذلك تعزيز العلاقات الروسية المصرية، حيث ساهم مجمل هذه العوامل والمعطيات في إنتاج إعلان القاهرة السعودي المصري، ولتساهم في إعادة الدور المصري كنقطة ارتكاز رئيسة في الأمن العربي. إن استراتيجية المملكة في استعادة العلاقات النوعية والاستراتيجية عربيا وإقليميا ودوليا، تزامنت أيضا واستراتيجية أخرى تستند إلى إعادة بناء العلاقات مع القوى العربية الحية، كتنظيم الاخوان المسلمين، وحركة حماس، والرمزيات والقوى الثقافية والسياسية العربية، لتعزيز الاستقرار العربي، ولتسخير كافة الامكانات لمواجهة مشاريع التدخل والتفتيت التي تحاك ضد الدول العربية.