لم تعان أي دولة في العالم مثلما عانت وتضررت المملكة من الإرهاب على مدى السنوات الماضية.. وكما أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - يحفظه الله - في كلمته - أيده الله - لدى افتتاحه المؤتمر الدولي لمكافحة الارهاب في الرياض العام الماضي أن المملكة من اوائل الدول التي عانت من الارهاب وحذرت من خطره وقاومته بكل شدة على المستوى المحلي والاقليمي والدولي، وفي الاخير انتصرت قوى المحبة والتسامح والسلام على قوى الحقد والتطرف والاجرام على الرغم من أن بعض المراقبين في الخارج كانوا يراهنون على صعوبة خروج المملكة من ازمة الارهاب بأضرار أقل.. وفي النهاية نجحت الاجهزة الامنية في المملكة حتى الآن في استئصال الشر وملاحقة كل عابث بنجاح كما يظهر الآن.. نعم قدم عدد من أبنائها دماءهم لهذا الهدف ولكن في النهاية كان الانتصار. بدأ تسلسل الاحداث زمنياً حول وجود خلايا لما يسمى بتنظيم القاعدة في المملكة في مارس 2003م من شقة في حي الجزيرة شرق الرياض عندما كان فهد الصاعدي - 29 عاماً - يجري تعديلات على مواد متفجرة استعداداً لاستخدامها ضد أناس أبرياء في مكان ما في الرياض قبل أن تنفجر في وجهه، وبعد شقة الجزيرة بأسابيع توصلت الاجهزة الامنية لعناصر خلية ال (19) في شقة بحي أشبيليا وتم دهم الشقة لتعثر القوات الامنية على مواد متفجرة يفوق وزنها 700 كيلو جرام، وتواصلت الاحداث سخونة لتعلن وزارة الداخلية في اليوم التالي ولأول مرة الاعلان عن قائمة ال (19) الارهابية في موقف لم يعتد عليه المواطنون مما أثار لديهم الشكوك والتنبؤات بأن الوضع خطير.. وفي مايو من نفس العام نفذ (16) ارهابياً (انتحارياً) منهم (5) من القائمة المعلن عنها تفجيرات المجمعات السكنية الثلاثة في الرياض التي راح ضحيتها عشرات القتلى والمصابين جلهم من المسلمين ليبدأ المشهد أمام المواطن مغايراً تماماً عما كان يتصوره، فتتواصل اثر ذلك الجهود الامنية في ملاحقة العناصر الارهابية في الرياض وأنحاء متفرقة من المملكة وتسارعت الاحداث وسط ترقب ومتابعة داخلية وخارجية لما ستسفر عنه وعقدت الدولة العزم الاكيد على تتبع وملاحقة عناصر الشر والاجرام في كل بقعة من البلاد حتى يقضى عليها.. ثم أعلنت الداخلية في ديسمبر 2003م قائمة المطلوبين ال (26) وطلبت من المواطنين التعاون مع الاجهزة الامنية لملاحقتهم والابلاغ عنهم فجاءت تفجيرات مبنى المرور في الوشم وتفجيرات مجمع المحيا السكني التي أوقعت (130) ما بين قتيل ومصاب وهذه التفجيرات الاكثر تأثيراً لدى المواطنين في الوقوف ضد كل مؤيد او صامت تجاه ما حدث وبدأ الشارع يتحدث عن مشاهد الدمار وصور الضحايا التي أحدثتها التفجيرات الاجرامية والتي لم يعتد المواطن رؤيتها داخل المملكة من قبل.. وتواصلت العمليات الأمنية بعد تفجيرات المحيا التي زاد من بشاعتها توقيتها حيث وقعت في شهر رمضان وزاد غضب الشارع المحلي والدولي تجاه ما يحدث في الرياض حيث وصف وزير الخارجية البريطاني جاك سترو بُعيد سماعه نبأ التفجير في رمضان ذلك العمل بأنه دليل على أن منفذيه (بربريون) ومتوحشون ولا يحترمون الاسلام، فيما ندد المواطنون بما حدث وأكدوا بشاعة العمل المرتكب في حق أناس أبرياء ومسلمين في وقت كان الجميع يؤدي فيه صلاة التراويح. وتواصل سيناريو العمل الأمني الناجح والمتقن بعد ذلك في تعقب العناصر الارهابية والقضاء عليها وابطال أي عمل ارهابي قبل وقوعه والسعي للوصول لرؤوس الشر وضربها قبل الاطراف وهذا ما تم بالفعل في ظل خطط أمنية محكمة اشاد بها الجميع. وفي يونيو من نفس العام 2003م قتلت الأجهزة الأمنية يوسف العييري الذي تزعم عناصر الاجرام انه القائد الفعلي لما يسمى بالتنظيم في المملكة وذلك خلال عملية أمنية ناجحة شهدتها إحدى مدن حائل ثم عينت عناصر الشر خالد الحاج - يمني - قائداً لها ثم تمكنت القوات الأمنية منه وقتلته في مارس 2004م في مطاردة شهدها حي النسيم شرق الرياض وتمكنت من عبدالعزيز المقرن القائد الثالث في مواجهة كبيرة شهدها حي الملز واستمرت في عملياتها الناجحة حتى سقط اخيراً آخر قائد للعناصر الإرهابية كما يدعون وهو صالح العوفي في المدينةالمنورة. وخلال كل تلك الاحداث المتسارعة على مدى 3 سنوات فقط كانت وزارة الداخلية عبر اجهزتها المختلفة تسجل نجاحات متواصلة في هذا العمل الأمني فضبطت كميات هائلة من المواد المتفجرة قبل استخدامها كانت في طريقها لتفجير عدد من المجمعات السكنية والمنشآت الحيوية واستمر العمل الأمني على مختلف الاصعدة حتى بدأت تندحر شأفة الشر وتواصل تساقط الإرهابيين باستمرار وانهارت تلك الجماعات تدريجياً. وفي كلمته - ايده الله - امام المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي دعت اليه المملكة اكثر من 50 دولة للمشاركة فيه لعرض التجارب الدولية في مجال مكافحة الإرهاب اكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ان شبكة الإرهاب ترتبط ارتباطاً وثيقاً بثلاث شبكات اجرامية (عالمية) اخرى هي شبكة تهريب الاسلحة وتهريب المخدرات وغسيل الأموال ومن الصعب الانتصار في الحرب ضد الإرهاب مالم تشمل الحرب مواجهة حاسمة مع هذه الشبكات الاجرامية الثلاث وهذا بالفعل ما بدأته المملكة وكثفت الجهات المعنية جهودها للقضاء على هذه الظاهرة وفي نفس الوقت اصدرت عفواً ملكياً لتلك العناصر لمن يتراجع ويسلم نفسه، وكان ذلك في وقت كانت النجاحات الأمنية متواصلة.. وعلى عكس ما كان يؤمله ويخطط له عناصر الإرهاب بدأ الشارع السعودي بعد كل تلك الاحداث الدامية اكثر كراهية لهم ولأعمالهم الاجرامية الشريرة وتجاوب المواطنون بشكل كبير في التعاون من الاجهزة الأمنية ضد تلك العناصر، وظهر المواطنون اكثر ولاءً لولاة الامر واكثر تلاحماً ولحمة بعد كل ما حدث ولم تزعزع تلك الاحداث كيانهم بدليل الحشود الهائلة من المستنكرين لأعمالهم التي تغص بها مجالس المسؤولين وبدا المجتمع اكثر انفتاحاً على العالم على عكس ما كان يريد هؤلاء وسعيهم للانغلاق وبدا الوعي كبيراً لدى الشارع في مختلف مناحي الحياة وبدأت مجالات الاستثمار الاجنبي اكثر من اي وقت مضى، وسارت قافلة الخير وبقي الحاقدون في ضلالهم خائبين. لاتكاد تغيب عن مخيلة كل طفل وشاب وكبير في السن عاش وعاصر تلك الاحداث الاجرامية البغيضة صور الاشلاء والدمار وآثار الاجرام وجثث الضحايا والمصابين في المستشفيات و المجمعات السكنية جراء تلك التفجيرات. ولاحقت المملكة في عملها المنظم ضد الإرهاب منابع التمويل ونظمت كل عمل قد يستخدم في غير موضعه لخدمة تلك الاغراض الاجرامية وحاربت غسيل الاموال وتصدت لعمليات تهريب الاسلحة والقت القبض على كثير من العناصر الإرهابية وطاردت كل منتمٍ لهذا الفكر بشكل واسع طوال السنوات الماضية في مشهد غير مسبوق لم يعتد المواطن قبله ان يرى آليات الاجهزة الأمنية المختصة تجوب الشوارع ويرى تكثيف العمل الأمني في عدد من المواقع ونقاط التفتيش على الطرق السريعة لتضييق الخناق على باقي المطلوبين. والآن بدأ المواطن يشعر بكثير من الإطمئنان بعد دحر الشر واثبتت الاجهزة الأمنية قدرتها الفائقة في التعامل مع تلك الاحداث قبل وقوعها وضمان عدم وقوعها بقدرة اشادت بها الجهات الدولية وقضي على جميع رؤوس الشر التي كانت تقود تلك الجماعات وقبض على المفتين والمنظرين لهم وسقط كل من يساندهم حتى إعلامياً وبدا الوضع افضل بكثير مما كان عليه خلال الثلاث سنوات الماضية وازداد حب المواطنين لوطنهم وتعاونهم مع رجال الأمن.. نعم خسرت المملكة خلال حربها على الإرهاب مجموعة من الابطال الشرفاء من ابنائها الشهداء سواء كانوا رجال أمن او مدنيين ولكنها كسبت المعركة.