دراسة التاريخ، سواء أكان تاريخ دولة أم تاريخ حروب أم تاريخا للكائنات الحية القديمة تحتاج إلى مقياس زمني. ومن الإنجازات الكثيرة التي حققها علم الأرض للمعرفة البشرية هي مقياس الزمن الجيولوجي، وترسيخ فكرة تاريخ الأرض بأنه تاريخ طويل جداً ومعقد.. وكان الناس في السابق يتندرون بالتاريخ الجيولوجي، وعندما يتحدث جيولوجي عن الأرض فإنهم يقولون إنه يتحدث عن ملايين السنوات، وهناك من يعتقد بأن الجيولوجيا هي علم التواريخ القديمة جداً والتي قد لا يستوعبها العقل البشري! ولقد أدرك الجيولوجيون القدامى من أمثال جيمس هاتون وبلا يفير وتشارلس ليل وغيرهم أن الزمن الجيولوجي قديم جداً، ولكن أولئك الجيولوجيين لم يكن لديهم أي وسيلة لتحديد عمر الأرض بدقة. ومع اكتشاف الإشعاع الذري في بداية القرن العشرين، فقد أصبح لدى الجيولوجيين القدرة على تحديد كثير من وقائع تاريخ الأرض تحديداً دقيقاً. ويقدر عمر الأرض طبقاً لتقنية النشاط الإشعاعي بحوالي 4.6 بلايين سنة. إن طول الزمن الجيولوجي من أصعب المفاهيم العلمية على إدراك كثير مما تعلمناه في المدارس والجامعات بل ومن تجاربنا وحياتنا اليومية. والآن، لو حاولت عزيزي القارئ أن تعرف كم هي مدة 4.6 بلايين سنة (وهي عمر الأرض)، وتبدأ العد مثلاً بمعدل رقم واحد في الثانية، وتستمر 24 ساعة طوال أيام الأسبوع دون توقف، فسوف يستغرقك هذا حوالي (150سنة) لتصل إلى هذا الرقم (4.6 بلايين سنة). ويقدم أحد العلماء أساساً آخر للمقارنة كما يلي: إذا تصورت على سبيل المثال، أن (4.6 بلايين سنة) تعادل سنة واحدة على هذا المقياس، فإن أقدم الصخور التي نعرفها تعود إلى منتصف شهر مارس، وأول بداية للكائنات الحية في البحر كانت في شهر مايو، أما النباتات والحيوانات البرية فقد ظهرت في اواخرشهر نوفمبر، والمستنقعات الكثيفة التي كونت رواسب الفحم الحجري في العصر الكربوني الأعلى قد ازدهرت لمدة أربعة أيام في أوائل شهر ديسمبر، ثم انقرضت في 26 منه في نفس الوقت الذي نشأت فيه جبال الروكي. أما الحيوانات التي تشبه الإنسان فقد ظهرت في مساء يوم 31 من شهر ديسمبر، وبدأ انحسار آخر غطاء جليدي عن منطقة البحيرات العظمى وشمال أوروبا حوالي دقيقة واحدة و 15 ثانية قبل منتصف الليل من يوم 31 ديسمبر، وحكم الرومان العالم الغربي لمدة 5 ثوان، أي من الساعة 9:45:11 إلى الساعة 11:59:50 من نفس اليوم. واكتشف كولومبس قارة أمريكا الشمالية 3 ثوان قبل منتصف الليل، وكانت ولادة علم الأرض بشكل واضح على يد جيمس هاتون حوالي ثانية ونصف قبل نهاية هذه السنة المليئة بالأحداث الجسام بقدرة الخالق العظيم. إن مقياس الزمن الجيولوجي الذي وضعه العلماء ينقسم إلى ثلاثة دهور أو أحقاب هي: (حقب الحياة القديمة، وحقب الحياة المتوسطة، وحقب الحياة الحديثة). وينقسم كل حقب إلى وحدات زمنية أصغر تسمى عصورا. وهناك سبعة عصور في حقب الحياة القديمة، وثلاثة في حقب الحياة المتوسطة، واثنان في حقب الحياة الحديثة: ويتميز كل عصر بتفاوت في أشكال الحياة التي تميزه ولكنها أقل من التفاوت بين الأحقاب. إن دراسة الزمن الجيولوجي وما يحتويه من أحقاب، وعصور وعهود يوضح بجلاء عظمة الخالق العظيم، وقدرته في إيجاد الحياة لجميع الأحياء من أجل تعمير الأرض، كما أن خلق الإنسان ليكون خليفة على الأرض وجعلها مكاناً صالحاً للحياة هو دلالة على حياة أخرى لا يعلم أسرارها وخفاياها إلا الله عز وجل.. ومن الجهل والحماقة أن يدمر الإنسان الحياة وأن يعتدي على أخيه الإنسان أو أن يلوث هذه الأرض فهي سفينة واحدة للجميع.