باريس - ا ف ب - قبل نحو ثلاثة بلايين سنة، شهدت البكتيريا والكائنات البدائية التي كانت موجودة على الأرض فورة من «الابداع الجيني» أدت الى نشوء أكثر من ربع الجينات الموجودة حالياً لدى الاجناس الحية. ويُشكل التوصل الى وصف كيفية ظهور الحياة على كوكبنا، أحد أكبر التحديات بالنسبة الى علماء الاحياء وعلماء الإحاثة، فبفضل الاحافير الكثيرة المكتشفة، نعرف ان الحياة على الارض شهدت حقبة من التغييرات السريعة قبل نحو 580 مليون سنة، وهي فترة أُطلق عليها اسم «الانفجار الكمبري»، وهي الفترة التي ظهر خلالها تنوع غزير لأنواع جديدة على الأرض. واستمر تطور الاجناس هذا طوال ملايين السنوات ليؤدي الى التنوع الحيوي الذي نعرفه حالياً. أول مؤشر الى الحياة على الأرض برز قبل حوالى 3,8 بليون سنة. لكن يصعب تحديد مسار التطور الذي تبعه. لكن كل الكائنات الحية تمتلك جينوماً يضم عناصرها الوراثية كافة، وبما ان كل الكائنات ورثت جينومها، او على الاقل جزءاً منه، من اسلافها، خطرت لعلماء أحياء اميركيين فكرة الاستعانة بتركيب الجينوم عند كثير من الكائنات الحديثة لإعادة رسم مسار تطور كائنات مجهرية قديمة. ولتعقب آثار اسلافنا القدماء في الحقبة ماقبل الكمبرية، استند باحثون من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا (ام آي تي) في كامبردج الى نحو مئة جينوم حالي معروف جيداً. ثم أَدخلوا هذه المعلومات في نموذجهم الحسابي، آخذين في عين الاعتبار كل أنواع التطور التي يمكن ان تكون شهدتها هذه الجينومات مع مرور الزمن: ظهور الجينات او اختفاؤها، النقل بالتهجين أو تعرض الاجناس ل «السلب» من قبل أجناس أخرى، وغيرها. والأمر المفاجئ هو ان هذه «المتحجرات الجينومية» التي أعيد تشكيلها، تشير الى انه قبل ما بين 3,3 و2,8 بليون سنة، وهي فترة وجيزة نسبياً بمقياس التطور، شهدت الكائنات الحية فترة من الابداع الجيني المكثف، ما ادى الى تعزيز التنوع الحيوي من خلال ظهور عدد كبير من الأجناس الجديدة. خلال تلك الفترة، ظهر 27 في المئة من سلالات الجينات الحالية وفقا لمعدّي هذه الدراسة التي نشرت نتائجها في المجلة البريطانية «نيتشور». ويقول إريك ألم، أحد معدي الدراسة: «الأمر المدهش فعلاً في هذا الاكتشاف هو انه يثبت ان تاريخ الاحداث البالغة القدم مسجل في الحمض النووي «دي ان آي» الذي تتشاركه الكائنات الحية». واكتشف المهندسان المتخصصان بعلم الاحياء أيضاً ان عدداً كبيراً من هذه الجينات الجديدة مرتبط بطريقة او بأخرى بالأوكسيجين، وبشكل أدق بعملية حيوية كيماوية تتحكم ب «نقل الالكترونات». إنها ظاهرة ثورية بالنسبة الى الكائنات الحية في تلك الفترة (الميكروبات والنباتات) لأنها تتيح للالكترونات التحرك داخل غشاء الخلية، وبالتالي تنشّق الأوكسيجين وامتصاص طاقة الشمس من خلال عملية التخليق الضوئي. ولم يبدأ الأوكسيجين بالتراكم في الغلاف الجوي للأرض إلا قبل 2,5 بليون سنة، الأمر الذي أدى الى إبادة عدد كبير من الكائنات غير القادرة على تنشق هذا الغاز، وهو حدث أُطلق عليه اسم «الاكسدة الكبيرة» او «كارثة الأوكسيجين»، في إشارة الى هذه الازمة البيئية.