حين يعلن الشتاء عن قدومه وتبدأ أولى النسمات الباردة في كسر لهيب الصيف، حتى تبدأ المجتمعات الإنسانية بالتأهب لاستقبال الوافد الجديد إنه فصل الشتاء الثقيل، وقد اتخذ هذا الاسم لأن الإنسان في هذا الفصل تثقل حركته وتقل حيث تجبره برودة الطقس على أن يبقى في أحضان منزله الدافىء، وحين يغادر منزله فهو لا يغادر خفيفاً بل مثقلاً بطبقات من الألبسة مع ثقل الحركة بفعل البرد حتى إذا أوى الإنسان إلى فراشه فإنه في فصل الشتاء يؤوي إلى كثيب من الفرش والقطنيات التي تجعله دافئاً رغم أنها قد تكتم أنفاسه إن صح التعبير، وفي هذا الفصل يتغير أسلوب حياة الناس بشكل كبير في المأكل والمشرب وفي الملبس وفي العادات اليومية فتدخل النار أركان البيوت كمصدر تدفئة بالإضافة إلى أنواع المدافئ الأخرى، كما تدخل المشروبات الساخنة وأنواع البهارات الحراقة إلى قوائم الأطعمة اليومية التي يتناولها الإنسان في فصل الشتاء. ويصاحب هذا الفصل ليس تغيراً في نمط حياة الناس فقط بل يجلب هذا الفصل معه فيروسات وجراثيم معينة وتعودها الناس في فصل الشتاء كنزلات البرد والأنفلونزا والرشح وغيرها ولكنها أصبحت لدى كل المجتمعات من الأمور التي تميز فصل الشتاء أكثر من غيره من الفصول. ولا يختلف مرضى الصرع عن غيرهم من سائر الناس إلا في أمرين وهما ملازمان لفصل الشتاء ويحذر منهما أطباء الصرع مرضاهم باستمرار: أول هذين الأمرين أن الشتاء لما يختص به من تغير في نمط الحياة تستدعي التدفئة بوسائلها المختلفة فإن أطباء الصرع يحذرون مرضاهم باستمرار من التعرض للدخان المتصاعد من المواقد خوفاً من التعرض للاختناق أو ضيق التنفس التي قد تؤدي لحدوث النوبات الصرعية، كما يحذر الأطباء من البقاء بقرب المواقد المشتعلة خصوصاً إذا أحس المريض بالنسمة وهي قرب النوبة كي لا يفقد الوعي ويقع في الموقد أو يتعرض للهب النار المباشر أثناء النوبة، اما البقاء في الأماكن الدافئة والحرص على تدفئة الجسم فهو أمر يحرص عليه الأطباء ويحثون مرضاهم عليه. الأمر الثاني وهو ما تحدثنا عنه من ان الشتاء ارتبط بنزلات البرد والرشح والزكام والفيروسات المختلفة التي يجب أن يتخذ معها المرضى احتياطاتهم وبالتعاون والاشراف المباشر مع أطبائهم كالحصول على اللقاحات (التطعيمات) المناسبة أو اتخاذ سبل الوقاية المناسبة وحسب الإرشادات الطبية، كما ان علينا التنويه أن اللقاح أوالتطعيم لا يمنع الالتهابات المعدية بشكل كامل ولكنه يقوم بكل تأكيدبتقليل فرص حدوث هذه الالتهابات وشدة وقعها عالى الإنسان وبالتالي يقلل من مضاعفاتها التي من ضمنها زيادة حدوث التشنجات بالنسبة لمرضى الصرع. وفي فصل الشتاء يرغب الكثير من الناس في الخروج من المدن والاستمتاع بجمال الطبيعة والقيام برحلات برية فعلى من لديه مريض مصاب بالصرع أن يتنبه إلى التنسيق المباشر مع الطبيب المعالج وأن يتذكر بأن يقوم المريض باصطحاب الأدوية اللازمة أثناء الرحلة، مع الاهتمام بالمحاذير الأخرى التي تتعلق بتسلق الأماكن المرتفعة وعدم التعرض للمخاطر كخطر اللسع او قرص الحشرات أو الاقتراب من الأماكن الخطرة، وإذا كانت الرحلة تتطلب المبيت فيجب الحرص على عدم ترك المريض بالصرع يبيت ليلته وحيدأ فيجب وجود مرافق خاصة المرضى الذين لم يتم التحكم بنوبات الصرع لديهم. وكما سبق أن تحدثنا في مقال سابق عن أهمية مزاولة النشاط البدني المناسب وبإشراف طبي وبوجود مرافق للمرضى الذين يعانون من نوبات متكررة، فإننا نعود ونؤكد على أهميته خصوصاً في فصل الشتاء لجوه الجميل والمناسب مما يرفع الروح المعنوية لدى المرضى. ويبقى التذكير أنه على المريض دائماً الانتظام في تناول الأدوية والتمسك بتعليمات الطبيب وارشاداته والتقيد بها في فصل الشتاء كما في الفصول الأخرى. *قسم العلوم العصبية - وحدة مراقبة الصرع