من أعظم الأماكن المشرفة في مكة بل وفي العالم أجمع بيت الله الحرام . وقد ذكره المولى عز وجل في آيات كثيرة منها قوله تعالى : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) (الشورى:7) ،ومنها : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران:96) . ولا شك أن الطاعات المتعددة في هذا البيت المبارك تزيد الإيمان وتقرب من الرحمن، يقول ناصر الجديع في كتاب التبرك أنواعه وأحكامه : “وقد أبان المفسرون رحمهم الله المقصود ببركة هذا البيت أو أسباب وجودها فقال الطبري لأن الطواف مغفرةٌ للذنوب، وقال القرطبي جعله مباركاً لتضاعف العمل فيه فالبركة كثرة الخير ، وقال الشوكاني : البركة كثرة الخير لمن يستقر فيه أو يقصده أي الثواب المتضاعف. وأفاض الرازي في بيان ذلك حيث فسر معنى البركة عن طريق معنييها وهما النمو المتزايد ، والبقاء والدوام . فعلى المعنى الأول المقصود زيادة ثواب الطاعات ... وأما إن فسر البركة بالدوام فهو أيضاً كذلك لأنه لا تنفك الكعبة من الطائفين والعاكفين والركع السجود ، وأيضاً الأرض كرة ، وإذا كان كذلك فكل وقت يمكن أن يُفرض فهو صبح لقوم، وظهر لثان، وعصر لثالث، ومغرب لرابع، وعشاء لخامس . ولا عجب في ذلك فإن إلى هذه البقاع الطاهرة يأرز الإيمان كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله : (إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما كان ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها) رواه مسلم، وأثر التربية الإيمانية يظهر في السكان الذين يعيشون فيما بين مكة والمدينة ، قال صلى الله عليه وسلم : (غِلظ القلوب والجفاء في المشرق، والإيمان في أهل الحجاز) . ولا بد للمربي أن يشجع الناشئين على اغتنام هذه الخيرات وهذه البركات ، فيسعى لتهيئة الفرص وإعداد الرحلة إلى بيت الله الحرام ، ويسعى للتغلب على الصعاب والعقبات التي تحول دون ذهابهم إلى هناك ، قال صلى الله عليه وسلم : ( اغتنم خمساً قبل خمس حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك ) رواه الإمام أحمد في الزهد وصححه الألباني في صحيح الجامع . وعلى كل مربي أن يبين لمن يربيهم هذه النعم التي أكرمه الله بها ، وأن يستفيد منها قبل أن تنتهي، وحينها يندم المرء ولا ينفع الندم. وللتربية الإيمانية في مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة حركات وأقوال وأفعال يمارسها المتربي فتؤثر في إيمانه ، وتزداد حسناته ، وتنمحي سيئاته ،وترتفع عند الله درجاته، فينال محبة الله ويوضع له القبول في الأرض . ولا بد أن يستشعر المتربي المعاني التربوية المنبثقة عن تلك الأقوال والأعمال الصالحة والعبادات الزكية ، لكي تكون محطاتٍ إيمانيةٍ يتزود منها لدنياه و آخرته و برزخه . عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى