لقد جاء الإسلام وهو الدين الذي شرعه رب العالمين سبحانه وتعالى وهذه لوحدها كفيلة لكي يثق الإنسان بكل ما جاء به الإسلام لكونه الأفضل والأنسب والأضمن ليحقيق سعادة الإنسان . بل لانسجام الإنسان مع الكون الذي يعيش فيه . وإن أعظم أسباب الانسجام هو توافق الدين . والإسلام دين الله وكل شيء يسبح بحمد الله تعالى قال تعالى (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) (44) الإسراء فهذا هو الإنسان خلق لا بإرادته ويعيش بتقدير الله تعالى الكوني ولكنه لن يسعد حق السعادة حتى يوافق هو بإرادته تشريعات الله تعالى . عندها يتوافق لديه الإرادة الكونية مع الإرادة الشرعية وهنا سيسعد الإنسان. | الإسلام جاء ليضمن الحقوق سلباً أو إيجاباً . يعني يضمن الإنسان في ظل الإسلام أنه إذا طبق الإسلام حق التطبيق حصل له أمران (الأمان , والانضباط) يأمن لكونه سيعطى كامل حقوقه . وينضبط لكونه يعلم أنه لو تعدى هو على حقوق الآخرين فإنه سوف يؤخذ لمن ظلمه حقه منه. | والإسلام جاء ليعدل بين الناس حر وعبد كبير وصغير غني وفقير رئيس ومرؤوس بل على الكل يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث المشهور عنه قال (أما بعد . فإنما أهلك الذين من قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف ، تركوه . وإذا سرق فيهم الضعيف ، أقاموا عليه الحد . وإني ، والذي نفسي بيده ! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) رواه مسلم. فهذا هو نبينا عليه الصلاة والسلام يحلف وهو المصدق وإن لم يحلف على أن يقيم الحد على بنته المصون لو سرقت . فلا مجال فيه لأحد بعده أن يزايد على عدل الإسلام . وفي الحديث الآخر حديث أبي هريرة قال عليه الصلاة والسلام (لتُؤدُّنَّ الحقوقَ إلى أهلِها يومَ القيامةِ.حتَّى يُقادَ للشَّاةِ الجلْحاءِ من الشَّاةِ القرْناءِ) رواه مسلم. فهل بعد هذا ضمان فالمسلم ضامن أن يأخذ حقه فإن لم يصل إليه في الدنيا فهو مستوفيه كاملاً يوم القيامة . وفي قوله عليه الصلاة والسلام (إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ) فيه ضمان أن عواطف البشر ومحسوبياتهم وعلاقاتهم ليس لها دخل في توزيع الحقوق في الإسلام فالله تعالى هو الذي أعطى كل ذي حق حقه. لقد وجه الله سبحانه نبيه بأن يحكم بين الناس بالعدل ولا يلتفت إلى الأهواء بل ليكون العدل هو القيمة الكبرى التي يقوم على أساسها الحكم في الإسلام قال تعالى (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (50) المائدة وقال (أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ)(116) الأنعام يقول الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله : ما هم إلا متخرصون يظنون ويوقعون حزرا لا يقين علم ويقول الإمام القرطبي رحمه الله فالخارص يقطع بما لا يجوز القطع به ; إذ لا يقين معه . أ,ه . | إذا علم هذا فإننا نعلم أن الله هو العليم الحكيم الخبير الرحيم الرحمن وقد حرم الظلم على نفسه فبمقتضى هذه الأسماء يعلم الإنسان أن كل أحكام الله تعالى وتشريعاته هي التي تتوافق مع العلم والحكمة والخبرة والعدل والرحمة . فيكون ما تضمنه دينه وشرائعه الموجودة في الإسلام الذي لا يقبل الله ديناً سواه هي التي تضمن للناس راحتهم وسعادتهم وأمانهم وسلامة معتقداتهم فيحيون حياة مطمئنة . * والحقوق في الإسلام ليست بشرية التقرير بل هي وحي من الله فما جاء به القرآن الكريم فهو كلام الله تعالى وما جاءت به السنة فهو أيضاً وحي من الله تعالى يجب العمل به قال تعالى (... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (7) الحشر وقال تعالى (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (4) النجم وقال تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)(36) الأحزاب. ولذلك تجد هذا الاضطراب في العالم في قضية الحقوق لكون أغلبها ليست من عند الله بل هي باجتهادات البشر . والبشر يعتريهم ما يعتريهم من النقص والجهل والهوى والمحابات ونحوها مما لا يمكن التخلص منه قال سبحانه (... وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) (85) الإسراء فلو تمسك المسلمون بإسلامهم حق التمسك وطبقوه حق التطبيق لكانوا مثالاً حياً يُحتذى من كل الأمم . | لقد جاء الإسلام ليحفظ للإنسان مالا يمكن أن تستقيم له حياة بفقدها أو بفقد بعضها أو أحدها وهي : (الدين , والنفس , والعقل , والنسب , والمال). يقول الشاطبي رحمه الله عنها بأنها: (ما لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة , بل على فساد وتهارج وفوت حياة وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم , والرجوع بالخسران المبين) أ,ه . ولقد جمعها الله تعالى في ثلاث آيات في كتابه فقال تعالى (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (153) الأنعام قال ابن مسعود رضي الله عنه فيما ذكره ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره قال: “ من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه فليقرأ هؤلاء الآيات “ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا - إلى قوله - لعلكم تتقون “. | ففي قوله تعالى (أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا) وقوله (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) تأكيد على حفظ الدين والدين المقصود هو الحق الذي نزل من عند الله تعالى الذي لا يقبل الله ديناً سواه قال تعالى (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (85) آل عمران والمحافظة عليه هو غاية الغايات ويكون ذلك بالعلم والدعوة إليه والجهاد في سبيله وتحكيمه والتحاكم إليه ورد الشبهات التي يبعثها أعداء الإسلام والمجادلة لهم بالتي هي أحسن . | وفي قوله تعالى (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم) وقوله (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ) هذا فيه حفظ النفس . ولقد جاء في تحريم القتل العمد بغير حق من الوعيد ما يندر له مثيل من الذنوب قال تعالى (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (93)النساء ويشير تعالى أيضاً إلى وسيلة أخرى لحفظ النفس وهي القصاص ففيه حياة للناس (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (179) البقرة والقتل العمد بغير حق له أثره على ديانة الإنسان ونفسيته فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال: (من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا) . وعن أبي الدرداء رضي الله عنه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال: (لا يزال المؤمن مُعنِقاً صالحا ما لم يصب دما حراما ، فإذا أصاب دما حراما بلح) . أخرجه أبو داوود وصححه الألباني رحمهم الله ومعناها يكون المسلم مسرعاً ومنبسطاً في طاعة الله قائماً بالحقوق كلها حتى يقتل دماً حراماً فينقطع عن الطاعات ويتركها لشؤم ما ارتكبه من الإثم. وفي الحديث الآخر (لا يزال العبدفي فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ) صححه الألباني في صحيح الجامع. | وفي قوله تعالى (وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) ففيه حفظ العرض والنسب . لذلك حرم الإسلام الزنا ورتب عليه عقوبات في الدنيا والآخرة قال تعالى ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) (2) المؤمنون فالجلد لغير المحصن وأما المحصن فعليه الرجم لقوله عليه الصلاة والسلام (واغد يا أنيس على امرأة هذا،فإن اعترفت فارجمها )فغدا عليها فاعترفت فرجمها" البخاري وأما ما يلحق بهم في الآخرة فقد أخبر عليه الصلاة والسلام في الحديث بقوله (فأتينا على مثلِ التنُّورِ - قال : وأحسب أنه كان يقول - فإذا فيه لغطٌ وأصواتٌ، قال : فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراةٌ، وإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفلَ منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهبُ ضَوضَوا، قال : قلتُ لهما : ما هؤلاءِ وفي آخره قال وأما الرجالُ والنساءُ العراةُ الذين في مثل بناء التنورِ، فإنهم الزناةُ والزواني،) البخاري وحرم ونهى عن مقدماته والطرق المؤدية إليه من النظر الحرام وتبرج النساء وتعطرهنّ أمام الرجال وحرم الخلوة بالأجنبية والخضوع في القول من المرأة الأجنبية . | وفي قوله تعالى (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وقوله (وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ) هذا فيه حفظ المال . حتى جعل النبي صلى الله عليه وسلم من قتل دون ماله فهو شهيد ففي حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال قال عليه الصلاة والسلام (من قتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله فهو شهيد) صححه الألباني في صحيح الترغيب ففي الحديث تأكيد على أكثر من حق من حقوق الإنسان فلو فرض أنه قتل دونها فهو شهيد وهي المال, والدم والمحافظة على الحياة , وكذلك الدين , وكذلك العرض . فلو دافع عنها فقتل فهو من الشهداء . وقد حرم الإسلام الغش في البيع والشراء ونحوه وحرم الغبن والربا وقال في الربا في حديث الرؤيا (فأتينا على نهرٍ - حسبت أنه كان يقول - أحمرُ مثلُ الدمِ، وإذا في النهر رجلٌ سابحٌ يسبح، وإذا على شطِّ النهر رجلٌ قد جمع عنده حجارةٌ كثيرةٌ، وإذا ذلك السابحُ يسبَح ما يسبحُ، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارةَ، فيفغر له فاهُ فيلْقمْه حجرًا فينطلق يسبَحُ، ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغَرَ له فاهُ فألقمَه حجرًا، قال : قلت لهما : ما هذان ثم قال في آخر الحديث وأما الرجلُ الذي أتيت عليه يسبَحُ في النهرِ ويلقَم الحجارةَ، فإنه آكلُ الربا،) البخاري وأكل أموال الناس بالباطل قال تعالى (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (188) البقرة ففي هذه الآية بيان أن المال الباطل حرام على صاحبه يأكل سحتاً ويأخذ سحتاً حتى ولو صدر فيه حكم حاكم فإن حكم الحاكم لا يغير من الواقع شيءً إنما هو حكم ظاهري فقط وحقيقة الأمر عليها المعول لذلك في الصحيحين عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ألا إنما أنا بشر وإنما يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من نار فليحملها أو ليذرها) . | والتحكم بهذه الضروريات كلها لا يمكن أن ينضبط إلا بالمحافظة على العقل إذ كيف يؤدي الانضباط بها إلى التقوى بدون عقل قال تعالى (ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) لذلك تجد أن الإسلام حرم كل ما يسبب فساداً للعقل من الخمور والمسكرات ونحوها فكل ما يؤدي إلى فساد العقل فهو ممنوع في الإسلام فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل مسكر خمر . وكل مسكر حرام . ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها ، لم يتب ، لم يشربها في الآخرة) رواه مسلم . | ومن حقوق الإنسان في الإسلام أن يتحقق له الأمن وكل وسيلة تؤدي إلا زعزعة الأمن فهي محرمة في الشريعة ورتب عليها في الإسلام عقوبات متعددة مثل القتل فعليه القصاص , والإفساد في الأرض وقطع الطريق وما على شاكلته عليه حد الحرابة قال تعالى (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (33) المائدة والسرقة عليها القطع أو التعزير , والجروح قصاص , ونفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عن المنتهب . وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام (لا يحل لمسلم أن يروع مسلما) فحتى تخويفه ولو مزاحاً ممنوع شرعاً فكيف لو أوقع به ما يضره. | من أهم الحقوق التي ضمنها الإسلام للإنسان أنه لم يجعل عليه في الدين من حرج قال تعالى (... وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ ...) (78) الحج فما من باب فيه حرج على الناس إلا وجعل الله لهم منه مخرجاً فالمذنب المستوجب للعقوبة له التوبة والرجوع إلى الله فليس بين العبدوبين الله بوابين ولا حجاباً يحجبون حاجته عنه بل الصلة بين العبد وربه مباشرة, والكافر له الإسلام وهو يجب ما كان قبله , والمسافر يقصر ويجمع الصلاة ويفطر في رمضان , والمريض يفطر ويصلي على حسب قدرته , ويتمم إذا لم يجد الماء أو عجز عنه , فالحمد لله على رفع الحرج عن المسلمين. | ومن حقوق الإنسان التي ضمنها له الإسلام أن الله لا يكلف الإنسان فوق طاقته قال تعالى (وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (62) المؤمنون فهو سبحانه لا يكلف الإنسان مالا طاقة له به بل يكلفه ما بوسعه وما خرج عن وسعه فو معفيٌ عنه وهنا لا بد من أن نعرف أن المشقة ثلاثة أقسام الأولى المشقة العادية : وهي المعتادة عند كل أحد وهي موجودة في كل تكاليف الشرع فلا مسوغ لترك أوامر الدين معها ولو ترك الإنسان أوامر الدين من أجلها لما بقي تكاليف أصلاً إذ التكليف بالعمل مطلوب للشارع . الثانية المشقة المتوسطة : وهي التي يكون معها مشقة محتملة وفيها التيسير والتخفيف فيفطر معها المريض والمسافر ونحوها. الثالثة المشقة الغير محتملة : وهي التي معها رفع الحرج ويتعين التخفيف بل يجب مثل من كان الصيام يضره وهو مريض فيجب عليه الفطر , ومن أشرف على الهلكة ولم يجد إلا ميتة فيأكل منها . ونحوها. | وفي الإسلام لا تعارض بين تطبيق الإسلام بكليته وبين أن يتمتع الإنسان بحقوقه بكليتها ويتمتع بحريته وعاداته مع كونه مطبقاً للإسلام فيكون مسلماً ويطبق تعاليمه ويكون تاجراً , ومزارعاً , وعالماً للفلك , وعالماً للفيزياء , وطبيباً , ومؤرخاً , وعسكرياً ,. خلافاً لمن يفهم أنه لو طبق الإسلام بكل تعاليمه لا يمكنه أن يمارس حياته العادية بكل أريحية. | ومن أبرز خصائص حقوق الإنسان في الإسلام أنها ثابتة راسخة من عصر محمد صلى الله عليه وسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فلا تتغير بالانقلابات . خلافاً لحقوق الإنسان التي تأتي بتعاليم البشر وفقط فحيناً شيوعية , وحيناً رأس مالية , وحيناً اشتراكية , وحيناً علمانية , وحيناً ليبرالية , وما يلبثوا إلا ويكتشفون أنهم قد أساؤوا من حيث يشعرون أو لا يشعرون. | والإسلام جاء ينبذ الأنانية بل جعل على الراعي تكاليف هو مسؤول عنها فالإمام راع ومسؤول عن رعيته والأب راع ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها . لذا وجب على الكل أن يقوم بما أوجب الله عليه من رعاية الحقوق وتأدية المسؤوليات وخاصة تربية الأبناء على الإسلام وتعاليمه السمحة فإننا نرى في بعض الأحيان مظاهر يحتاج فيها ولي الأمر أن يقوم بواجبه تجاهها فما جواب الأب أمام الله عندما يسأله عن رعيته التي ضيعها وهو مشغول عنها باي أمر كان فقد قال عليه الصلاة والسلام (إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت). هذه بعض حقوق الإنسان في الإسلام والتي لم يفرق فيها بين الرجل والمرأة بل كل واحد من المسلم له وعليه حقوق سواءً رجلاً أو امرأة وما مطالبة أعداء الإسلام بحقوق المرأة بألعوبة تمر على المسلمين هكذا فوراء مطالباتهم ما وراءها من محاولة غزو بلاد المسلمين عن طريق بعض الشعارات التي هم في الحقيقة أبعد ما يكونون عنها ونحن يكفينا أن نثق بديننا وبعدالته وصدق نبينا عليه الصلاة والسلام فما العدل إذا لم يكن هو إمامه عليه الصلاة والسلام وأي عدل يطلب غير عدل الله تعالى الذي حرم الظلم على نفسه وجعله محرماً على الناس. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.