كافأ كوفي عنان مبعوث الأممالمتحدة والجامعة العربية إلى سوريا، نظام الأسد بالقبول به كمبعوث أممي برد التحية بأحسن منها حين استفتح بأول كلمة له بأن (عسكرة الثورة) ستزيد من الوضع سوءاً ، ويطالب المعارضة السورية بالتعاون معه. التصريح أغضب ولا شك المعارضة والشعب السوري الثائر ضد قاتله ومعذبه ومهدر كرامته، منذ نصف قرن، ولكن في سنة الانتقاضة الجارية الآن، فعل بالشعب ما لم يفعله صدام أو القذافي أو موسيلني النازي . عنان الذي انحسرت عنه الأضواء سنين طويلة ، يحاول الآن تلميع صورته ورفع اسهمه عسى ولعل يدخل إلى نوبل للسلام.. ولكن مسيرة الرجل مزروعة بحقول ألغام خطرة، وعقبات كؤود تقطع القلب والظهر معا. لقد دفع عنان ثمن أول تصريحاته غير الموفقة والتي لا تساوي حتى بين الجلاد والضحية، بل تُحمل المقتول سبب قتله والجريمة. لقد خيب كلام عنان الآمال التي كانت معقودة على لجم الأسد ووقف بحر الدماء الهادر، الرجل يبدو أنه بنى تصريحاته على قراءة خاطئة، وتقدير مغلوط ، هو يغرد خارج إطار مبادرة الجامعة العربية ، ونقاطها التي حفظها القاصي والداني ، عنان يسير عكس اتجاه المنظومة الأوروبية والغربية والعربية..لماذا؟ لا أدرى !. هو لا يملك عصا سحرية للحل بهكذا طريقة ، وليس لديه مفتاح كلمة السر في هذه القضية المعقدة ، وماذا في جعبته من صيغ وحلول ومبادرات. الجهد الدبلوماسي الذي يستند إليه لا يقنع الأسد بالتخلي عن السلطة والتنحي ولو بضمانات الخروج الآمن، والحصانة من الملاحقة لأن (البعث) ينظر للصراع مسألة حياة أو موت، والمعارضة والشعب السوري لا يرضون إلا بإزاحة الأسد عن سدة الحكم ومحاكمته، ليس هناك منطقة وسطى يستطيع عنان اللعب فيها.. التصلب سيد الموقف ، ما لم يعد عنان قراءة الواقع على الأرض على ضوء تقارير لجنة حقوق الانسان في الأممالمتحدة وكلام فاليري أموس مسؤولة الشؤون الانسانية في الأممالمتحدة التي زارت بابا عمرو ونقلت عنه صورة مأساوية بالغة الخطورة حيث لم تجد من سكان بابا عمرو إلا الأشباح .. والشبيحة . عنان أجهض مهمته قبل أن يخطو ولو نصف خطوة إلى دمشق التي تنتظره اليوم كالأبطال الفاتحين لتمارس عليه التضليل الاعلامي لحرق وحرف مهمة عنان مثلما حرقت أوراق وأصابع وأسنان الدابي (الدامية).