في ظل انتشار التقنية وتعدد سبل استخداماتها أصبح التسوق عبر الإنترنت من أكثر الخدمات الرائجة بسبب سهولة الوصول إلى الشبكة العالمية، وإلى السلع المطلوب شراؤها وانخفاض أسعارها والحرية في اختيارها، ولذلك اتجه عدد من مرتادي صفحات التواصل الاجتماعي نحو بداية جادة لإقامة مشروعات تجارية عبر تلك الشبكة العنكبوتية، بعد أن كانت هذه الخطوة في الماضي تبدو أشبه بالخيال العلمي. بدأت فكرة التسويق في الشبكة العالمية للانترنت من خلال موقع «أمازون» لبيع الكتب، والذي انطلق عام 1995م بالولايات المتحدةالأمريكية، ثم تطور فيما بعد لتسويق البضائع الاخرى، بدءًا من شرائط الفيديو والأقراص الممغنطة، وصولا إلى برامج الحاسوب، ألعاب الفيديو، الإلكترونيات، الملابس، الأثاث، الطعام، الألعاب، المستندات، المواد الغذائية، قطع غيار السيارات، والكماليات، وغيرها، ثم انتشرت لكل القطاعات وفي كل دول العالم. ومع تطور هذا المجال تم استحداث مصطلح جديد ما لبث أن أثبت وجوده بقوة، وهو مصطلح «التجارة الإلكترونية» الذي أصبح واحدًا من المصطلحات الحديثة التي أخذت بالدخول إلى حياتنا اليومية، حتى أنها أصبحت تستخدم في العديد من الأنشطة الحياتية ذات الارتباط الوثيق بثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وفي إطار وضع مفهوم واضح لهذا المصطلح الجديد وقت ظهوره، قسّم الخبراء والمختصون تعبير «التجارة الإلكترونية» إلى مقطعين: الأول «التجارة»، يشير إلى نشاط اقتصادي يتم من خلال تداول السلع والخدمات بين الحكومات والمؤسسات والأفراد، وتحكمه عدة قواعد وأنظمة باتت معترف بها دوليًا، أما المقطع الثاني: «الإلكترونية» فيشير إلى وصف لمجال أداء التجارة، ويقصد به أداء النشاط التجاري باستخدام الوسائط والأساليب الإلكترونية الحديثة مثل الإنترنت. دراسات: 1.4 تريليون دولار حجم التجارة الإلكترونية عالميًا تشهد التجارة الإلكترونية تزايدًا مستمرًا مع انتشار الإنترنت، فقد أشارت دراسة حديثة إلى أن حجم التداول الإلكتروني بين الشركات كان 109 مليارات دولار في عام 1999م، ووصل إلى 1.2 ترليون دولار في عام 2012، ثم وصل إلى 1.4 تريليون دولار في عام 2015م، إلا أن السوق العربية ما زالت نامية في هذا المجال، حيث أشار تقرير لشركة «بايفورت» (PAYFORT)، وهي بوابة للمدفوعات الإلكترونية في العالم العربي، حول «حالة قطاع المدفوعات الإلكترونية العربية لعام 2015» إلى أن «قطاع التجارة الإلكترونية» الذي يشمل 60 شركة في أسواق السعودية ومصر والإماراتوالكويت ولبنان والأردن، تبيع منتجات مادية عبر الإنترنت مثل الإلكترونيات والملابس والأجهزة المنزلية، هو القطاع الثاني من حيث الحجم، بعد قطاع الطيران والسفر والسياحة، حيث بلغ حجمه 7 مليارات دولار أمريكي (26 مليار ريال) في 2014، وتتوقع «بايفورت» أن يتضاعف هذا الرقم تقريبًا خلال السنوات الخمس المقبلة ليصل إلى 13.4 مليار دولار (49.8 مليار ريال) في 2020م. ويتضمن تقرير «بايفورت» أيضًا التوزيع الجغرافي للمتسوقين إلكترونيًا في العالم العربي، والذين يشكلون قاعدة عملاء التجارة الإلكترونية في المنطقة، وذلك اعتمادًا على الاستطلاع الذي شارك فيه أكثر من 4 آلاف متسوق في كل من السعودية ومصر والإماراتوالكويت ولبنان والأردن. وكشف التقرير أن سوقي السعودية ومصر اللذين يعتبران أكبر مركزين للتجمع السكاني في العالم العربي تحتلان المقدمة في مجال التجارة الإلكترونية، تليهما مباشرة الإمارات صاحبة الانتشار القوي لخدمات الإنترنت، كما توقع أن تلك الأسواق الثلاثة الكبرى ستستمر في قيادة عملية التطور في مجال التجارة الإلكترونية العربية، وبينما تتمتع السوق المصرية بأكبر عدد من المتسوقين إلكترونيًا، فإن الإماراتوالكويت تتمتعان بمستويات أعلى من المتسوقين، وفقًا لمعدل دخل الفرد. التجارة الإلكترونية العربية - بلغ حجمها 26 مليار ريال في 2014 - 60 شركة تعمل في السعودية ومصر والإماراتوالكويت ولبنان والأردن - تعتبر القطاع الثاني من حيث الحجم بعد الطيران والسياحة - 50 مليار دولار حجم التجارة المتوقع في 2020 44% من السعوديين يتسوقون بالطرق التقليدية تشهد المنطقة العربية نموًا متواصلًا ومتسارعًا وبمعدلات ضخمة في السنوات الأخيرة نحو الاعتماد على التجارة والخدمات الإلكترونية، وسط معدل نمو في المدفوعات الإلكترونية يتضاعف سنويا، ففي السعودية يصل عدد من يعتمدون على الدفع الإلكتروني إلى 25% من بين مستخدمي الإنترنت في المملكة، وعددهم 12 مليون مستخدم، بينما ترتفع النسبة في الإمارات إلى 67% من بين 5 ملايين و600 ألف مستخدم، وفي الكويت تصل النسبة إلى 30% من بين مليوني مستخدم، وفي مصر 7% من بين 38 مليون مستخدم، حيث يحتل «الدفع عند الاستلام» مركز الصدارة في مصر، إذ يعتمد 72% من المتسوقين إلكترونيًا نظام الدفع النقدي لمشترياتهم عبر الإنترنت. وقد أسهم انتشار التليفونات المحمولة الذكية في لعب دور رئيسي في نمو الاعتماد على الدفع الإلكتروني حيث أصبحت التليفونات المزودة بخدمة الإنترنت متاحة بشكل أكبر في المنطقة. ويتميز السوق السعودي عن غيره من أسواق المنطقة بالانتشار الواسع لبطاقات الدفع المصرفية، حيث يأتي في المقدمة في هذا الصدد بإجمالي 12.3 مليون مستخدم لبطاقات الائتمان والخصم المصرفية. ومن ناحية أخرى تشير بعض الإحصائيات حول تحليل سلوك المستهلك أن 44% من السعوديين يتسوقون بالطريقة التقليدية المعروفة بأن يذهب الفرد إلى موقع المحل التجاري وشراء حاجته منه، الا ان دراسة ميدانية أثبتت أن هذه النسبة تتناقص في ظل توجه عدد كبير من المواطنين للشراء عن طريق الأسواق الالكترونية، الأمر الذي وجه عددا كبيرا من شباب وشابات الأعمال الى هذه السوق المفتوحة، وإنشاء المواقع الالكترونية بهدف جذب أكبر شريحة ممكنة من القوة الشرائية لهذه الأسواق. اعتماد الدفع الإلكتروني لدى المستهلك العربي - السعودية: 25% من بين 15 مليون مستخدم - مصر: 7% من بين 38 مليون مستخدم - الإمارات: 67% من بين 5 ملايين و600 ألف مستخدم - الكويت: 30% من بين مليوني مستخدم التجارة الإلكترونية.. سوق واعدة تنتظر التنظيم وعبر عدد من الشباب والشابات، الذين خاضوا غمار هذا السوق، عن رؤيتهم لحاضره ومستقبله، وماهي رؤيتهم لتطويره وحمايته، حتى يحظى بمكانة أفضل إقليميا وعالميا، حيث يتيح العديد من مجالات العمل للشباب، بالإضافة إلى تقديمه خدمة مميزة للمستهلك من خلال انخفاض أسعاره مقارنة بالمحلات التجارية التقليدية. يقول طارق العصيمي، مالك موقع تجاري على الانترنت: ليس هناك شك في أن التجارة الإلكترونية من بين الأشياء التي يمكنك عن طريقها تحقيق الآلاف من العملاء إذا كنت محترفا في التسويق الإلكتروني، وأصبح لك اسما موثوقا على الشبكة العنكبوتية، مشيرًا إلى أن البيع والتسويق الالكتروني أصبح الآن هو الأفضل في ظل ارتفاع إيجارات المحلات التجارية في المولات والشوارع التجارية، وبدلًا من دفع ما يقارب 100 ألف ريال سنويًا ستدفع على شبكة الإنترنت 2000 ريال سنويًا، وبدلًا من دفع ما يقارب 50 ألف ريال ديكورات للمحل، ستدفع 5 آلاف فقط تكلفة إنشاء وترتيب الموقع الإلكتروني. وعن كسب الثقة بين العميل والموقع قال العصيمي: إن هذه المشكلة كانت أحد أكبر المعضلات في التجارة الإلكترونية وتم حلها بطريقة «ادفع عند الاستلام»، بعدما يتأكد العميل من منتجه ومطابقته للمواصفات المذكورة في الموقع الالكتروني، إلا ان هذا الأمر له سلبياته كذلك، فبعد تحمل قيمة الايصال قد يرفض العميل استلام القطعة التي طلبها بحجة انه لم يعد بحاجة لها او أي حجة أخرى، وهذه تم حلها كذلك بإفهام العميل أن تكلفة الإيصال تكون «بقيمة كذا» ويتم دفعها في حالة عدم الحصول على المنتج، أما في حالة الحصول على المنتج يتم احتساب قيمة التوصيل مجانًا. وترى الناشطة الاجتماعية وسيدة الأعمال إيمان التلمساني أنه في الوقت الحالي وحسب الحراك الاجتماعي فإن الانترنت أصبح فضاء شاسعًا يدخله الكبير والصغير، وهو بيئة مناسبة لتسويق المنتجات وبيعها وتكوين شبكة من العملاء بكل سهولة وبأقل تكاليف، مما يزيد نسبة الجودة وتقديم الخدمات بشكل أفضل، ودون دفع إيجارات لمحلات تجارية، ولكنها مازالت تفتقد التنظيم الذي يمنح المستهلك الثقة فيها كما ينبغي. وطالب ماجد غرم الله «شاب أعمال» بضرورة إيجاد جهة تضمن حق المستهلك إزاء هذا النوع من التجارة، كما هو معمول به في التجارة التقليدية. مقترحات لكسب الثقة بالأسواق الإلكترونية - وضع حساب بنكي واضح داخل الموقع للدفع - زيادة حجم الرقابة وتسجيل المواقع لدى وزارة التجارة - إيجاد جهات تحمي المستهلك كما هو معمول بالمتاجر التقليدية - إلزام الأسواق بفترة ضمان على منتجاتها انخفاض الأسعار غير كافٍ لبناء الثقة يقول أحمد الحازمي: إن من أهم النقاط التي دعت الكثيرين إلى ترويج سلعهم إلكترونيًا هو هاجس الخسارة، فلا يخفى على الكثيرين أن إيجار المحال التجارية يواصل ارتفاعه بشكل مستمر فيما قد لا يستطيع التاجر الصغير تغطية هذه التكلفة من خلال ما يقوم ببيعه، بالإضافة إلى ما يقوم بربحه، حيث يضطر البعض إلى تحمل عبء المحل في معظم الأحيان بدفع إيجار قد يتجاوز ربحه. ولذلك توجه الكثير ممن كانوا يريدون العمل على مشروعاتهم الصغيرة والتي قد تكون مصدر دخل إضافي إلى التوجه للصفحات الإلكترونية ك»الإنستقرام» و»التويتر» لعرض سلعهم بأسعار مناسبة، وضمان صافي الأرباح من دون تكاليف إضافية، ولكنهم يستهلكون وقتا طويلا في بناء الثقة مع المستهلك، الذي مازال يرتاب في هذا النوع الجديد من التسوق. وتتيح بعض الصفحات الإلكترونية طريقة وصول أسرع للمتسوقين حسب ما وصفه فهد عبدالله، نظرًا لوجود العديد من البرامج التي تدعم سهولة الوصول وتوفرها على الهواتف النقالة. حيث يستطيع التاجر الوصول إلى العديد من المتسوقين من مختلف المدن والدول، وهذا ما قد يساهم في طريقة بيع أسهل وأسرع وأرخص، إلا أن ذلك كله يفتقد مظلة الثقة التي تجمع تحتها البائع والمستهلك في نظام آمن وموثوق فيه، وهو ما يستغرق وقتا طويلا، يمكن توفيره لو تم ضبط نظام محكم لخدمة كل الأطراف. وأضافت ليلى يوسف أن تلك المتاجر الإلكترونية أتاحت الفرصة لتوفير فرص عمل وذلك عن طريق بداية مشروع خاص أو عن طريق توفير مندوبين لتوصيل الطلبات، إلا أن هنالك الكثير من تاجرات المواقع الإلكترونية يعتمدن في إيصال مبيعاتهن عن طريق مندوبي التسليم مما يتيح فرصة عمل للشباب في هذا المجال بنسبة ربح يتم الاتفاق عليها بين الطرفين. كما أن تلك المتاجر الإلكترونية أصبحت متنفسًا للعديد من الشباب والشابات الذين يعانون من البطالة أو قلة فرص العمل وذلك بإتاحة الفرصة لهم بالمشاركة في مثل هذه المشروعات. فيما أجمع عدد من أصحاب المتاجر الإلكترونية على أنه لابد من توفير رقابة على تلك المتاجر نظرًا لوجود العديد من الحسابات التي تستغل هذه الخدمة بشكل خاطئ عن طريق ترويج الممنوعات والسلع المغشوشة والمُقلدة دون التوضيح للزبون إضافة إلى عمليات الاحتيال وهذا ما قد يعود بشكل سلبي على كل من يستخدم هذه الوسيلة لكسب رزقه بما يتوافق مع الشريعة وعادات المجتمع. قانوني: لتوثيق المعاملات التجارية لابد من نظام يرسم حدودها أوضح الدكتور إبراهيم بن أحمد زمزمي، المستشار القانوني والمحكم المعتمد، بعض الجوانب القانونية للتجارة الإلكترونية، مؤكدا أهمية أن يكون هناك نظام خاص ينظم ممارسة التجارة الإلكترونية والتسويق الإلكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي انستقرام وتويتر والفيس بوك وغيرها، مضيفًا بقوله: لا يتصور توثيق المعاملات التجارية التي تتم عبر هذه المواقع دون وجود نظام يرسم حدودها ويوضح معالمها. وشدد د.زمزمي على أهمية حصر التجار عن طريق تقنين ممارستهم لأعمالهم التجارية عبر هذه المواقع، على أن يتم ذلك باتخاذ خطوات عملية وإجراءات ميسرة تفرضها وزارة التجارة على هؤلاء التجار لتسجيل بياناتهم ومعلوماتهم، لمنحهم الموافقة والتراخيص والسجلات التجارية اللازمة لممارسة هذه التجارة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كما أكد «زمزمي» أن الهدف من وجود إطار نظامي لهذه العملية التجارية هو حماية المستهلكين في ظل انتشار البيع الإلكتروني وما قد يتعرضون له من حالات الغش والتدليس والنصب الإلكترونية، مشيرًا إلى أن وجود تنظيم لممارسة التجارة عبر مواقع التواصل الاجتماعي سيساهم في توثيق المعاملات التجارية التي تتم من خلالها، كما يسهل الوصول إلى التاجر في حالة غش المستهلك من خلال بياناته المسجلة وفقًا للترخيص الممنوح له، الأمر الذي يحمي المستهلك ويحد من الممارسات غير النظامية. وأشار د.زمزمي إلى وجود تعريفات لدى المنظمات الدولية للتجارة الإلكترونية وبعض التشريعات الأجنبية والعربية التي يمكن الاهتداء بها لتنظيم هذا النوع من التجارة، من خلال وضع آليات تكوين العقد الإلكتروني من ناحية الإيجاب والقبول الإلكتروني، وطرق التعبير عن الإرادة إلكترونيًا، والقانون الواجب التطبيق على العقد الإلكتروني، ومزايا التجارة الإلكترونية عبر شبكات التواصل الاجتماعي نظرًا لسهولة انتشارها، والكم الهائل لزوار هذه المواقع، وضرورة وجود تنظيم خاص ينظم التجارة عبر هذه المواقع، وتقنين أوضاع من يمارس هذه التجارة. أهمية إيجاد نظام قانوني - حماية المستهلكين من حالات الغش والتدليس والنصب الإلكتروني - توثيق المعاملات التجارية التي تتم إلكترونيًا - تسهيل الوصول إلى التاجر في حالة غش المستهلك - تعريف تلك التجارة ورسم حدودها وتوضيح معالمها.