بعد أن كان المسلمون يستعدون لقدوم شهر رمضان والاحتفال به بقيام الليل، وقراءة القرآن، مقتدين في ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم، الذي بيّن في غير ما حديث فضل هذا الشهر المبارك وفضل العمل فيه، أصبحت أبرز مظاهر شهر رمضان في أغلب البلدان العربية تتمثل اليوم في مظهرين مذمومين: المظهر الأول: الإكثار من الطعام والشراب، والإسراف في تناولهما، والمظهر الثاني: الإكثار من الترفيه والتسلية. فقد أصبح شهر رمضان هو شهر الطعام والمسلسلات "الرمضانية"! *** ورغم أنَّ الإمساكَ عن الطعامِ رُكنٌ من أركانِ الصومِ، فإن الناس اليوم جعلوا من هذا الشهر الفضيل شهرا للطعام، شهرا لأفراح شهواتهم، فيعدّون أفخر الموائد المزدانة بأفخر المأكولات ومختلف المشروبات بكميات تعادل ما يؤكل ويشرب في شهور، التي تنتهي في سلة المهملات، متناسين أن شهر رمضان هو شهر عبادة وليس شهر إسرافٍ أو بذخٍ مبالغٍ فيه.. وهو ما يتناقض مع حكمة الصوم وأهدافه. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حكمة الصيام: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفّعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفّعني فيه فيشفعان" (رواه أحمد بسند صحيح). *** أما اللهو والتسلية في شهر رمضان فحدّث ولا حرج. ففي هذا الشهر الفضيل تتنافس القنوات الفضائية بمختلف ألوانها وأشكالها في تسخير ساعات إرسالها لبث المسلسلات التي تُعد خصيصاً لشهر رمضان، وكأنها تتقرب إلي مشاهديها بمزيد من الترفيه والتسلية التي تتعدى تلك التي تُقدّمها في شهور السنة الأخرى، وكأن شهر رمضان هو شهر صناعة المسلسلات وتسويقها، ليقترب الأمر من أن يُصبح شعار هذا الشهر الذي تتسابق إليه القنوات الفضائية هو: "مُسلسل لكل مشاهد"! *** ومن الصعب الإحاطة بالأحاديث والأقوال والحكم التي قيلت في شهر رمضان الكريم وأفضاله، وقد اخترت هنا بعض أقوال ومنها: - (عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان وعرف حدوده، وتحفظ مما كان ينبغي أن يتحفظ منه كفّر ما قبله" (رواه أحمد والبيهقي بسند جيد). - (وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" (رواه أحمد وأصحاب السنن)، وفي رواية أخرى: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". (متفق عليه). - (ذكر العرب فضلَ الزهدِ في الطعامِ، كما قال ابنُ نباتة يمدح مَلِكاً: "مَلِكٌ إذا حضرَ الملوكُ رواقَه ** سَجَدَ العزيزُ له سجودَ الصَّاغِرِ! طَيانُ يَزْهَدُ في الطَّعامِ لِعِلمِهِ ** أَنَّ الطَّعامَ يَصِيرُ شرَّ مصائِرِ!"). - (قال الشاعر: صُمْتَ عن كلِّ قبيحٍ ** وأثامٍ وحرامِ! لا كقَوْمٍ عن شرابٍ ** صومُهمْ أو عن طعامِ!) - (المعدةُ بيتُ الداء، والحمية رأسُ كلِّ دواء).. طبيبُ العرب الحارث بن كلدة. - (إذا امتلأت المعدة؛ نامت الفكرة، وخرست الحكمة!). حكمة عربية. - (من ناله داء الهوى بذنوبه *** فليأت في رمضان باب طبيبه فخلوف هذا الصوم يا قوم اعلموا *** أشهى من المسك السحيق وطيبه أو ليس هذا القول قول مليككم *** الصوم لي وأنا الذي أجزي به)؟؟ الإمام ابن الجوزي رحمه الله. - وأخيراً.. في رمضان: تذكر أولئك الذين كانوا ذات رمضان يملأون عالمك ثم غيّبتهم الأيام عنك ورحلوا كالأحلام تاركين خلفهم البقايا الحزينة تملأك بالحزن كلما مررت بها أو مرّت ذات ذكرى بك * نافذة صغيرة: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).. البقرة، آية (183). [email protected]