هلّ علينا شهر رمضان المبارك، شهر الخير والمغفرة والدعوة إلى العبادة والتوبة الصادقة، وبعد أن ينقضي هذا الشهر بعظمته وخيراته، يبدأ كل مسلم يحاسب نفسه على ما قدمه في هذا الشهر الكريم، وهل استفاد من أيامه المباركة قولاً وفعلاً وعملاً، أم أنها مرت عليه من دون الاستفادة من هذه الفرصة الثمينة، التي أراد المولى سبحانه أن يستغلها عباده بالتقرب منه والتضرع إليه بالصوم والصلاة وتلاوة القرآن والتدبر في آياته ومعانيها، بقلوب مؤمنة خاشعة تطلب رضاه وترجو رحمته ليغفر لها ما تقدم من ذنبها في هذا الشهر الكريم، كما قال صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»، فشهر رمضان يتيح لكل مسلم هذه الفرصة العظيمة للتخلص من المعاصي والذنوب وللعودة إلى طريق الهداية والحق والمغفرة والعمل الصالح، فمن أراد التوبة الصادقة الخالصة لوجه الله سبحانه وتعالى ها هو أتى ليمنحه هذه الفرصة ليعود بطبيعته الإنسانية والروحانية إلى طريق الحق والعمل الصالح، وبالتالي ينتقل من حياة الظلم إلى العدل والرحمة، والمقصود بالظلم هنا ظلم الإنسان لنفسه. فيا من تشاهد الأفلام والمسلسلات وتتصفح مواقع «الانترنت» غير المفيدة طوال نهار رمضان تسلية لصيامك، إن أردت الصدق مع الله عز وجل فأنت قادر أيضاً على الامتناع عن مشاهدة هذه الأفلام والمسلسلات، وعدم النظر إلى كل ما هو مكروه ومحرم في رمضان، ويا من تدخن إن أردت الصدق مع الله سبحانه وتعالى تمتنع عن الطعام والشراب المباحين قرابة ثلثي اليوم، إذن أنت قادر على الامتناع عن التدخين في الثلث الباقي، وهكذا تكون العزيمة والإرادة وقوة الإيمان بالله عز وجل طريق المسلم للتخلص من الكذب والنميمة والغش والظلم، ومن ارتكاب الذنوب والمعاصي والمحرمات كافة في رمضان وغير رمضان. إذن لابد أن يخرج المسلم من هذا الشهر الكريم وقد استفاد منه ومن فضائله، فعلامة قبول الله لصيام العبد وقيامه أن يكون حاله بعد رمضان أفضل مما كان عليه قبل رمضان، ولقد كانت حياة الصحابة رضوان الله عليهم كلها رمضان، فكانوا يودعونه ستة أشهر ويستقبلونه ستة أشهر، لأن قلوبهم كانت معلقة بفضائل هذا الشهر الكريم وأعماله كقراءة القرآن العظيم الذي أنزله الله في هذا الشهر المبارك في ليلة هي خير من ألف شهر، ولعل البعض يسأل لماذا هذا الترابط والتعانق بين الصيام والقرآن، كما جاء في الحديث الشريف، «إن مِنْ فَضائِل الصَّومِ أنَّه يَشْفَع لصاحبه يومَ القيامة، فعَنْ عبدالله بن عَمْرو رضي الله عنهما أنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلّم قال: «الصِّيامُ والْقُرآنُ يَشْفَعَان للْعبدِ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَقُولُ الصيامُ: أي ربِّ مَنَعْتُه الطعامَ والشَّهْوَة فشفِّعْنِي فيه، ويقولُ القرآنُ منعتُه النوم بالليلِ فشَفِّعْنِي فيهِ، قَالَ فَيشْفَعَانِ»، رَوَاهُ أَحْمَدُ، إذن لابد أن يُقبل المسلم بقلبه وعقله وجميع جوارحه على القرآن، فلقد كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا دخل رمضان طرقوا جميع العلوم وانكبوا على قراءة القرآن، لدرجة أن بعضهم كان يقول إذا جاء رمضان فإنما هو قراءة للقرآن وإطعام للطعام، فأبشر يا من تُقبل على القرآن بعظيم أجري الدنيا والآخرة، فالحسنة بعشر أمثالها، هذا في غير رمضان، أما في رمضان فمن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة في ما سواه، ومن أدى فيه سُنة كان كمن أدى فيه فريضة فيما سواه، فيا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر السنة بفريضة والفريضة بسبعين، إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين، يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر يجازي الله على الصوم بنفسه، كما قال جلا علاه في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «قال الله تعالى: كُلُّ عَمَل ابن آدم لَهُ إلاَّ الصومَ فإِنَّه لي وأنا أجزي بهِ. والصِّيامُ جُنَّةٌ فإِذا كان يومُ صومِ أحدِكم فَلاَ يرفُثْ ولا يصْخَبْ فإِنْ سابَّهُ أَحدٌ أو قَاتله فَليقُلْ إِني صائِمٌ، والَّذِي نَفْسُ محمدٍ بِيَدهِ لخَلُوفُ فمِ الصَّائم أطيبُ عند الله مِن ريح المسك، لِلصائمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهما؛ إِذَا أفْطَرَ فرحَ بِفطْرهِ، وإِذَا لَقِي ربَّه فرح بصومِهِ». يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر الجزاء من جنس العمل، فباب الريان أعظم هدية للصائمين يوم القيامة، كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُونَ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةَ، لا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ، أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ». فعليك أخي المسلم أن تغتنم هذه الفرصة العظيمة وغيِّر من نفسك تخرج من هذا الشهر وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك. أحمد محمد أحمد مليجي [email protected]