«اتجاهات عالمية» هو عبارة عن تقرير يضم مجموعة من المقالات الاستشرافية ذات الطابع الاستراتيجي والتحليلي يقوم بإعدادها نخبة من الأكاديميين وخبراء السياسة الدولية من الولاياتالمتحدة وخارجها ويصدر عن مجلس الاستخبارات الوطني كل 4 سنوات عقب الانتخابات الأمريكية الرئاسية مباشرة. تقرير 2012 حمل عنوان «اتجاهات عالمية 2030 - عوالم بديلة» ويضم مجموعة من المقالات التي تتمحور حول الكيفية التي سيبدو فيها العالم بعد أقل من عقدين من الآن، وهو يرجح في المحصلة عالمًا لا تهيمن عليه قوة واحدة كما هو الوضع الآن حيث لا تزال أمريكا القوة المهيمنة، وليس كما يتوقع البعض بأن الصين ستحل حينذاك محل أمريكا كقوة مهيمنة جديدة، وإنما سيكون عالمًا متعدد الأقطاب وهو ما يعني أن العالم انتقل في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية من عالم ثنائي القطبية تتصدره قوتان عظميان (الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوقيتي) إلى عالم أحادي القطبية تهيمن عليه الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ بداية تسعينيات القرن الماضي مع تفكك الاتحاد السوفيتي وسقوط جدار برلين، إلى عالم متعدد القطبية بدءًا من العام 2030 ، أي أن الولاياتالمتحدة ستفقد مكانتها كقوة عظمى وحيدة في العالم، فيما سينشأ واقع اقتصادي عالمي جديد تنتقل فيه الثروة من الغرب والشمال إلى الشرق والجنوب، وأن عالمًا كهذا سيكون أكثر عدالة وتوازنًا وأقل حروبًا، وقد حرصنا على اختيار بعض المقالات من التقرير لنشرها تباعًا، توخينا في اختيارها أهميتها بالنسبة للشرق الأوسط. واقع عالمي جديد تحت عنوان «العالم عام 2030: هل نحن في طريقنا إلى التقارب أم التباعد» كتب مايرون بريليانت نائب الرئيس الأول للشؤون الدولية في غرفة التجارة الأمريكية المسؤول عن توجيه استراتيجية منظمة التجارة العالمية إنه يمكن القول إن عالمنا في الجزء الأكبر من الخمسين سنة الأخيرة ظل في تركيبته، وعملياته، وأهداف مؤسساته الرئيسة مستقرًا، ولكن لا يبدو الأمر كذلك الآن، فالنظام العالمي كما نراه اليوم، وكما يتمثل في منظمات مثل صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة التجارة العالمية، منظمة الصحة العالمية، منظمة التعاون والتنمية، والأمم المتحدة، وحلف شمال الأطلسي يحتاج إلى الإصلاح والتطوير لئلا تهمش تلك المنظمات أو تنتهي، كما ينبغي أن نتوقع نشوء مؤسسات جديدة من أجل المساهمة في إعادة تشكيل المشهد العالمي بمعاييره الجيوسياسية والأمنية والاقتصادية الآخذة في التبلور الآن. الدوافع لذلك كثيرة وواضحة، فمع الازدهار الاقتصادي للصين والهند والبرازيل وروسيا وتركيا وغيرها من الاقتصادات الناشئة، تكتسب هذه الدول قدرًا أكبر من التأثير على الشؤون الدولية، وفي تغيير أسلوب التعامل التجاري في النظام الدولي. وتعتبر استجابة الصين وغيرها من الاقتصادات الواعدة، للأزمة الاقتصادية عام 2007 شهادة على الدور المتنامي لهذه الدول، ويتضح ذلك أيضًا من خلال الدور المتنامي لمجموعة العشرين G-20 للدول المتقدمة والنامية الذي زاد في تأثيره وأهميته على دور مجموعة الثمانية G-8 التي كانت تضم الدول المتقدمة فقط خاصة في مجال التخفيف من المخاطر المرتبطة بالأزمة المالية وفي الاستجابة العالمية الإيجابية لها. إن التوصل إلى توافق في أي من هذه المؤسسات للعمل العالمي في مجالات متباعدة مثل التجارة والأمن يزداد صعوبة بشكل متصاعد، لاسيما مع انضمام المزيد من اللاعبين في صنع القرار، وأيضًا نظرًا إلى حقيقة أن الاقتصادات الناشئة غالبًا ما تمتلك أجندات وأهدافا ملحة على درجة كبيرة من التباين بين بعضها البعض، مع ملاحظة أنه لم يكن من السهل أبدًا التفاوض في إطار جولة تجارية تضم أطرافًا متعددة عندما تتبنى الولاياتالمتحدة وأوروبا هذه الأجندة أو تلك، ومع ذلك نحن (أي الغرب) نكافح الآن من أجل الدخول إلى أسواق تلك الدول، ناهيك عن الصعوبة الناشئة عن العوائق الجديدة أمام التجارة والاستثمار المترتبة على اختلاف الأنظمة والشركات التي تمتلكها الدولة في تلك الدول. يمكن القول في ضوء ذلك إن التغيير المتوقع سيتخذ شكل التطور لكنه لن يكون ثوريًا أو جذريًا، وسينطوي على درجة كبيرة من الأهمية، على سبيل المثال، قد تحتفظ الولاياتالمتحدة وأوروبا بدورهما القيادي في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي كما هو حاصل الآن، ولكن هذه المؤسسات طرأت عليها إصلاحات بطريقة أو بأخرى لكي تعكس القوة المتنامية للاقتصادات الناشئة، ولا شك أن شكل وحجم النظام الدولي يتطور اليوم، وسوف يستمر ذلك وبشكل أكبر خلال السنوات المقبلة من خلال المزيد من التطوير والإصلاح ليعكس الثقل الاقتصادي المتزايد للصين والهند والبرازيل وغيرها من الاقتصادات الصاعدة. وهناك شيء واحد مؤكد: في تقييم تأثير هذه القوى الاقتصادية الصاعدة، يجب أن نكون حذرين بشأن كيفية تجميعها. وهناك الكثير من الاقتصادات الصاعدة عدا الصين والهند وروسيا والبرازيل، مثل المكسيك وإندونيسيا وفيتنام، حيث تشكل هذه الدول مجموعة متنوعة لها مصالح وتحديات مختلفة، حتى انه من الصعب القول إنهم متوحدون في السياسات أو الإجراءات، وإذا كنا نتطلع إلى عام 2030، فإنه سيكون من الصعب رسم خط فاصل بين الدول المتقدمة والدول النامية حينذاك. أسئلة ملحة ثمة أسئلة خمسة تطرح نفسها خلال تلك المسيرة التطويرية حتى العام 2030: السؤال الأول: هل ستساهم الاقتصاديات الصاعدة التي تقودها الصين والهند وروسيا وتركيا بقدر أكبر في المسؤوليات الدولية أم ستظل مشغولة في العقد المقبل وما بعده بالتحديات الداخلية التي تواجهها؟ ذلك إنه من المعلوم أن الكثير من تلك الدول تستهلك الكثير من الجهد في مواجهة التحديات الداخلية، ففي روسيا أعيد انتخاب بوتين زعيمًا قويًا، ولكن البلد نفسه يواجه عقبات كبيرة على طريق تحقيق الإصلاحات القانونية وتحديث الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على النفط، وبالمثل، تحتاج الهند إلى إصلاح اقتصادها لكنها تواجه قيودا سياسية مع عدم وجود حلول واضحة على المدى القصير أو المتوسط، أما الصين فقد حققت نجاحًا اقتصاديًا تضمن في أحد جوانبه إخراج 500 مليون شخص من دائرة الفقر في أقل من 20 عاما، لكن الإصلاح السياسي يتم بوتيرة بطيئة للغاية. المطلوب من الغرب التعاون مع هذه الدول لمساعدتها على حل مشاكلها الداخلية، وبالمقابل على هذه الدول أن تكون منفتحة بشكل أكبر مع الغرب، بحيث تساهم الاقتصاديات الناشئة (القوى الدولية الصاعدة الجديدة) في دور أكبر في حل المشكلات والقضايا الدولية. السؤال الثاني: هل تعتقد هذه الدول ذات الاقتصاديات الصاعدة انها في حاجة الى تطوير شبكاتها المؤسساتية الخاصة بهم، أو انها ستشارك بشكل متزايد في تحمل أعباء القيادة العالمية جنبًا إلى جنب مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي في إطار النظام الدولي الجاري إصلاحه؟. من السهل القول إن العبء يقع على هذه الدول لتثبت أنها تريد أن تكون «شريكا مسئولا» إزاء المؤسسات الدولية وفقًا لقول بوب زوليك، ولكن هناك أيضًا عبء الحاجة إلى لتشجيع مشاركتهم الفعالة والمناسبة، ما يدعو إلى التفاؤل حيال هذه النقطة أن دولة كالصين تشعر أن قربها من الولاياتالمتحدة أكثر من قربها من الهند وروسيا، لكن ينبغي على الصين والبرازيل بصفة خاصة أن تبديا المزيد من المسؤولية تجاه القضايا والمشكلات الدولية. السؤال الثالث: مع صعود تلك الدول على المسرح العالمي، هل ستبدي مزيدًا من المرونة من خلال آليات تعزز التعاون الاستراتيجي أو ستقوم بتوظيف قوتها الناشئة لصالح أهدافها الوطنية وحسب؟ فقد رأينا الصين تعمل على توسيع مصالحها الأساسية لتشمل ادعاءات واسعة جنوب بحر الصين، فهل يمكن للتعاون الإقليمي العمل على إعادة تعريف حدود السيادة لحوالي 6 دول جارة للصين؟ وهل يمكن للهند العمل معنا ومع الآخرين لمكافحة الإرهاب في جنوب آسيا بطرق تدعو إلى المزيد من التعاون فيما بين الجهات الفاعلة الرئيسية في تلك المنطقة، وأيضًا مع التعاون الوثيق بين الأجهزة الأمنية والاستحباراتية التي تتطلبها الحرب على الإرهاب وحيث تشكل الثقة العامل الرئيس في هذه الحالة. السؤال الرابع: هل ستتبنى تلك الدول اقتصاد السوق ومبدأ تكافؤ الفرص والانفتاح على التجارة الحرة أم ستنتهج خليطًا من الرأسمالية والاشتراكية؟. هذا السؤال فرض نفسه بقوة عقب الأزمة الاقتصادية والمالية في العام 2007 حيث ذهب البعض إلى القول بأن النموذج الخليط، أي الرأسمالية التي تدعمها الدولة هي النموذج الأكثر ملاءمة لتحقيق النمو، ويبدو من الواضح أن هذا التوجه سيكون التوجه السائد في العام 2030. السؤال الخامس: هل ستلتزم الدول ذات الاقتصادات الناشئة بالقيود الخاصة باستهلاك الموارد العالمية من نفط وماء.. الخ، حيث إن تقدمها المتنامي سيدفعها إلى زيادة استهلاكها من هذه الموارد؟ إن دولًا كالصين ترى أن الغرب استهلك منذ الثورة الصناعية القدر الأكبر من هذه الموارد ويعتبر المسبب الأكبر للتغيرات المناخية التي تعتبر إحدى المشكلات الرئيسة في العالم اليوم نتيجة زيادة الانبعاث الحراري، فلماذا يريد الغرب فرض تلك القيود على تلك الدول الآن؟ تزداد هذه المشكلة عمقًا مع شح تلك الموارد في الصين والهند بشكل خاص، حيث يؤدي زيادة الطلب عليها بسبب النمو المطرد في عجلة التصنيع إلى زيادة أسعارها، وهو ما يفسر توجه الصين نحو القارة الإفريقية للاستثمار في تلك الموارد. ويخلص بريليانت إلى القول إننا في حاجة ماسة إلى إيجاد سبل لمعالجة هذه القضايا من أجل عالم أكثر توازنًا واستقرارًا.