من اليقيني عند كل مسلم أن رمضان شهر المغفرة والرضوان، وفيه يصفّد المارد من الجان، ويخسأ الشيطان فلا يصل الى ماكان يناله قبل رمضان. وأجدها فرصة مواتية لتهنئة القراء الكرام والمسلمين عموما بحلوله راجيا المولى أن يتقبّل منهم الصيام والقيام وأن يجعلهم من عتقائه من النار. لكن مشكلتنا تجاوزت الشيطان وباتت تكمن مع بني الإنسان؛ ففيهم فئة تفوق الشيطان في أساليبه وتتجاوز مردته في أكاذيبه، فبات ضررهم يستشري في المجتمعات مما زاد في الآهات وارتفعت معه حدة الزفرات. ماذا نقول عن تاجر يرفع سعر سلعته استغلالا لحاجة الناس إليها وبلا مبرر سوى الجشع ومحاولة الاستحواذ على أكبر قدر من الربحية والتفكير المادي المقيت ، ناسيا أو متناسيا مايوجبه هذا الشرع المطهر من السماحة وأن من الإيمان الرضا بالقليل ، وفي خضم ذلك اللهث الدنيوي تجده لا يكتفي بذلك بل ويستخدم رمضان كدعاية له في ترويج سلعته وإلصاقها باسم هذا الشهر المبارك، في استباحة فجّة لقدسية ومكانة هذا الشهر الكريم؟! ماذا نقول لموظف يتعمّد تأخير معاملات الناس في هذا الشهر ، بل ويصر على إجازات اضطرارية وهو يعلم أنه بهذا يعطّل مصالح المسلمين وعلماؤنا قد أفتوا بعدم جواز اخذ الإجازة لأداء العمرة وأن ذلك لا يعدّ اضطرارا، فكيف بمن يأخذها للراحة والاستجمام بزعم ضغوط العمل؟ وماعسانا نقول لمن يتعمّد الغش فيما يعرف بالمأكولات الرمضانية فيقدم طعاما لا يرتضيه لنفسه وهو أشبه مايكون بتقديم السموم في ظل غياب الرقيب وانحسار الحسيب في بعد عن مخافة الله ، وتراهم ينتشرون كالنار في الهشيم يملأون الشوارع والطرقات! وتحار العبارات عند الحديث عن مالكي القنوات التلفزيونية ومؤسسات الإنتاج الذين يكرّسون جهدهم لإنتاج خاص بهذا الشهر، وحدّث ولا حرج عما يحويه من مسلسلات وأفلام تغص بمشاهد تتنافى مع روحانية هذا الشهر وأقل مافيها ذلك السفور الممجوج ناهيك عن المناظر الخادشة للحياء من عري ربما يكون بعضها فاضحا الى درجة يترفع القلم عن الخوض فيها، وزد على ذلك مسابقات تعتمد على كثرة الاتصالات في صورة من صور القمار المكشوف والمحرم شرعا،وكم سُرّ الجميع بتصريح معالي وزير الثقافة والإعلام قبل أيام والذي أكّد فيه أن رمضان شهر الروحانية ويجب الحفاظ على قدسيته وعدم المساس بها. وأخيرا ليس لنا إلا الحسبلة والحوقلة على جهات غابت عن الساحة وتخلّت عن دورها المنوط بها، وتركت المواطن يتخبط وهي لا تمارس سوى دور الرقيب بلا فعالية أو دور ملموس، أليست هذه مخالفة صريحة لتوجيهات ولاة الأمر؟ وختاما فإن أمثال هؤلاء جميعا – في تصوري - يقومون بأدوار غاب فيها الشيطان، فقاموا مأزورين لا مشكورين بتلك الأدوار ، ولا شك أن من المسلّم به أن الشيطان والشيطان فقط هو من سيسرّ بهم بل ولربما أجج في نفوسهم تلك النزعات التي كانت من قبل نزغات، وأصبح رمضان مرتعا للأشرار من بني الإنسان بدلا من الجان والشيطان! [email protected]