تثير التصرفات المتناقضة مع روحانية الشهر الفضيل تساؤلات الكثير عن أسباب اقتراف البعض للمعاصي، رغم أن الشياطين كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تصفد في هذا الشهر. البعض أشار إلى أن التصفيد المذكور يخص نوعا من الشياطين، وآخرون يرون أن التصفيد معنوي لا حسي بالسلاسل، ورجح البعض أن النفس الأمارة بالسوء هي المتصرف في ذلك كله. بداية, يؤكد سالمين بن حريز أن سبب ارتكاب الإنسان للمعاصي في رمضان وغيره، ناتج عن ضعف وازعه الديني، وأن الإنسان يحتاج إلى من ينبهه بين الحين والآخر لأمور آخرته، وأعتقد أن على العلماء والمشايخ وعبر محاضراتهم في المساجد، أو برامجهم التلفزيونية أن يسهموا في ذلك. النفس الأمارة إلى ذلك، أعاد الراقي الشرعي عبدالهادي الرشيدي ارتكاب الناس للمعاصي في رمضان إلى النفس الأمارة بالسوء، مستدلا على ذلك بقوله تعالى: (فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله)، قائلا: «ليست الشياطين السبب لأنها مصفدة، بل لعدم تعلق القلب بالله، وضعف الاستعداد للشهر». وذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (رغم أنف امرئ، ثم رغم أنف امرئ، ثم رغم أنف امرئ، قال الصحابة: خاب وخسر يا رسول الله، من هو؟ قال: «من أدرك رمضان ولم يغفر له»، مبينا أن الحديث السابق دليل بأن طريق الخير والشر واضح للإنسان وخصوصا في رمضان، مطالبا بمجاهدة النفس، خصوصا أن الإنسان يواجه عدوا ضعيفا، كما قال تعالى: (إن كيد الشيطان كان ضعيفا)، أما بلال حسن فقال بلغة عامية: «رغم أنه وقت الخشوع واستجابة الدعاء قبل المغرب إلا أننا نرى ونسمع صراخا وألفاظا نابية». خاص بالمردة من جانبه، لفت الراقي الشرعي إبراهيم الردة إلى أن التصفيد الذي جاء في الحديث خاص بمردة الشياطين دون غيرهم، كما جاء في الحديث، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت مردة الشياطين) وفي حديث آخر (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنان وأغلقت أبواب النيران وصفدت الشياطين)، مؤكدا أن الشر لا ينعدم، بل يقل، مبيناً أن السبب الآخر في انتشار السيئات هي النفس الأمارة بالسوء التي تتبع الهوى، كما جاء في القرآن الكريم: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء)، ذاكرا أن لكل شخص قرينا يدله على الشر، كما أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، ومشيرا إلى أن تأثير الشيطان المتلبس بالآدمي يزداد مع رمضان، بسبب زيادة العبادة والصوم والتراويح والعمرة وقراءة القرآن، نافيا شمول التصفيد الشياطين المتلبسة بالآدمي. ونقض أستاذ الدراسات العليا في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور صالح السدلان المتعارف بين الناس بأن الشياطين تصفد بالسلاسل، قائلا: «ليس هذا المعنى، بل المقصد هو التقليل من المعاصي». وأكد أن الشيطان لا يتمكن من أداء أعماله كما يفعله في الشهور الأخرى، لأن لشهر الصيام روحانيته. ولفت إلى أن التصفيد يحمل المعنى المعنوي، لا الحسي، مبينا أن الصيام هو المانع الأساس من المعاصي. التصفيد معنوي وشدد المستشار في الديوان الملكي الدكتور عبدالمحسن العبيكان، على أهمية إكمال الحديث ليتضح المعنى، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره). مبينا أن المعنى أن مردة الشياطين لا يقدرون على بني آدم مثل الشهور الأخرى.