لا أزعم أنني خبير اقتصادي، ولا أجدني على علم ودراية تامة بالنظم والقانون، بل أعلن أنني مواطن عادي إلى أبعد الحدود، وشأني في ذلك شأن كل بني آدم الذين حباهم الله عقولا يميزون بها ، ومنحهم أفهاما يتفاوتون بها، غير أنك تجدهم يتفقون على أشياء يسمونها - إجماعا- بدهيات أو أبجديات . وفي الأيام الماضية تم الإعلان عن خبر عجيب مفاده أن المؤسسة العامة للتقاعد تدرس تمديد سن إحالة الموظفين والموظفات للتقاعد في المؤسسات الحكومية إلى 65 عاما بدلا من 60، فيما حسم النظام الجديد سنوات الخدمة للموظفة السعودية لحصولها على التقاعد المبكر بإكمال 20 عاما. وحقيقة فقد ذهلت لقراءة ذلك الكلام؛ ففي الوقت الذي ننشد فيه توفير وظائف وبعدد كبير، وأعداد المسجلين في نظام حافز يؤكد الحاجة الملحة لتأمين أكبر قدر من الوظائف وقد تجاوز العدد مليون متقدم ومتقدمة ممن انطبقت عليهم الشروط، يأتي هذا الإعلان ، والعجيب هو التبرير الذي ساقه أحد المسؤولين في المؤسسة العامة للتقاعد والذي يقول إن التقاعد المبكر ، وبشكل إجباري ، لتوفير فرص وظيفية للغير حل غير ناجع لمشكلة البطالة ؛ لأن هذا الحل لا يوفر إلا عددا محدودا من الوظائف. إن نظرة سريعة على هذا التبرير يجعل المرء مندهشا، فهو يؤكد - ضمنا - أن التقاعد المبكر يوفر عددا من الوظائف ( وإن كان محدودا) ثم يقر بأنه حل ، لكنه يصمه بأنه غير ناجع. وفي هذا الحال نتساءل: مادام هذا حلا من الحلول فلماذا نتجاوزه، بل كيف يتأتى لنا أن نستبعده أصلا؟ كان بودي لو قامت المؤسسة بإجراء علمي منطقي يمكن اختصاره بعمل استبيان على الموظفين والموظفات، ومن ثم تفريغ ذلك العمل العلمي، ونرى بعدئذ كم نسبة المؤيدين للتقليص وكم الذين يريدون التمديد! ومن عجب هو التمسك بالموظف لسنوات بحجة الخبرة- وقد سبق لهذه الزاوية التطرق لهذا الإجراء والعقود التي تبرم مع البعض وهي وظائف لا مبرر لإبرام عقد مع من كان يشغرها- وهنا أجزم يقينا أن معظم هؤلاء إن لم يكونوا جميعهم لو علموا تماما وأدركوا يقينا أنهم يعملون برواتب زهيدة جدا بعد سنين خدمتهم الممتدة لمابقي على رأس العمل إلا القلة القليلة؛ وإلا فكيف يعمل ذلك الخبير ( بحسب إدّعاء صاحب التصريح ) بألف ريال أو نحو من ذلك إذا قاربت خدمته الأربعين عاما، بل إنه في أحيان كثيرة فإن راتبه يزداد إذا تقاعد؟! إن مثل هذا التوضيح بالقول ( أن خروج خبرات مهمة وبأعداد كبيرة من الموظفات وفق التقاعد المبكر، يؤدي إلى خلل كبير في الإنتاجية خصوصا في قطاعي التعليم والصحة) لا يمكن أن يقبله منطق ولا يستوعبه عقل، فالخبرة يفترض تقديرها بتحفيز من يملكها ، أما أن يعمل المعلم أو الطبيب وهو يعلم أنه إن تقاعد فانه سيحصل على راتبه كاملا لا ينقص إلا شيئا يسيرا ، أو أنه سيزداد ( وهذه طامة) فإن هذا – في تصوري – لا يقبل به أحد؛ إذ كيف أعمل بدون مقابل ، أو أن أعمل وأدفع لمن أعمل لديه؟! وقديما قيل : من عمل بلا مقابل ، اتهمه الناس بالسرقة. وهذا نداء للقائمين على المؤسسة العامة للتقاعد عيشي واقع المجتمع، وإن أردت إصدار قرار يمس الموظفين والموظفات جميعا فعليك بالطرق العلمية التي من خلالها يمكن الحصول على آرائهم، فهل تفعلين أيتها المؤسسة العزيزة؟ [email protected]