في زمننا.. أصبحنا نرى العديد من صور تحقّّق قول النبي صلّّى الله عليه وسلّّم: (إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلّّون في جزيرة العرب، ولكنه لم ييأس من التحريش بينهم) رواه مسلم. إذ حلّّ مكان المحبة والألفة والأخوّة.. الجفاءُ والبغضاءُ والشحناء!! وتفنّن الشيطانُ يحتال في إيقاد نار العداوة والبغضاء في القلوب، وأخذ يستمتع برؤيتها وهي تحرق حاضر الناس ومستقبلهم وتقطع أواصرهم وتفتك بمصالحهم المشتركة. ويخدمه بإخلاص في ذلك شياطين الإنس الذين امتلأت نفوسهم حقدا وبغضا وتشبّعت بالضغائن وطغيان المآرب الشخصية. صوتلك لعمري أمراض فتاكة، وأدواءٌ خطيرة، إذا فشت في أمة كانت نذير شؤمها وهلاكها، وإذا دبت في جماعة كانت الطريق إلى فنائها!! وفي الحديث النبويّ تأكيد على أنها سلاح الشيطان البتّار الذي يضرب به القلوب فيمزّقها، والجماعات فيفرّقها، والكارثة تكمن حينما يتنافر الودّ.. فيتمكّن الشرّ.. ويستعمر العناد والقسوة قلوب الناس فيبدأ الشرّ يحرّكهم والغلّ يسيطر عليهم فيقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض. ونظرا لخطورة هذه الأمور على الفرد والجماعات حرص ديننا دوما على ضرورة إغلاق أي مدخل للفتن والنزاعات والتناحر والتباغض. يقول النبي صَلَّّى اللهُ عَليهِ وَسلَّّم: "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقّّره، التقوى ها هنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امرئ من الشر أن يحقّر أخاه المسلم، كلّ المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه". رواه مسلم. ومن أهمّ الطرق التي تساعد على القضاء على فرص انتشار الفتن في المجتمعات والأفراد ألا نسهم في نشر الشائعات والتحريش.. ومن سمع شيئا فعليه ألا يوسع الخرق على الراقع.. فرب كلمة شر تموت في مكانها لو تركت حيث قيلت. لقد كثرت بين أيدينا وسائل البث والنشر عبر الجوالات والإنترنت.. وبعض الناس للأسف لا شغل لديهم سوى النسخ واللصق وتتبّع الزلات ونشر الفتن.. لأن منهم غرًّا من الأغرار أو حاقدا سيئ الطوية أو جاهلا تافها لا يدرك ماذا يفعل.. فتكون فعلته وسيلة لتأجّج نار الفتنة.!! فكم من مقالة سوء أيقظت فتنة وسعّرت حربا، فأصبحت نارا تنقل الويلات وتنشر الخطوب. إننا بحاجة إلى موقف وكلمة تجمع الأخوّة الإيمانية وتغلق أبواب العداوة والبغضاء وتجعل المجتمع صفًا واحدًا متماسكًا يصعب خرقه.