أكاد أجزم أن الكثير من القراء لم يعرفوا شيئًا عن الملتقى الثاني للمثقفين السعوديين، والذي اختتم مؤخرًا في الرياض، وسط لغط كبير وتراشق لفظي بين الحاضرين، والذين دعتهم الوزارة وعلى وجه الدقة الأمانة العامة للملتقى. ومن عجب أن تكون وزارة الثقافة والإعلام هي منظمة الملتقى والقائمة عليه ويخرج بهذه الصورة، فالدعاية له كانت ضعيفة إلى درجة لا تليق بالحدث، وكذا الموضوعات المطروحة، وقد امتلكتني الدهشة لتشتتها وعدم علاقة بعضها بالمثقف السعودي الذي يفترض أن المؤتمر قد خُصص له. وبالعودة إلى مربط الفرس، فقد كان يتمنى الجميع أن يَعرف الآلية التي تم من خلالها تعريف المثقف، وترتب عليها دعوة أكثر من ألف شخصية (وأتحفظ كثيرًا على الرقم؛ فمن دعي من مثقفي المدينة لا يتجاوزون أصابع اليدين)، كما أن المدعوين بعضهم عرب، وقد قام بعضهم بتسفيه المثقف السعودي والانتقاص من قدره، ويكفيك أن تتأمل في عنوان الملتقى إذ كان: (الملتقى الثاني للمثقفين السعوديين)، فكيف يُدعى غير السعودي! إنّ تعريف المثقف أمر في غاية الأهمية، إذ ينبغي أن يكون واضحاً، فقد تعجب الجميع من تجاهل رموز ثقافية في حين تكرر دعوة البعض، فحتى مع الاتفاق على أنه مثقف، فلماذا تتكرر دعوته ويُتجاهل الآخر، والذي يقر الكثيرون بأنه رمز ثقافي وقد أثرى الساحة الثقافية بالعديد من المؤلفات. ولقد اندهش الكثيرون مما صاحب الملتقى من عزوف من قبل الحاضرين لجلساته، وكم أعجبني تعبير أحد الحاضرين للملتقى حين قال: إن الملتقى صَاحَبَه ضعف في التنظيم والانتظام؛ فكيف لمثقف أن يُدعى ثم لا يحضر الجلسات، وهل تسمح الأوعية الثقافية لذلك المثقف أن يأتي ويحمّل الوزارة تكاليف سفره وإقامته وتنقلاته ثم لا يحضر الجلسات التي يفترض أنها له وأقيمت من أجله. ولكي نكون منصفين فإن العناوين كان بعضها بعيدًا عن هموم المثقفين، حيث كان من المتوقع أن تكون هناك حلقات نقاش عن الجائزة التي أعلنت عنها الوزارة للكِتَاب، وكيف يُمكن أن تستحدث الوزارة جائزة للكُتَّاب والضوابط والأطر التي يمكن تحديدها لهذه الجائزة، ومدى إمكانية إقامة هيئة أو جمعية للمثقفين بحيث تحميهم وتهتم بهم وتكفل لهم حياة هانئة في حال العوز أو المرض، وغير ذلك من الأمور التي تعني المثقف السعودي، لكن عناوين الملتقى كانت نظرية وبعيدة عن الهمّ الثقافي الذي يعيشه أبناؤه. وفي تصوري أن الوقت وقت الشباب ليمسكوا بالزمام، وليس في هذا تهميشًا لكبار السن أو إقصاء لهم، ولكنهم قد أدّوا دورهم، ولجيل الشباب أن يتولوا ما كان قد تولاه هؤلاء الفضلاء في زمن مضى، أما التمسك بهم وإرهاقهم فأجد في ذلك عقوقًا لهم، فيفترض إراحتهم والاستعانة بهم في حدود معينة للإفادة من خبراتهم ومشورتهم فقط. أما ما تناولته بعض القنوات وكذلك بعض الصحف بشأن ما وقع من مخالفات وغير ذلك من أمور فإنه مؤشر على ضعف التنظيم، وبالمناسبة فإن من أثار ذلك يفترض شكره ومكافأته، فقد شكّل كلامه دعاية كبيرة للملتقى، إلا أنها مع بالغ الأسف جاءت بعد انتهائه، وأتصور أنها لو كانت قبله أو أثنائه لشكّلت دعاية كبرى له، ونحن نشاهد الجامعات تقيم مؤتمرات وندوات وملتقيات؛ ومع ذلك لا يحدث فيها ما حدث في الملتقى الثقافي. وها قد انتهى الملتقى فأين ما حواه من فكر وثقافة، وهل له أن ينتهي بدون كتيب يوثق ما طرح فيه؟! أم أن الملتقى عُقد ليخرج بهذه الصورة التي لا ترضي المثقفين أنفسهم سواء من حضروه أو من تابعوه؟!. إن المؤمل أن تُعقد الملتقيات القادمة في مدن متعددة، وبدعاية مهنية وإعلان رائد، وإدارة شبابية وبتقنية عالية وتنظيم جيد، ومواضيع تعني المثقفين دون الحاجة لوجود غيرهم، فالملتقى مخصص لهم، وهم أولى بإدارة دفّته، والمرجو أن يناقش الهموم الثقافية السعودية على وجه التحديد، وأن تكون عناوينه ذات مساس مباشر بالمثقف السعودي، وبتصور إجرائي علمي؛ بأن توزع استبانة على المثقفين قبلاً (بعد تعريف المثقف)، ومن خلال تفريغ الاستبانة تُعلَن المواضيع وورش العمل بإدارة مباشرة من المثقفين السعوديين وبحضورهم.. فهل وصلت الرسالة..؟!