لم يسلم ملتقى المثقفين السعوديين الثاني الذي اختتمت فعالياته الأسبوع المنصرم من نقد لبعض المظاهر التي صحبته، حيث كان لافتًَا غياب المثقفين عن الجلسات بحيث تبدو القاعة خالية المقاعد في بعض الجلسات، مما رفع الأسئلة بحثًا عن سبب وراء هذا الغياب عن الجلسات، البعض علله بتعديل مواعيد الجلسات مما أربك برنامج المثقفين، أما البعض فرأى في الأوراق تكرارًا ومللًا غير محفزين للمشاركة والحضور.. وعلى أي وجه كان تفسير تلك الظاهرة، إلا أن الجميع أشادوا بفكرة قيام الملتقى، كما عمت الإشادة ما خرج به من توصيات آملين أن تجد هذه التوصيات طريقها إلى حيز التطبيق وألا تكون حبيسة الأدراج ومطوية في أضابير التجاهل.. ولعل في حديث نائب وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالله الجاسر بعد الملتقى قد بعث نوعًا من الطمأنينة لدى المثقفين، حيث أوضح الوزارة ستعكف على تنفيذ توصيات الملتقى الثاني للمثقفين السعوديين فورًا، وستسعى إلى تحقيق توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير نايف بن عبدالعزيز لرفع شأن الثقافة ومنسوبيها في هذه البلاد، مؤكدًا أن المسرح والسينما سيأخذان الصفة الشرعية في المملكة قريبًا. وأوضح الجاسر أن المشاركين في الملتقى الثاني للمثقفين السعوديين قد توصلوا إلى مرئيات ومقترحات وضعتها لجنة الصياغة في شكل توصيات، مؤكدًا أن وزارة الثقافة والإعلام ستعكف بإذن الله على دراسة هذه التوصيات من قبل هيئة استشارية ومسؤولين في الوزارة لتحويلها إلى حقائق وتطبيقها على أرض الواقع. وأضاف: من هذه التوصيات ما يحتاج للتطبيق الفوري وفق آليات معينة وهناك ما يحتاج إلى جوانب أخرى، مشيرًا إلى ما تحقق من مكاسب في هذا الملتقى الثاني وهي مكاسب تفوق في نتائجه الملتقى الأول بمراحل، وزاد معاليه: لقد تلمسنا في هذا الملتقى الحاجة الثقافية الفعلية والواقعية لما يطمح إليه المثقف وبالتالي فلن يكون الملتقى الثالث الذي لن يكون بعيدًا بإذن الله حيث وافق معالي وزير الثقافة والإعلام على أن يعقد كل سنتين ملتقى ثقافيًا يجمع شتات من يعملون في الحقل الثقافي بشكل عام، مؤكدًا أن الوزارة لن تستثني أحدًا على الإطلاق. وبيّن أن وزارة الثقافة والإعلام عندما عقدت هذا الملتقى فهي قد جاءت لتسمع من المثقف لا لتُسمعه، وبالتالي فإن الوزارة على استعداد تام لتقبّل الرأي والرأي الآخر إيمانًا منها بأن من يصنع الثقافة هو المثقف وليس الموظف، مشيرًا إلى أن الوزارة ستسعى الى تحقيق هذا المبدأ من منطلق توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين لرفع شأن الثقافة ومنسوبيها في هذه البلاد، موضحًا أن الوزارة ستعمل بكل جهدها لتحقيق هذا الغرض بإذن الله. بين تطلعات المثقفين وقراءتهم لتوصيات الملتقى ورؤيتهم لما دار فيه، وحديث نائب الوزير، ثمة آراء متعددة في سياق هذا التحقيق حول ملتقى المثقفين الثاني وتوصياته، وما بعد توصياته.. شللية وضعف في المشاركة رؤية الدكتور زيد بن علي الفضيل للملتقى والتوصيات التي خرج بها أجملها بقوله: مع انقضاء أعمال ملتقى المثقفين السعوديين الثاني بالأمس القريب، ومع إقرار توصيات الملتقى التي شددت على أهمية فصل الثقافة عن الإعلام، وتأسيس مجلس أعلى للثقافة، وهيئة للكتاب، إلى غير ذلك من التوصيات التي يفتح كل منها الباب لتوصيات أخرى، بل ولإقامة مشاريع ثقافية حقيقية تليق بمستوى المجتمع الثقافي المعاش، مع انقضاء وإقرار كل ذلك، أتصور أنه قد آن الأوان لأن يتم تنفيذ كل التوصيات السابقة، وألا تبقى حبرًا على ورق. ويضيف الفضيل: إن الأمر لا يتوقف عند ذلك وحسب، أي عند إعلان الإرادة السامية بتحويل مجمل التوصيات إلى آليات تنفيذية، ذلك أن الفعل الثقافي بحاجة اليوم إلى دماء فاعلة، وأذهان متحررة، تملك القدرة على الإبداع والتفوق على ذاتها، بعيدًا عن البيروقراطية القاتلة، وبمنأى عن التعصب المقيت والشللية المنبوذة، وانطلاقا من رؤية سليمة لا تعتمد ممارسة حالة الإقصاء الحقيقي ضد الآخر أيًا كان ذلك الآخر، لكي تتمكن من مواكبة المتغيرات المعاشة على الساحة الثقافية، ومواكبة تطلعات وهموم المثقفين. بهذه القيادة وتلك العقليات الثقافية التنويرية سنسهم في صناعة حاضر ثقافي مشرق ومستقبل يليق بطبيعة الحركة المعرفية في المملكة، ومن غير ذلك سنقف في مكاننا لا نراوح نقطتنا التي نحن عليها، في الوقت الذي يأخذ العالم من حولنا بالتغير والتقدم السريع؛ وبذلك يمكن للتوصيات في حال تنفيذها أن يكون لها شأن، وألا يتحوّل المجلس الأعلى للثقافة والفنون والهيئة العامة للكتاب، إلى مركز آخر لنمطية القرار الثقافي، مما سيكون له أثره السلبي على طبيعة وحركية وتفاعل المشهد الثقافي في بلادنا. ويمضي الفضيل في حديثه مضيفًا: من جانب آخر، وتزامنا مع تلك الحالة المتسارعة من التغيير الثقافي إقليميًا ودوليًا، فقد بات من المعيب أن نظل جامدين متخلفين في بعض ملامح الحركة الثقافية الهامة، كالسينما والمسرح والفنون الموسيقية، ولذلك فأملي أن تكون سنة 2012م هي سنة ولادة ونمو وكبر ما أشرت إليه، فلم يعد الوقت قابلًا للانتظار أو التقدم التدريجي، وعلينا أن نلحق بركب التقدم الثقافي بأسرع ما يمكننا، وأن ننتهي من حالة تخوين مجتمعنا الذي غَيَّم فترة ليست بالبسيطة على أذهاننا وفي لحظة صمت كانت عارمة. ويواصل الفضيل: تجدر الإشارة إلى أننا وفي حال مقدرتنا على اختيار القيادة التنويرية الفاعلة لقيادة مشهدنا الثقافي القادم، سنتمكن معها حتمًا من ضبط وتحديد مفهوم منهجي لصفة المثقف، الذي في زحمة المتلصصين، وتطفل الغرباء، قد أخذ يتلاشى عن الأنظار، وهو ما أدى إلى تلاشي حالة التفاعل الفكري ضمن جنبات مشهدنا الثقافي مقارنة بمحيطنا الإقليمي على وجه الخصوص؛ الجدير بالذكر أن ذلك التلاشي لم يؤثر على طبيعة ونمطية التفاعل الثقافي وحسب، بل انعكس أيضًا على جوهر مسائل النقاش وعمقها المعرفي، الذي تكرس فيه داء الهشاشة والسطحية المضحكة المبكية في كثير من الأحيان، باعتبار أن الساحة قد جمعت كل من هب ودب، وقدمت كل من كتب مقالًا، أو أمسك بريشة، أو نظم قصيدة، أو طبع رواية أو كتاب، إلى آخر ذلك، على أساس أنه مثقف بارز، بل وتزداد الكوميديا الساخرة حين ينهمر إطلاق مجمل الأوصاف كالمفكر والعالم والفيلسوف إلى غير ذلك دون حساب أو رقيب، لتصبح تلك الألقاب سبيلًا مستباحًا لكل من ابتغى مجدًا دون وجه حق، وأراد أن يُضفي على نفسه شيئًا من المهابة والمكانة الاجتماعية، وتلك ظاهرة لا تستبين ملامحها إلا في ثنايا المجتمعات الجوفاء، التي يتشدق أبناؤها بالمسميات، ويتوقف تفكير أفرادها عند حدود الظواهر من الأشياء. ويختم الفضيل بقوله: إن تجاوزنا لهذه الإشكالية سيلغي حالة الحضور السلبي للفعاليات الثقافية الذي وضحت آثاره في ثنايا الملتقى الثاني للمثقفين، باعتبار أن المثقف الحقيقي مهموم بالتفاعل مع ثنايا المشهد المعرفي بالجملة، وبالتالي فهو القادر على أن يتفاعل بإيجابية مع مجريات حلقات النقاش خلال تلك الملتقيات. إشكالية مصطلح من جانب آخر يشير رئيس فرع جمعية الثقافة والفنون بجدة القاص عبدالله التعزي، إلى أن التوصيات التي تمخضت عن ملتقى المثقفين السعوديين الثاني كانت ممتازة متمنيًا من وزارة الثقافة والإعلام عمل خطة مدروسة لتنفيذها، والسعي الحثيث لإنجازها فالوسط الثقافي ينظر تنفيذها على أرض الواقع. ويعلل التعزي ظاهرة الغياب عن الجلسات التي كانت حاضرة في ملتقى هذا العام، بقوله: تخصص بعض الجلسات في مواضيع محددة قد لا تهم متابعتها بعض المشاركين قد تكون السبب في عدم تواجدهم. والملتقى كان فرصة للكثير من المثقفين بمختلف اهتماماتهم والتحاور وتبادل المناقشات الهامشية التي كونت لدى كثيرين متنًا مهمًا يتفقون ويختلفون حوله. وعن دعوات الملتقى فقال: لا أعتقد أن هناك انتقائية ربما عدم وجود قاعدة بيانات محدثة لعناوين المثقفين كان عائقًا، فعملية حصر المثقفين بصورة عامة ليس متوفرة، كما أن الاتفاق على مصطلح واحد في حد ذاته يعد إشكالًا؛ حيث لا توجد جهة محددة على مستوى الوطن العربي تضع تعريفًا محددًا لبعض المصطلحات، ومصطلح المثقف بصورة خاصة إشكالية كبيرة تمت حوله كتب كثيرة لا أعتقد أنني مناسب للحديث عن هذا المفهوم. وبشكل عام أرى أن الملتقى بداية لتلبية طموحات المثقف، حيث إن ما يتم بعد الملتقى هو المهم وليس الملتقى بحد ذاته. توصيات بصيغتين وعن التوصيات يقول الدكتور صالح زياد الأكاديمي بجامعة الملك سعود: إن التوصيات في مجملها معبِّرة عن ما طرحته الأوراق وما تناوله النقاش بشأن الموضوعات المحددة في جدول فعاليات الملتقى. وهي توصيات مُرْضية في أكثرها، لكن هناك صيغتين انقسمت عليهما أبرز التوصيات، الأولى تأخذ دلالة عملية ومحسوسة باستخدام لفظ إنشاء أو تأسيس أو إقامة وما يشبهها، مثل: إنشاء مجلس أعلى للثقافة، إنشاء مراكز ثقافية، إنشاء الهيئة العامة للكتاب، تأسيس جوائز تقديرية وتشجيعية...إلخ. والثانية تتضمن دلالة الحض والحث والتنبيه، وتأتي هنا لفظة الاهتمام والعناية والتأكيد وما يشبهها، مثل: الاهتمام بالنشر الورقي والإلكتروني في حقول الثقافة، العناية بثقافة الطفل...إلخ. في الصيغة الأولى تبدو التوصية متبلورة وقد خرجت إلى معنى الآلية التي تحقِّق غرضًا، أما في الأخرى فكأنها ما تزال في طور البحث عن آلية. وضيف زياد: أتصور أن المهمة الآن هي في إخراج هذه التوصيات إلى حيز الفعل والعمل. فقد كانت توصيات الملتقى الأول محل تساؤل وما زال بعضها لم ينفَّذ، وأرجو ألا يكون مصير هذه التوصيات مصير الإهمال والتناسي. وعما يثار عن الدعوات واتهام الوزارة بالانتقاء والتحيّز يقول زياد: هذه مسألة لن تسلم الوزارة من إثارتها في كل الأحوال. هناك من يرى في هذا الحضور امتيازًا وشهادة إثبات على قيمته الثقافية، وأنا أعتقد إعلان الوزارة معايير لاختيار الضيوف هو أمر بالغ الصعوبة. لم أكن متحمسًا لكثرة العدد الذي أعلنت الوزارة أنها وجهت الدعوة إليهم، وهو -بحسب أمين الملتقى الأستاذ محمد نصر الله- يناهز 1200 شخصية، خصوصًا والفعاليات منقولة مباشرة على القناة الثقافية. كان يكفي أن يكون العدد رمزيًا للمختصين في الحقول والموضوعات المطروحة للنقاش ومن يمكن أن يثروا المداخلات حولها. مناخ صحي مشاركة القاص محمد علي قدس جسدها في قوله: لقد بدا أن الملمح الأهم في الهدف من إقامة الملتقى الثاني للمثقفين، بعد أن جاءت نتائج الملتقى الأول الذي عقد قبل أكثر من ستة أعوام غير كافية ولا مستوفية لطموحات المثقفين وآمالهم، ولم يضم العدد الكافي من المثقفين الذين يستفاد من آرائهم ومقترحاتهم، وكان لابد من الاستفادة من الخبرات العربية والدولية في مجال التنمية الثقافية، والعمل على وضع إستراتيجية وطنية تمكن الوزارة من تحقيق أهدافها وتلبي احتياجات ومتطلبات المثقفين، لذا تم حشد عدد غير مسبوق من الأدباء والمثقفين والإعلاميين، لإنجاح الملتقى. وأضاف: لقد كان واضحًا أن هناك خللا في وضع مفاهيم جديدة لخطط المثاقفة والحوار، والاعتماد على خطاب ثقافي تجتمع عليه مختلف الأطياف، في الملتقى السابق، لذلك تأكد للمثقفين، تجاوزنا خلال الخمس سنوات الماضية الكثير من العقبات، كما حققنا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، ما كان صعبًا وبطيئًا علينا خلال سنوات خطط التنمية السابقة، فقد حققت المملكة خلالها انجازات تنموية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصناعية، في الوقت الذي كانت مؤشرات التنمية الثقافية متأخرة وبطيئة إلى حد بعيد، وقد بدت على ملامح المشهد الثقافي في الخمس سنوات الماضية ما يؤكد، وجود مناخ صحي للحوار والمثاقفة وإبداء الرأي. فقد انطلقت جلسات الحوار الوطني الذي تبناه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وانطلقت دعوة خادم الجرمين الشريفين الملك عبدالله لحوار الأديان والأيديولوجيات، وذلك يعد من المؤشرات الجيدة في تحقيق أهداف صحيحة لإستراتيجية ثقافية ذات ملامح حضارية. ويختم قدس بقوله: إن وزير الثقافة والإعلام في كلمته التي ألقاها في افتتاح فعاليات الملتقى الثاني للمثقفين السعوديين، أعلن عن تفعيل جائزة الدولة التقديرية للأدب وفق آليات مختلفة وفي مجالات الإبداع الأدبي والثقافي، والبدء في إنشاء عشر جوائز سيعلن عنها في المعرض الدولي للكتاب الذي سيقام في مارس القادم، وتمنح لعشر كتب في مختلف المعارف والفنون والآداب، وإذا أضفنا ما خرج به الملتقى من توصيات منها ما يحقق طموحات المثقفين ومنها ما يرسم منهجًا واضحًا لاستراتيجية واضحة لمستقبلنا الثقافي، وأكد هنا على تنفيذ التوصيات وأن تؤخذ بشكل جدي في خطط الدولة التنموية ولعل أولى الخطوات، إنشاء وزارة مستقلة تهتم بالقضايا الثقافية وهموم المثقفين. خاصة أن المملكة تشهد تحولات متلاحقة في بنيتها الاجتماعية وبنيتها الثقافية والاقتصادية، وقد غدت جزءًا مهمًا في المنظومة العالمية فكريًا وحضاريًا. خلل في الدعوات الكاتب مهنا الحبيل وجد نفسه بعيدًا عن أجواء ملتقى المثقفين السعوديين الثاني، حين اعتذر عن إجابة العديد من محاور الملتقى وخاصة ما يتعلق بالتوصيات، وتوقف عند توجيه الدعوات حيث أكد أنه لم يدعَ إلى الملتقى ولم يكن له نصيب من المشاركة وهو الكاتب الصحفي المتنوع والمهتم بكثير من القضايا الكتابية. تفاؤل منضبط وتحدث رئيس نادي الرياض الأدبي السابق الدكتور محمد الربيع بقوله: توصيات الملتقى الأولى بعضها تم تنفيذه والكثير منها لم ينفذ لأسباب مختلفة وكنا نتمنى بعد مرور سبع سنوات ما بين الملتقى الأولى والثاني أن نرى تحقيق كثير من التوصيات. وكان من أهم توصيات الملتقى الأولى الأول إقامة الملتقى كل عام، وأن يكون متنقلًا بين مدن المملكة، وقد تأخر لمدة سبع سنوات، وكل ما نتمناه أن ينتظم عقد الملتقى، ويكون له موعد ثابت، ونتمنى أن يكون الملتقى الثالث بعد عامين ويتم نقله لمدينة أخرى لكي يكون فرصة للالتقاء. ويضيف الربيع: الملتقى الثاني كان له توسع في الدعوات أكثر من الأول، ومتنوع، وجمع جميع الأطياف الثقافية. وما طرح في الملتقى الثاني هو تأكيد لما طرح في الملتقى الأول، والبعض يرى هذا الملتقى إقرار ولكن أحيانًا قد تكون مضطرًا لإعادة بعض الأشياء لأخذ دراسة أعمق، وعلينا أن نتفاءل؛ ولكن هذا التفاؤل يجب أن يخطط له؛ فمعالي وزير الثقافة والإعلام رجل مثقف، ولكن الأجهزة التي تعمل معه أجهزة ضعيفة وقاصرة، والميزانية المخصصة لقطاع الثقافة قليلة مقارنة بما يتم تخصيصه لقطاع الإعلام، ونحن بحاجة إلى مشروع وطني للنهوض بالثقافة، فلدينا مشاريع لتطوير التعليم العالي، ومشاريع لتطوير التعليم العام، ومشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء، ومشروع الملك عبدالله للابتعاث، وعليها إنفاق كبير؛ فلماذا لا يكون هناك مشروع لتطوير الثقافة، لأن الثقافة هي المؤثر الأكبر في حركية المجتمع، وينبغي عدم وضع الحمل على الوزارة، ويجب أن يكون هناك دور كذلك للقطاع الخاص. تجاهل أزمة الثقافة أما الدكتور محمد العوين فيقول: هناك فصل بين ملتقيات الأدباء وملتقيات المثقفين، وفي النهاية المحصلة واحدة. ولو عدنا للوراء للملتقى الأول الذي أقيم بجامعة الملك عبدالعزيز قبل سبع سنوات هي بادرة لتسيير العمل الأدبي وذلك في 1349ه كان أول ملتقى عقد برعاية جامعة الملك عبدالعزيز بمكة ولكن بإدارة ممتازة تفيد العمل الأدبي بمصطلح أقل من مصطلح العمل الثقافي، وكانت خطوة متقدمة وظللنا فترة طويلة في صمت ثقافي حتى عام 1419ه، حيث عقد المؤتمر الثاني للأدباء السعوديين، ثم عقد المؤتمر الثالث للأدباء السعوديين عام 1429ه، والآن أتت الملتقيات الثقافية لكي تسرع عملية الحراك الثقافي وبصورة أشمل من الملتقيات الأدبية، وإن كان هناك التقاء ما بين المثقفين والأدباء والمهم أن يكون هناك لقاء دوري يجمع المثقفين وتؤخذ آرائهم وتفعل توصياتهم حينما يلتقون ويناقشون الهموم التي يعاني منها العمل الثقافي في كل قطاعاته وكل جوانبه. ويضيف العوين: وفي هذا الملتقى تم تداول مواضيع مهمة للجانب الثقافي، لكنهم لم يطرحوا أزمة الثقافة وغياب الثقافة السعودية عن الحضور عربي، فتأثير الثقافة ضعيف حتى المستوى المحلي. ولماذا الكتاب السعودي يعاني في الخارج ويعاني من سوء التوزيع خارجيًا، ولماذا لا يجد المثقف السعودي التشجيع المناسب في نشر كتبه داخليًا وخارجيًا، ولماذا نرى الكتاب العربي يصل إلينا هنا في المملكة من كافة الأقطار العربية بينما كتابنا لا يصل إلى هذه الأقطار إلا بشق الأنفس، ولماذا المثقف السعودي ينشر في الخارج حتى يحصل على الانتشار ولا ينشر في الداخل إلا من عجز عن النشر بالخارج، ولماذا المثقف السعودي يغبن ويؤكل حقه المادي لأن رغبته جامحة في الانتشار الخارجي، وأين المحفزات التي تساعد على العمل الإبداعي والعمل العلمي والبحثي بعيد عن أروقة الجامعة مثل الجوائز الدورية في كافة الحقول الثقافية. ويمضي العوين في حديثه مضيفًا: الحجم الثقافي والحجم الأدبي قل كثيرًا عن طاقتنا في المجال الديني والاقتصادي والسياسي، فالمملكة رائدة في هذه المجالات في المحيط العربي والإسلامي والدولي سياسيًا واقتصاديًا، وقطعت شوطًا كبيرًا في التنمية الاقتصادية والعلمية والتنمية الشاملة إلى حد كبير، وكنا نطمح للمزيد.. فلماذا الدور الثقافي والإعلامي ضئيل، ولماذا لا يتساوى مع هذه الجوانب، وهذا يجعلنا نصاب بالغبن لأن لدينا عددا كبيرا من المثقفين والمبدعين والإداريين ولكن لا أحد يعرفهم؛ فمن المسؤول عن إنتاجنا الأدبي والعلمي، ومن الذي يستطيع تقديم هذه الوجوه للعالم العربي والإسلامي والعالم أجمع. ويختم العوين بقوله: هناك دور لازال مفقودا، وهذا دور لوزارة الثقافة بحيث تكون وزارة مستقلة ومدعومة ماليًا وإداريًا حتى تستطيع تقديم ما لدينا من زخم علمي وثقافي وإبداعي.. نريد أن تتغير النظرة عن السعودية، فالسعودية ليست نفطًا فقط وليست صحراء قاحلة فقط؛ السعودية فيها جوانب أخرى غير الجانب الديني الذي نعتز به، ونريد الملتقى أن يحقق نجاحًا مميزًا وحضورًا رائعًا ولكن الورقات علمية ولكن لا تجيب عن أزمة الثقافة السعودية، ولم تطرح في هذا الملتقى معوقات العمل الثقافي. كيف ترتفع بالفعل الثقافي السعودي وتتقدم خطوات إلى الأمام، فالعمل الثقافي يحتاج إلى دعم أكبر ومحفزات أكثر، فهناك قصور في دعم العمل الثقافي فالدور الذي تقدمه وزارة الثقافة والإعلام أقل مما يجب. تكرار وملل وتقول القاصة شيمة الشمري: لا شك أن الملتقى خدمة للمثقف أيًا كان اهتمامه وهمه الثقافي، فهو تظاهرة شاملة للأدباء والكتاب والفنانين؛ لكن قلة الوقت المتاح لقارئ الورقة والمناقشين حول محتوى الورقة أخمد فينا ثورة الحوار البناء، حيث تتم المقاطعة باستمرار وبشكل غير لائق، وهذا غير مشجع للمداخلة التي قد تكون ذات فائدة كبرى.. الأوراق كانت متفاوتة في الطرح وأغلبها كان تكرارًا مملًا للمحتوى وللأشخاص، وبرأيي أن محوري الموسيقى والفنون الشعبية والمسرح كانت جيدة وخارجة عن الجمود المألوف في الأوراق.. كما لاحظت أن المثقف يهمل الجلسات والمحاضرات متجهًا إلى الجلسات الخاصة والإيوان الثقافي لما فيها من تلقائية وبعد عن الرسمية، كما أنها تضمن له حرية الطرح، ومزيدًا من الوقت أثناء الحوار والمداخلة.. أضف إلى ذلك سوء التنظيم في الجلسات ووقتها المتتابع أرهقت الحضور وقد ينسحب البعض ولا يحضر ولن نلومه! كما أن المحاور أهملت بعض همنا الحاضر وهو الانتخابات وما لحق بها من كوارث كم تمنينا لو ناقشنا اللائحة وشروطها والانتخابات وتبعاتها.. مراكز ثقافية مهمة رؤية مدير ملتقى إبداع الثقافي عبدالعظيم محمد الضامن صاغها بقوله: انتهى الملتقى الثاني للمثقفين السعوديين والآمال معلقة بتحقيق التوصيات التي استخلصها المشاركون من خلال المداخلات والرؤى المستقبلية لتحقيق الطموحات والأمنيات، ومن تلك التوصيات التي أراها مهمة هي إيجاد مراكز ثقافية قادرة على خلق حراك ثقافي مميز في مدن ومحافظات المملكة العربية السعودية، وتكون مراكز إشعاع ثقافي مميز يتواكب مع النهضة التي تعيشها المملكة. ويتابع الضامن حديثه حول جدوى هذه المراكز بقوله: المراكز الثقافية مطلب حضاري، وتعتبر أهمية المراكز الثقافية من الضرورات والمهمات للرقي بالمجتمعات وبالثقافة والفنون في جميع الدول، سواء المتقدمة منها أو النامية، وإنشاء قاعة للعروض الفنية والمحاضرات الثقافية والصحية والتربوية، للنهوض بالذائقة الحسية والبصرية والمعرفية مطلب حضاري وتنموي لثقافة هذه الأرض الطيبة، التي تزخر بعطاء أبنائها المبدعين. وحينما نتحدث عن أهمية وجود مراكز لاحتضان المبدعين، فإننا ندرك تمامًا بأن نسبة كبيرة من الموهوبين لا يجدون مكانًا يلجئون إليه لتنمية مهاراتهم، بل لا توجد مراكز تحتضن المبدعين وتعزز فيهم روح العطاء، ولأن المراكز المتخصصة لدعم الموهوبين بعيدة عن آلية منظومة العديد من الوزارات ذات الشأن، فلا نعرف من هي الجهة التي من الممكن أن نلقي عليها هذا الطلب، علمًا بأن مثل هذه المراكز تنقسم في رعايتها بين الدول، لوزارتين، البعض تحت رعاية وزارة الثقافة والبعض تحت رعاية الشباب. ويستحق أبناؤنا المبدعون الاهتمام بتوفير مراكز في المملكة تليق بمستوى طموحاتهم وطموحاتنا، تضم بين جنباتها متحفًا دائمًا لأعمال الفنانين في المملكة، ومركزًا لتدريب الموهوبين، ومقرًا لاستضافة ضيوف تلك المنطقة أو المحافظة من المملكة والعالم للتعريف بالمنطقة سياحيًا وثقافيًا. ومتحف الفنون هو بمثابة تجديد الروح لبناء مستقبل مشرق للفنون والثقافة المحلية، الفنون التشكيلية والتصوير الضوئي والخط العربي والزخرفة والحرف الشعبية تجتمع تحت سقف واحد، والمركز كفيل بتحقيق نشاط غير اعتيادي، وسوف يستفاد من القاعة للمهرجانات السياحية، والوطنية على مدار العام، وسوف يضم المركز مرسمًا لتدريب الموهوبين، وتدريب الحرفيين في برامج عدة تقوم الهيئة العامة للسياحة والآثار مشكورة بتنميتها ضمن برامج توطين الحرف وما شابه ذلك، خاصة في ظل تزايد اهتمام المجتمع بتنمية الموهوبين والموهوبات، وسوف يكون وجود مثل هذه المراكز فرصة لخلق هذا الجانب الحيوي والمهم في تنمية مجتمعنا، ومن المتوقع أن يكون معلمًا سياحيًا بارزًا، ومكانًا يرتاده الزوار، وبالتأكيد سوف تضم هذه المراكز مكتبة ومقهى إنترنت. ويذيل الضامن حديثه بقوله: تبقى هذه الطموحات مرهونة بمدى قناعة وزارة الثقافة والإعلام بأهمية هذه المراكز، وأهمية الثقافة والفنون في السياحة المحلية، فالثقافة البصرية تستحق منا الرعاية والمبادرة بتحقيق طموحات المثقفين، وتكون هذه المراكز مشروعا وطنيا في جميع مناطق المملكة العربية السعودية. ظلم التشكيل كذلك شارك الفنان التشكيلي أحمد فلمبان بقوله: لقد حظي الفن التشكيلي بأهمية كبرى في فعاليات ملتقى المثقفين السعوديين الثاني، ومشاركته ببرنامج طموح عن أبرز المشاكل والتحديات التي يواجهه، وطرح العديد من المقترحات للنهوض به إلى مستويات أفضل وتداول الآراء ووجهات النظر لتحسين أدائه لمواكبة الحركات التشكيلية العربية والعالمية، وقد شارك في هذه الندوة كل من الدكتورة مها السنان عن قيمة الفن كرؤية مستقبلية نحو ثقافة تجارة الفن في المملكة، والدكتور صالح الزاير عن التنظيمات المهنية ودورها في إثراء الحراك في الفنون التشكيلية، والفنان أحمد فلمبان الذي طرح قراءة نقدية ورؤية مستقبلية للفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية، وتمت مناقشة واقع التشكيل الكئيب والقضايا الملحة وكيفية انتشاله من هذه الإشكالية بالمؤازرة والتعاون والحوار وتبادل الأفكار مع أصحاب القرار من أجل تسريع عجلة الإصلاح والنهوض به إلى مستوى الطموحات والتطلعات والنأي من شطط الكلام والاتهام للوزارة والجمعية، وقد ثمن التشكيليون الحاضرون للفعاليات والندوة التشكيلية اللفتة الكريمة في تكريم الفنان القدير محمد سيام يرحمه الله، ولكنهم استاءوا على إجهاض الندوة في بتر زمنها نصف ساعة وعدم أخذ حقهم في المداخلات والمناقشة وكذلك في عدم توزيع كتيبات المحاور قبل أو أثناء الجلسة، للوقوف على محتواها ومناقشتها في المداخلات، ومن هنا كانت الندوة سريعة وكأن الأمر مقصودًا في إقصاء الفن التشكيلي في هذا الملتقى خاصة وأنه من أهم روافد الثقافة السعودية وأكثرها ثراء وبهاء وحضورًا على المستوى المحلي والعالمي وأخذ حيزًا كبيرًا في المنظومة الإعلامية الثقافية السعودية وأصبحت الثقافة والفنون مواكبةً لذلك التطور الذي تعيشه مختلف المرافق الأخرى وأصبح بناء العقل والفكر وبث الوعي الثقافي سمة من السمات التي يتحلى نهجنا القويم في رؤيا ثابتة ومتوثبة نحو تقديم هذه العطاءات، وتمنوا من اللجنة المنبثقة لصياغة التوصيات الأخذ بالمقترحات والرؤى المستقبلية التي وردت في أوراق الندوة من أجل رفعة وتطور هذا الفن الجميل.