أنهى الملتقى الثاني للمثقفين السعوديين أعماله في الرياض في الأسبوع الماضي وتباينت آراء حاضريه وحاضراته في تقويمه وتقويم توصياته على وجه الخصوص. إن انعقاد هذا الملتقى المهم للمثقفين السعوديين ولو كل بضع سنوات له مردوده الكبير والهائل على الحركة الثقافية في المملكة العربية السعودية، دون أدنى شك، وإن كان البعض يذهب إلى أن مجرد لقاء المثقفين والمثقفات تحت سقف واحد لأيام قليلة يعتبر إنجازاً ذا بال في حد ذاته، إلا أن تجربتنا في الملتقى الأول أثبتت لنا أن هناك إنجازات أخرى كثيرة قد تحققت، وتوصيات عدة للملتقى وجدت قبولاً وطريقاً للتطبيق في مدة وجيزة ولله الحمد، ولعلها فرصة سانحة أن أذكر ببعض تلك التوصيات للملتقى الأول التي نسيها بعض منا، وهي مدونة ومحفوظة عندي بعد أن كنت حضرت جلسات الملتقى الأول جميعاً من الافتتاح إلى الاختتام ودونت توصياته وكتبت عنها مراراً ودعوت بإلحاح إلى تنفيذها كي لا تصبح مصيرها مصير الكثير من توصيات الندوات والمؤتمرات في العالم العربي: مطبوعات وقراطيس تبقى حبيسة الأدراج والملفات. وقد كانت توصيات الملتقى الأول في مجملها متوازنة وواقعية ولم تحمل تطلعات ضخاماً يصعب تحقيقها فاعتبار أوراق العمل والمناقشات والمداولات والتوصيات في الجلسات أساساً لوضع الاستراتيجية الوطنية للثقافة في المملكة – كما جاء في التوصية الأولى – يعتبر تصوراً موفقاً لما يجب عمله حيال وضع الاستراتيجية الثقافية، ومن التوصيات المهمة للملتقى التوصية (6): تحديث الأنظمة واللوائح المتعلقة بالأندية الأدبية، وقد تحققت هذه التوصية كما هو معروف، وتغيرت الأنظمة واللوائح الخاصة بالأندية الأدبية، وأقر نظام الانتخاب، وتمت الانتخابات في كل النوادي الأدبية بشفافية تامة وانضباط ملحوظ، وكانت نقلة نوعية حقيقية في المسيرة الثقافية بعامة في المملكة بمعزل عما إذا كانت نتائج هذه الانتخابات قد أرضت جميع المشاركين أو لم ترضهم، وبتوجيه وإصرار من معالي وزير الثقافة والإعلام، ومتابعة دقيقة من سعادة وكيل الوزارة للشؤون الثقافية وسعادة مدير إدارة النوادي الأدبية وأعضاء لجنة الإشراف من المثقفين جرت هذه الانتخابات في كل مناطق المملكة بنجاح تام وحققت كل أهدافها، وقد تحققت توصيات أخرى على أرض الواقع مثل: الاهتمام بالثقافة بوصفها أساساً لتحصين الأمة والنهوض بها لمواجهة الأزمات والتحديات وضمان حرية التعبير المسؤولة للأدباء والمثقفين، وهو ما أكد عليه معالي وزير الثقافة والإعلام مراراً من أنه لا يؤمن بالإقصاء ويقف على مسافة متساوية من الجميع، وقد لمسنا ذلك بأنفسنا. وقد جاءت توصيات الملتقى الثاني محققة لتطلعات جمهور المثقفين في جملتها ولعل أهمها التوصية (3): «النظر في مقترح استقلال قطاع الثقافة في وزارة مستقلة» ولو أننا كنا نتمنى أن تكون التوصية أكثر قوة كالمطالبة باستقلال قطاع الثقافة، أو ضرورة استقلال.. إلخ، لأن تلكم تبقى توصية ليس إلا وتحتاج إلى قرار على أعلى المستويات لتنفيذها، ومرة أخرى جاءت عبارة: «النظر في فكرة إنشاء مجلس أعلى للثقافة تمثل فيه جميع الجهات المعنية بالتراث والثقافة وعضوية عدد من أبرز المفكرين والمثقفين والأدباء والفنانين»، وهي التوصية رقم (4). وكان يكفي أن نقول: إنشاء مجلس أعلى للثقافة إلخ.. لأن ذلك لا يخرج عن كونه توصية، أما التوصيتان (5) و(6) فكان يمكن دمجهما مع التوصيتين (3) و(4)، لأن قيام وزارة مستقلة للثقافة أو مجلس أعلى للثقافة كفيل بوضع البرامج وقبلها الاستراتيجيات وقد جاءت التوصية (7) مباشرة وليست كسابقاتها: «إنشاء صندوق وطنيي للثقافة تموله الدولة والقطاع الخاص لدعم الفعاليات والمبادرات ذات العلاقة بالشأن الثقافي» وهي الصياغة الصحيحة للتوصية: أن يقال مباشرة: «إنشاء» وعليه، ما كنا في حاجة إلى عبارة: «التأكيد على إنشاء أكاديمية للفنون» في التوصية (8) بل يمكن أن نقول مباشرة: «إنشاء أو تأسيس أكاديمية للفنون... إلخ».. وكان من أهم التوصيات دون شك التوصية رقم (11): «إنشاء الهيئة العامة للكتاب والمكتبات العامة، إلخ»، وإن كنا نفضل إطلاق اسم آخر على هذه الهيئة كي لا تلتبس بالهيئة المصرية للكتاب التي تحمل الاسم نفسه، وقد ذكرت هذا مع زملاء آخرين في الجلسة التي قدمت فيها هذه التوصية وهي جلسة «الصناعات الثقافية» على ما أذكر. أما التوصية رقم (15): «تأسيس جوائز تقديرية وتشجيعية تمنحها الدولة في مختلف مجالات الآداب والفنون والثقافة» فهي تحوير وتطوير لإحدى توصيات الملتقى الأول «بإعادة تقديم جائزة الدولة للأدباء والمثقفين وتوسيع مجالاتها». وهي توصية لم تطبق حتى الآن. وقد أسعدتنا كثيراً التوصية الأخيرة بعقد الملتقى الثالث بعد عامين إن شاء الله، على أن يتوالى انعقاده كل سنتين. وذلك لأنه مضى على انعقاد الملتقى الأول قرابة ثماني سنين، وأخيراً لابد من الإقرار بنجاح هذا الملتقى الذي بذلت فيه وزارة الثقافة والإعلام جهداً مضنياً في التنظيم والتمويل والتحكيم، وتمخضت عنه هذه التوصيات التي تعتبر عملية وقابلة للتطبيق في مجملها، وهو ما يجب التركيز عليه في الحكم على الملتقى بدل التركيز فقط وأقول «فقط» بحسرة وألم على أمور مثل الاستقبال والوجبات ومستوى الفندق والثلاجة التي لا تفتح وهلم جرا، لأننا حضرنا من مسافات بعيدة للاستماع والتحدث والمناقشة والمداخلة والاستفادة وخدمة الثقافة، ولم نحضر للضيافة والاستقبال وفتح الثلاجات.