إنّ انعقاد الملتقى الثاني للمثقفين السعوديين، ولو كل بضع سنوات، له مردوده الكبير والهائل على الحركة الثقافية في المملكة العربية السعودية دون أدنى شك. وإن كان البعض يذهب إلى أن مجرّد لقاء المثقفين والمثقفات تحت سقف واحد لأيام قليلة يعتبر إنجازًا ذا بال في حدٍ ذاته؛ إلا أن تجربتنا في الملتقى الأوّل أثبتت لنا أن هناك إنجازات أخرى كثيرة قد تحقّقت، وتوصيات عدّة للملتقى وجدت قبولاً وطريقًا للتطبيق في مدّة وجيزة ولله الحمد. ولعلها فرصة سانحة أن أذكّر ببعض تلك التوصيات للملتقى الأوّل التي نسيها بعض منّا، وهي مدونة ومحفوظة عندي بعد أن كنت حضرت جلسات الملتقى الأوّل جميعًا من الافتتاح إلى الاختتام، ودوّنت توصياته وكتبت عنها مرارًا، ودعوت بإلحاح إلى تنفيذها كي لا يصبح مصيرها مصير الكثير من توصيات الندوات والمؤتمرات في العالم العربي: مطبوعات وقراطيس تبقى حبيسة الأدراج والملفّات. وقد كانت توصيات الملتقى الأوّل في مجملها متوازنة وواقعية، ولم تحمل تطلعات ضخامًا يصعب تحقيقها، فاعتبار أوراق العمل والمناقشات والمداولات والتوصيات في الجلسات أساسًا لوضع الإستراتيجية الوطنية للثقافة في المملكة – كما جاء في التوصية الأوّلى – يعتبر تصوّرًا موفقًا لما يجب عمله حيال وضع الإستراتيجية الثقافية. ومن التوصيات المهمة للملتقى التوصية (6): تحديث الأنظمة واللوائح المتعلقة بالأندية الأدبية. وقد تحققت هذه التوصية كما هو معروف، وتغيرت الأنظمة واللوائح الخاصة بالأندية الأدبية، وأُقرّ نظام الانتخاب، وتمت الانتخابات في كل النوادي الأدبية بشفافية تامة وانضباط ملحوظ، وكانت نقلة نوعية حقيقية في المسيرة الثقافية بعامّة في المملكة، بمعزل عمّا إذا كانت نتائج هذه الانتخابات قد أرضت جميع المشاركين أو لم ترضهم، وبتوجيه وإصرار من معالي وزير الثقافة والإعلام، ومتابعة دقيقة من سعادة وكيل الوزارة للشؤون الثقافية، وسعادة مدير إدارة النوادي الأدبية ، وأعضاء لجنة الإشراف من المثقفين جرت هذه الانتخابات في كل مناطق المملكة بنجاح تام، وحققت كل أهدافها. وقد تحققت توصيات أخرى على أرض الواقع، مثل: الاهتمام بالثقافة بوصفها أساسًا لتحصين الأمة والنهوض بها لمواجهة الأزمات والتحديات وضمان حرية التعبير المسؤولة للأدباء والمثقفين. وهو ما أكد عليه معالي وزير الثقافة والإعلام مرارًا من أنه لا يؤمن بالإقصاء ويقف على مسافة متساوية من الجميع، وقد لمسنا ذلك بأنفسنا. وما نطمح له في الدورة الثانية للملتقى هو بحث القضايا الثقافية الملحّة والخروج بتوصيات جديدة تنفع النّاس، ومتابعة التوصيات التي تمخض عنها الملتقى الأوّل، وقد تحقق بعضها كما ذكرت، وما زلنا نتطلع لتحقيق بعضها الآخر مثل: الترخيص لجمعية الكُتّاب والأدباء، وإنشاء صندوق تعاوني للمثقفين تدعمه الدولة، وإعادة تقديم جائزة الدولة للأدباء والمثقفين، وتوسيع مجالاتها، وهي جائزة توقفت قرابة ثلاثين عامًا، وأذكر أن آخر دوراتها كانت عام 1405ه. وقد تضمن برنامج الملتقى الثاني موضوعات ذوات بال، وبعضها مرتبط بتوصيات الملتقى الأوّل، ومنها موضوع «دور المرأة الثقافي» الذي ستعقد حوله ندوة تشارك فيها صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز، والدكتورة لمياء باعشن، والدكتورة عزيزة المانع، والدكتورة ثريا العريض. وقد كان من توصيات الملتقى الأوّل المهمة ضرورة مشاركة المرأة في المحفل الثقافي داخل المملكة وخارجها وفق ضوابط ديننا وقيمنا، وترتبط هذه التوصية ارتباطًا وثيقًا بندوة «دور المرأة الثقافي». وقد روعي في موضوعات الملتقى الثاني تنويع الموضوعات لتغطي اهتمامات المثقفين والمثقفات كافة، مثل: «العلاقات والاتفاقيات الدولية»، و»الجوائز الثقافية»، و»المهرجانات الثقافية والأسواق القديمة»، و»ثقافة الطفل»، و»التراث والموسيقى»، وغيرها. وفي ضوء هذه الموضوعات المنوعة، وحضور مئات المثقفين والمثقفات من كل أنحاء المملكة، ومن كل الأطياف الثقافية، نتوقع للملتقى الثاني النجاح كما نجح الملتقى الأوّل إن شاء الله. (*) أكاديمي وأستاذ جامعي