يُعتبر الفنان علي إبراهيم (المولود في حي المرقب بالرياض) واحدًا من أجمل الفنانين الذين ظهروا على المسرح السعودي منذ ما يزيد على الأربعين عامًا، وما زال يعطي لهذا المجال رغم تراخي قصته.. ففي المسرح وفي 1973م كانت له انطلاقة مميزة في «طبيب بالمشعاب» والتي لم تكن إلا نواة رائدة في استمرارية عظمة المسرح السعودي، ظهر منها مجموعة كبيرة منهم علي إبراهيم الذي يعطي بسخاء للدراما السعودية.. 28 عامًا قضاها في ردهات الدراما وبين منعرجاتها وفوق خشبات المسرح.. عمل علي إبراهيم بالتدريس بعد حصوله على المرحلة المتوسطة (شهادة إتمام الكفاءة المتوسطة) كمعلم للتربية الفنية ثم التحق بدورة فصلية تأهيلية في الطائف أهلته للحصول على شهادة الدبلوم في التربية الفنية يقول عنها إنها كانت كافية لتنمية حسه الفني ووعيه الثقافي وزيادة العمق المعرفي ومن خلالها تعرّف على الفنون العالمية وتاريخ الفن وعصور النهضة.. الثمانية وعشرون عامًا التي قضاها معلمًا كان من الممكن أن تكون هذه المدة الزمنية مشكلًا يعترض طريق محبته وولعه بالدراما، لكن تلك السنون لم تنجح في أن تبعده عن مزاولة طاقاته الإبداعية في الدراما، وهو يذهب لأبعد من هذا ليؤكد أنها أعطته دافعًا قويًا ليقف على خشبة المسرح، تلك القوة التي كانت تدفعه نحو الأعلى جعلته واحدًا من أكثر الفنانين تواجدًا على خشبة المسرح.. علي إبراهيم تحبه عندما يكون على المسرح أو في التلفزيون لأنه طاقة لا تهدر نفسها عبثًا.. يتجلى في الإبداع الدرامي وينثر ما في جعبته من فكر خلاق، ربما التراجع العام في الدراما السعودية والتوسّع في الفضاء جعل هذا الجيل لا يتذكره أو يفقد أهم العناصر في ركوزه، لكنه يبقى المعلم الذي ظهر على الخشبة، نتذكر عندما كنا معه في دمشق يبحث عن مجموعة فنية تساعد في إنتاج عمل سعودي كان منهم فني الصوت (عابد فهد) الذي أصبح أفضل ممثل عربي في الأعوام السابقة، علي إبراهيم لم يتحدث عنها مطلقًا لأنه لا يريد إلا أن يتكلم الآخرون عنه وإعطائه حقه.. 17 مسرحية انطلق بها من 1973م وما زال يبدع حتى في الأعمال التلفزيونية، وشارك في تسعة مهرجانات خارجية نال منها الكثير من الجوائز.. كما يعد علي إبراهيم من نجوم الإذاعة السعودية منذ العام 1972 حين قدم المسلسلين الإذاعيين: «مجلس أبو حمدان» و«زين وشين».. ويتذكر علي إبراهيم من تلك المرحلة مشاركته في تقديم البرامج مثل: «شاعر وموقف» عام 1975 و«دمعة حمراء» و«قصة وحضارة» والبرنامج الاجتماعي «زاوية من الحياة» الذي يعتبر من أطول البرامج الإذاعية بعدد حلقات تجاوزت ال 3700 حلقة.. إضافة إلى قيامه ببطولة السباعيات والسهرات الدرامية ومن أهمها سباعية «الشك» عام 1985. رحلة الدراما بدأ رحلته في عالم الدراما (كما يقول) عبر حفلات السمر والمراكز الصيفية والفرق الكشفية والمسرح المدرسي والذي كان يمارس فيه أدوارًا متعددة من كتابة النص إلى الإخراج ومرورًا بالتدريب والتمثيل، لكن الظهور الأول له على الشاشة الفضية كان عام 90 هجرية أيام الأبيض والأسود عبر دور صغير لا يتجاوز 3 أسطر، عن تلك اللحظة يقول: كان الفنان سعد خضر (سعدون) أحد أصدقائي وأبناء حارتي وكان حينها يذهب للبحث عن دور في مسلسل تلفزيوني وكان يحدثني عن هذا الأمر ويذهب إلى التلفزيون باحثًا عن فرصة وعندما وجدها أخذني معه لمرافقته لا أكثر لكن بعد عدة أيام من البروفات والتصوير ساقتني الصدفة البحتة لعالم التمثيل التلفزيوني عندما غاب أحد الممثلين عن التصوير فحاول إبراهيم الحمدان (مخرج العمل) إسناد المهمة لي بعد أن عرف إمكانياتي كصوت وخامة، ورفضت الفكرة في البداية لكن إصرار الطاقم جعلني أقبل بالدور، وكان ذلك المسلسل اسمه «الفرصة الثانية».. ويؤكد الفنان علي إبراهيم: التلفزيون في الثمانينيات والتسعينيات الهجرية كان وسيلة عظيمة للتثقيف والترفيه والتربية وتنظيم الوقت في ذلك الزمن الممتع من عمر المجتمع، لذا كان حلمًا للكثيرين الظهور عبر شاشته وبخاصة في تلك المرحلة حيث كان يجمع كل أفراد المجتمع السعودي على ذكريات واحدة.. ذكريات تعبّر عن عبق الماضي الجميل بكل أيامه ولياليه الممتعة.. وعن الدراما في تلك الفترة يقول: كانت فترة ذهبية للتلفزيون، كانت تتكون من تمثيليات سهرة (تمثيلية من حلقة واحدة) ومسلسلات من حلقات عديدة سواء كانت قصصًا متصلة أو حلقات منفصلة.. وعن الدور الذي شكّل انطلاقته إلى عالم التلفزيون، يقول: كان دوري موظفًا يتأخر عن العمل وكان دورًا صغيرًا جدًا في حدود ثلاثة أسطر وظهور على الشاشة لمدة لا تتجاوز دقيقتين لكنها كانت كافية لي لكي أتعلق بالعمل في الدراما التلفزيونية وخصوصًا بعد أن التقيت المخرج الكبير منذر النفوري يرحمه الله، وأنا أرى أن الدراما المحلية وبخاصة في العشر سنوات الأولى من عمر التلفزيون سجلت وجودًا جيدًا من الناحية الفنية والإخراجية، حيث كان التلفزيون يعمل على إنتاج الكثير من الأعمال ويعمّد المبدعين من كتّاب ومخرجين ومؤدين بإنتاج أعمال لصالح التلفزيون، وقد بذل المخرج المعروف منذر النفوري يرحمه الله جهودًا كبيرة لجعل الدراما المحلية وبخاصة الناطقة باللغة العربية الفصحى موازية للدراما اللبنانية مع الأخذ بالاعتبار فارق الإمكانات والعادات والتقاليد، مستدلًا بمسلسل «فارس الحمداني» والذي كان عملًا نوعيًا، وكذلك مسلسل «فرج الله والزمان» من إنتاج تلفزيون الرياض عام 1391ه بطولة سعد خضر وأحمد الهذيل وحمد الهذيل ومحمد الطويان وعبدالعزيز الهزاع وآخرين من إخراج منذر النفوري وكنت مشاركا فيه.. ويضيف: كان هناك مسلسل «أحلام سعيدة» من إنتاج محطة تلفزيون الرياض عام 1392ه وعُرض في رمضان ذلك العام وكان لي فيه حضور جيد، ويتذكر علي إبراهيم بعض ملامح العمل فيقول: هو من بطولة الممثل محمد الطويان (حسن) يشاركه كل من: عبدالإله نوار يرحمه الله وسعد خضر وأحمد السريع وعبدالعزيز الحماد وغيرهم والمسلسل من إعداد وإخراج إبراهيم الحمدان وكانت شارة بداية المسلسل هي أول مقدمة تُغنّى خصيصًا لمسلسل محلي وهي من ألحان الملحن حسن نوّار ولاقى المسلسل شهرة كبيرة في حينه.. ويتذكر علي إبراهيم مسلسل «الضيف الغريب» والذي شارك فيه إضافة إلى الفنانة عتاب والفنانين: محمد المفرح وسعد خضر وعبدالعزيز الحماد يرحمه الله ومطرب فواز، ويتذكر أن المسلسل تم إيقافه لشدة الانتقادات الموجهة له تلك الفترة.. ثم يعرّج بالحديث عن مسلسل «أيام لا تنسى» فيقول: في هذا العمل كانت بدايات ظهور عبدالله السدحان وعلي الهويريني وكانوا يومها طلابًا.. ويؤكد علي إبراهيم أن التلفزيون السعودي كان يسد الفجوة التي تعانيها الدراما السعودية جراء غياب المعاهد المسرحية ومعاهد الفنون، كون التلفزيون كان بمثابة مختبر حقيقي للفنان ومحك لقدراته الفنية وكان أحد أهم المحطات التي صقلته شخصيًا (على حد تعبيره)، ويستدل على ذلك بالحديث عن كثير من الأعمال في رحلة نبش مثيرة فيقول: مثلًا في مسلسل «فقيه العرب» الذي كان يحكى طرفًا من شخصيات فقهاء العرب ويهتم بالطرائف والملح كانت مشاركتي وزملائي في عمل كهذا إضافة حقيقية على مستوى اللغة والثقافة والمعرفة وبُعد الشخصية، وحتى تلك المسلسلات التي كانت تأتي باللهجة الشعبية كانت أعمالا مختلفة، نذكر منها: «يا كد مالك خلف» و«شمعة تحترق»، ولم تغب الأعمال الموجّهة للطفل عن خارطة اهتمامات علي إبراهيم.. يقول: الخروج الأول لي خارج الوطن كان إلى مصر لتصوير مسلسل للأطفال «بائع العصافير» وهذا العمل الرائع محطة متميزة أتاحت لي فرصة الوقوف أمام الفنان عبدالمنعم مدبولي (رائد مدرسة المدبلوزيم) وهذا الفنان العظيم استفدت منه الكثير على صعيد احترام الفنان المقابل فرغم عمره والسنين وشهرته كان يتعامل معي باحترام عجيب.. يقدم لي الشاي.. يمنحني مساحات كبيرة من الاحترام بالهمسة والكلمة والموقف، ويتذكر -علي إبراهيم- أن الفنان عبدالمنعم مدبولي كان يردد بلهجة مصرية محببة وبصوت دافيء: «تعال يا علي نعمل بروفات عشان ماتاكلنيش».. لقد تعلمت من هذا الفنان العظيم رحمه الله الكثير وكانت مشاركتي له في ذلك العمل عبارة عن دورة حقيقية لي في التمثيل.. وعن «الطيب والخبثاء الثلاثة» من إنتاج طالب السعدون، يتحدث الفنان علي إبراهيم مستحضرًا تلك التجربة على أنها استمرار لرحلة الأعمال الموجهة لشريحة الطفل والتي يعتز بها كثيرًا لأنها كانت تكوين جديد ومختلف فالعمل الموجّه للطفل يحتاج لتعامل خاص، وهناك أيضًا عمل آخر للسعدون هو مسرحية «مدينة الحظوظ»، ولا شك أن ابتعاد السعدون خسارة. ويتوقف عند محطة «حبوب الطيور» الذي عُرض على القناة الأولى قبل حوالى 8 سنوات، مؤكدًا اعتزازه بهذا العمل كونه محاولة للإسهام في إثراء ثقافة الطفل وتغذيته وجدانيًا -على حد تعبيره-.. شريط الذكريات شريط الذكريات للفنان علي إبراهيم جاء باستعراض سريع لأعمال تلفزيونية وإذاعية ومسرحية، منها: «طبيب بالمشعاب- وراك وراك (مع علي السبع وعلي المدفع)- وأيام لا تنسى (مع محمد العلي).. وهو يبدي اعتزازًا كبيرًا بدوره في مسلسل «فارس من الجنوب» (1983م)، قائلًا: كان دوري فيه قاطع طريق وأسمى «عقاب» ووقفت فيه أمام فنانة كبيرة بحجم الفنانة منى واصف والفنان الكبير أسعد فضة -نقيب الفنانين السوريين- وما زلت في كل مرة ألتقي فيها الفنانة منى واصف تقول لي «يا لخبيث يا عقاب» وهذه الجملة ضمن عبارات المسلسل.. وهناك العمل الدرامي «زين وشين»، وهو أول برنامج إذاعي (أشارك فيه) من إعداد عبدالرحمن السماري وإخراج عبدالرحمن المقرن.. ويتذكر علي إبراهيم محطة مهمة أخرى هي «شاعر وموقف» قائلًا: هو أحد أهم البرامج الذي استفدت منه معرفيًا وثقافيًا ولغويًا ووجدانيًا.. لقد نمّى أحاسيسي هذا العمل.. أما عن «دمعة حمراء» فقد كان دراما إذاعية وتلفزيونية للشاعر الأمير محمد السديري وشاركت فيه إذاعيًا ولارتباطي بعملي كمعلم لم أستطع المشاركة فيه تلفزيونيًا.. ثم يتوقف عند قصة الحضارة (البرنامج الإذاعي العظيم -كما يصفه- لمهدي يانس) يقول عنه: هذا العمل هو نقطة فاصلة ومرحلة مهمة دراميًا يتحدث عن قصة الحضارة الإنسانية منذ بداية الخلق وكان هذا البرنامج بمثابة زاد فكري ممتع عشناه مرات.. ويتوقف علي إبراهيم عند «زاوية من الحياة» فيقول: هو زاوية أو نافذة داخل برنامج البيت السعيد كنت أحاول فيه أن ناقش قضايا تهم المرأة السعودية وتهتم بها وحاولت عبره عرض نماذج لممارسات حياتية تقوم بها المرأة.. وعن «الشك» وهي سباعية إذاعية يقول: تتحدث عن الشك عند المرأة كظاهرة تستحق البحث.. ويتوقف علي إبراهيم عند المسلسل الإذاعي «أحلام طائرة» ويقول بإعتزاز: هي محطة مهمة أتاحت فرصة لكثير من الشباب وكنا من خلاله نود القول للشباب أحلموا وأربطوا أحلامكم وأدرسوا مشاريعكم بعناية وستصلون وكان هذا العمل تتويجًا لرحلة عطاء بجائزة مهرجان القاهرة للإعلام بعد فوز المسلسل بالجائزة الذهبية العام الماضي والتي قال عنها: هذه الجائزة هي ثمرة الجهود التي بذلها طاقم العمل إضافة إلى جودة فكرته التي تتناول هموم الشباب وأحلامهم.. ولعل أبرز محطة توقف عندها كثيرًا، هي العرض المسرحي «قطار الحظ».. تحدث عنها وأسهب قائلًا: هي أحد أهم المحطات المسرحية في حياتي مع إبراهيم الحمدان وتزامنت مع بدايات الطفرة ونجحت في رصد التحولات الحياتية على مختلف الصعد ووجدت رواجًا كبيرًا وتناولها نقاد كبار بالتحليل والنقد منهم عبدالله مناع وأبو عبدالرحمن بن عقيل وأسهبوا في الحديث عنها وخصّصوا لها صفحات كاملة، ويستذكر علي إبراهيم طرفًا من الذكريات الجميلة لهذه المسرحية قائلًا: حضرالمسرحية الأمير فيصل بن فهد وكنا نتوق لتشريفه لنا ربع ساعة على الأكثر لكننا فوجئنا به يستمر معنا مشاهدًا لثلاث ساعات بل يقول يرحمه الله -الليلة شاهدت سينما ومسرح في آن وحد-، ويؤكد علي إبراهيم: كانت كلمات مؤثرة أبكتنا تلك المسرحية كثيرًا، ويضيف: كنت متخوفًا جدًا من هذا العمل لأني عُرفت دراميًا والمتابعون كانوا لا يرون في علي إبراهيم قدرة على الكوميدي والدور كان يتطلب تكوينات وجرعات ومواقف كوميدية تماهيت مع المرض بشكل لأن التدريبات والبروفات استمرت زهاء ثلاثة أشهر لذا جاء حضور فريق العمل من الممثلين في إطلالة مهيبة لمطرب فواز وبكر الشدي يرحمه الله وحمد الحوشان القاضي بإحدى محاكم الرياض وكان يومها طالبًا والدكتور سعود المصيبيح المستشار الأمني بوزارة الداخلية كان يقف على الخشبة في تلك الليلة ممثلًا.. نجح الفريق بامتياز رغم حداثة تجربة البعض وصعوبة دوري، ومع هذا نجحت «قطار الحظ» بل سكنت وجدان المشاهد وذاكرة الجمهور.. ويعود علي إبراهيم إلى محطة لا تبتعد كثيرًا عن «قطار الحظ» من حيث قدرتها على أن تحتل جزءًا من ذاكرة المشاهد، تأتي «شمعة تحترق» كعمل مفصلي يعتز به ويقول عنه: كان في بدايات الملون تلفزيونيًا وأخرجه الرائد الذي أعتز به كثيرًا منذر النفوري يرحمه الله مع مريم الغضبان وزينب الضاحي وأتذكّر أن الجمهور في هذا العمل كرهني بسبب الدور الذي أدّيته وقسوته..