لاشك أن إعداد الإستراتيجيات هي الخطوة الأولى في إنجاز العمل الفعلي والمأمول ولكننا نجد أن هناك تفاوتا بين المأمول من إعداد الإستراتيجيات وبين تنفيذها، حيث من المشاهد والملموس أن من يعد الإستراتيجيات الفعلية هي نفس الجهات الخدمية، بينما هناك توجه علمي وعالمي بأن من يعد الإستراتيجيات يجب أن يكون المشرع والمقصود به الحكومة ممثلة في وزارة التخطيط، ويكون دور الجهة أو الوزارة الخدمية هو إعداد خطة لتنفيذ هذه الإستراتيجية كل حسب اختصاصه. والحقيقة أن النقص الحالي في الخدمات المقدمة من القطاعات الخدمية بالمملكة (بالرغم من الصرف السخي عليها من الدولة أعزها الله بميزانيات كبيرة لهذه الوزارات) له أسباب كثيرة ومن أهمها أن كل وزارة وكل جهة تعد استراتيجيتها وفق رؤيتها ورؤية القائم عليها ووفق خطتها. والحقيقة أنني أرى ضرورة مراعاة هذا الجانب من قبل المشرعين في الدولة، فنحن نلمس جميعاً أن وزارة البلديات مثلاً هي التي أعدت إستراتيجيتها كوزارة وعممتها على الأمانات وفق رؤية القائمين عليها ومن هنا تجد اختلاف الإستراتيجيات من سنة لأخرى والأمثلة كثيرة، ومنها على سبيل المثال نظام وزارة البلديات بما يخص الارتفاعات في المباني، فأمين مدينة أو منطقة يقر بأن نظام الارتفاعات دوران، وعندما يتغير الأمين يأتي الأمين الجديد من بعده ويقر أربعة أدوار أو أكثر, ونفس الحال للنقل والمرور والصحة وغيره، فكل جهة تعد إستراتيجيتها بنفسها وهذا ما يجعل الإستراتيجية تتأثر بتوجّه القائمين على هذه الجهة وتعمل وفق رؤية نفس القدرات في نفس هذه الجهة، وهذه القرارات تتغير بتغير الوزير فمثلاً وزير الصحة السابق كان يرى إن إستراتيجية وزارة الصحة هي الانتشار في الخدمات الصحية عن طريق بناء مستشفيات في المحافظات والمراكز التابعة لها بسعة 50 سريرا وله مبرراته من ناحية سهولة الاعتمادات المالية وإمكانية توزيعها على المراكز الصغيرة والتوظيف وله بلا شك مبررات أخرى, ولكن الوزير الحالي رأى أن ذلك غير مجدٍ وتبنى إستراتيجية تجميع هذه المستشفيات الصغيرة ببناء أخرى كبيرة لتستوعب كحد أدنى 200 سرير وفي المحافظات فقط وليس في المراكز، وله أيضاً مبرراته نحو تركيز الخدمات الطبية وتأمين خدمة الصيانة في المستشفى ومعامل ومختبرات وغيرها.. ولكل وجهة نظره واستراتيجيته. هذا المدخل توضيح لما أحرص عليه في مقالي هذا، وهو (من يُعد إستراتيجية النقل في المملكة) كون التنقل بين مدن المملكة يحتاج لنقلة نوعية كما هي النقلة النوعية التي يحدثها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين في كل مجال (جزاهم الله عنا كل خير). فمن المعروف أن الهيئة العامة للطيران المدني أعدت إستراتيجيتها بنفسها واعتمدت منذ سنوات إستراتيجية التوسع والانتشار في بناء مطارات في كل مدينة بالرغم من اختلاف ذلك عن إستراتيجية من سيُشغل هذه المطارات من شركات طيران وخير مثال إنشاء مطارات في معظم المدن ومنها على سبيل المثال لا الحصر مطار الدوادمي الذي كُلِّف ملايين الريالات وتم تشغيله لفترة مؤقتة برحلة أو رحلتين أسبوعياً وهو يعاني صعوبات تشغيلية ونفس الحال لمطار العلا الذي تم الانتهاء منه منذ سنة تقريباً ولم يتم تشغيله إلا مؤخراً وبرحلتين أسبوعياً عن طريق الخطوط السعودية ومن الرياض فقط وبسعر كبير جداً يفوق الألف ريال، حيث أكدت الخطوط السعودية أنها لن تشغله في الوقت الحالي من محطات أخرى إلا من الرياض وفي أيام محددة ولاشك أن للخطوط السعودية أسبابها التشغيلية ومنها إستراتيجيتها التي تؤكد على التركيز على الجدوى الاقتصادية ومعدلات الحمولة وغيرها. يزداد الأمر تساؤلاً وخاصة مع ظهور توجه حالي لدى هيئة الطيران المدني ببناء مطارات اقتصادية (وهذا ممتاز من وجهة نظري) ولكن هل لدى مشغلي المطارات الداخلية من شركات الطيران (الخطوط السعودية/ ناس) توجه في إستراتيجيتها لشراء طائرات اقتصادية صغيرة مروحية أو غيرها لتشغيل هذه المطارات الاقتصادية حالما ينتهي بناء هذا المطار؟ إذن ما الفائدة من وجود مطار اقتصادي في أي مدينة من مدن المملكة في عام 2014 مثلاً ولا يوجد شركة طيران لديها في إستراتيجيتها شراء طائرات اقتصادية لتكون جاهزة للتشغيل بمجرد افتتاح هذا المطار الاقتصادي في عام 2014م, هذا بما يخص جزء النقل الجوي من إستراتيجية النقل بصفة عامة في المملكة، والسؤال الذي يفرض نفسه: هل هناك نقاط التقاء بين إستراتيجية الهيئة العامة للطيران المدني والخطوط السعودية ووزارة النقل بما يخص النقل بجوانبه الأربعة (الجوي والبري والحديدي والبحري)؟ كون العملية متكاملة وتُعنى بانتقال شخص من جهة لأخرى، فأحياناً من الأفضل لي أن أنتقل بالسيارة من مدينة لأخرى عن استخدامي للطائرة. ومن هذا نجد أن النقل في المملكة تتولاه أكثر من جهة، فالنقل الجوي تتولاه وزارة الدفاع سابقاً وهيئة الطيران المدني سابقاً وحالياً, وتشغيل المطارات الداخلية برحلات الطيران تقوم عليه الخطوط السعودية وشركة ناس حالياً وسما سابقاً, والنقل البري تقوم عليه وزارة النقل وكذلك النقل البحري, أما النقل بواسطة سكة الحديد فتقوم عليه المؤسسة العامة للخطوط الحديدية, وهذا يعني أن هناك حوالى خمس جهات تعد كل منها إستراتيجيتها حسب رؤيتها في النقل حسب اختصاصها. خلاصة القول: إذا اعتمدنا استراتيجية شاملة للنقل لاستطعنا أن نُخطِّط في أي مدن يمكن أن نبني مطاراً أو أن نُطوِّر سكة حديد أو أن نُطوِّر خطا بريا أو خطا بحريا وخاصة على ساحل البحر الأحمر الذي توجد على ضفافه خمس من أهم مناطق المملكة وأكثرها كثافة سكانية (منطقة مكة/ المدينة/ تبوك/ جازان/ عسير), ولكُنا صرفنا المبلغ الذي صُرف على إنشاء مطار معين في بناء سكة حديد أو تطوير النقل الآخر (البري أو الحديدي). فماذا سيستفيد المواطن من وجود مطار لا يخدمه، بل هو مكلف للجهات الخدمية الأخرى التي تعمل في المطار، فستجد موظفين بدون عمل (موظفي طيران/ جوازات/ طيران مدني/ صيانة... إلخ). لذا فإنني أدعو إلى إيجاد استراتيجية شاملة ودقيقة تعكس تطلعات القيادة والدولة والمواطن والمقيم للنقل بصفة عامة على أن تُعد من خارج الوسط الخدمي (وزارة النقل/ هيئة الطيران المدني/ المؤسسة العامة للخطوط الحديدية/ الخطوط السعودية) ويكون دور هذه الجهات إعداد خططها لتنفيذ ما يخصها في إستراتيجية النقل.. متأملاً من القائمين على وزارة التخطيط ومجلس الشورى تبني مثل هذه المفاهيم. [email protected]