يشكّل التسامح إحدى القيم الإنسانية العظيمة التي يتبناها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني منذ تأسيسه، بوصفه إحدى مؤسسات المجتمع المعنية بترسيخ وتعزيز هذه الفضيلة الأخلاقية، جاعلاً إياها أحد أهدافه السامية التي يسعى بدأب وفاعلية لترسيخها عبر أنشطته ومبادراته وبرامجه ولقاءاته المتنوعة، من أجل الوصول إلى مجتمع متعايش ومتسامح ومتلاحم. ويأتي الاهتمام الكبير الذي يوليه المركز لهذه القيمة، استمراراً لمسيرة المملكة الطويلة في نشر التسامح باعتباره منهج حياة ومبدأ من المبادئ الجامعة بين البشر، يستمد جذوره من العادات والتقاليد السعودية الأصيلة، والقيم الإسلامية السمحة التي تدعو لتعزيز الأمن والاستقرار والتسامح بين كافة المجتمعات الإنسانية بمختلف جنسياتهم وأعراقهم ودياناتهم وثقافاتهم وانتماءاتهم السياسية والثقافية ليكونوا نسيجا واحدا ضد كل ما يهدد تلاحمهم وتماسكهم. ومنذ تأسيسه في العام 1424ه، لم يدخر المركز جهدا في سبيل تعزيز وترسيخ ونشر قيم التسامح من خلال برامجه، حيث أخذ على عاتقه طوال السنوات الماضية كواجب وطني ومسؤولية مجتمعية ترجمة ذلك الهدف النبيل، عبر تنظيم وإقامة العديد من الفعاليات والبرامج والمشاريع، سواء من خلال مقره الرئيسي في الرياض، أو عبر فروعه، أو مشرفيه المنتشرين في مختلف مناطق المملكة. وتضمنت تلك الفعاليات إطلاق العديد من الملتقيات والمؤتمرات والندوات والجلسات والمحاضرات والأمسيات وورش العمل. فضلا عن تنفيذ الكثير من البرامج التدريبية والمعارض الفنية والأركان التعريفية والمقاهي الحوارية التي يهدف من ورائها إلى ترسيخ وتعزيز ثقافة التسامح وغرس هذه القيم العظيمة لدى كافة أطياف المجتمع ليجسدوا معانيها الإنسانية بكل رقي وتحضر داخل المملكة وخارجها، بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030م. ويأتي احتفاء المركز باليوم العالمي للتسامح الذي يوافق السادس عشر من شهر نوفمبر من كل عام عبر تنظيم العديد من اللقاء والملتقيات والبرامج والندوات، إضافة إلى مشاركته في أعمال القمة العالمية للتسامح في الإمارات العربية المتحدة كأبرز تلك الفعاليات وتوقيعه مذكرة تفاهم مع المعهد الدولي للتسامح، كونها أول حدث عالمي من نوعه يعالج قضايا التسامح والسلام والمساواة بين الناس في جميع مناحي الحياة، بغض النظر عن اختلاف وجهات النظر السياسية والخلفيات الثقافية والدينية. وفي مجال الدراسات والبحوث والمؤشرات، أنجز المركز ممثلا في إدارة الدراسات والبحوث أول مؤشر للتسامح من نوعه في المنطقة، والذي أظهر أن 82.2 في المئة من السعوديين متسامحون مع المختلفين معهم دينيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا. ويهدف المؤشر الذي أُجري اعتمادا على البحوث العلمية والدراسات الميدانية التي أجراها المركز إلى الوقوف على مستوى التسامح في المملكة وتعزيز ونشر قيمه بين مواطنيها، وهو يعكس بوضوح الاهتمام الذي توليه المملكة للقضايا التي تمس التسامح والإخاء والتعايش. وقد تمت الاستعانة في بنائه بأفضل الأسس والمعايير والمناهج العملية، فضلا عن الاطلاع على أفضل الممارسات والتجارب العالمية، بما يسهم في تعزيز قيم التسامح والحوار والتعايش وحماية النسيج المجتمعي . كما أطلق المركز فيلما قصيرا بعنوان "التسامح منا وفينا"، سلط خلاله الضوء على قيمة التسامح والمحبة والاحترام المتبادل بين كل من يعيش على أرض المملكة ، وتناول الفيلم صورا مختلفة تبرز مدى التسامح والتعايش بين أطيافه كافة، ومدى احترامهم وقبولهم للمختلفين معهم في ظل رعاية رسمية وشعب متسامح كريم مضياف يفخر بالتنوع الكبير بين ملايين المقيمين على أرضه من مختلف دول العالم، في حفاوة بالغة وتسامح عظيم، بوصفه مجتمعا متسامحا مع الآخرين ومنفتحا مع العالم ويتفاعل ويتعاطى مع كل شيء ويقبله دون تمييز. علاوة على ذلك أصدر المركز العديد من الكتب والإصدارات، كما عقد الكثير من الشراكات والاتفاقيات مع العديد من الوزارات والهيئات الحكومية ومؤسسات المجتمع والتي يهدف من ورائها لتعزيز قيم التسامح، ليصبح السبيل للعيش ضمن مجتمع متلاحم ومتماسك ، كما اعتمد خلال استراتيجيته على الفنون لإيصال رسالته في نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر . ويأتي من أبرز الجهات المحلية التي أبرم معها المركز اتفاقيات تعاون، الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي والأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، والرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعهد الأمير خالد الفيصل للاعتدال إلى جانب العديد من الجامعات. كما استطاع المركز أن يفعل تعاونه مع عدد من المؤسسات الدولية منها منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، والمنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي، علاوة على المعهد الدولي للتسامح بالإمارات الذي يعد الجهة المنظمة للقمة العالمية للتسامح.