لا أنكر أنَّ جهاتنا الحكومية تجتهد في توفير حاجات المواطنين، وتُصْدِر القرارات المناسبة وصولاً لهذه الغاية، لكن تظلُّ منظومة المراسيم الملكية هي الأقوى إنتاجية، والأفضل قُرْباً من مشاعر المواطنين، وتفهّماً لحاجاتهم، وفيها فائدة ورحمة وشفقة بهم، وهذا ديدنها منذ تأسيس المملكة على يد الملك عبدالعزيز طيّب الله ثراه. ومن هذه المراسيم، ما أعلنته مؤسّسة التأمينات الاجتماعية عن بدء تنفيذ مرسوم مساواة سنّ التقاعد بين الرجل والمرأة في القطاعين الحكومي والخاص، بحيث يكون 60 سنة لكُلٍّ منهما اعتباراً من أوّل شهر ذي الحجّة الجاري، وكان نظام المؤسّسة يسمح للمرأة سابقاً بالحصول على معاش تقاعدي بمجرّد بلوغها 55 سنة، وهذا دفع العديد من جهات العمل إلى استبعادها من العمل بمجرد بلوغها هذا السنّ، الأمر الذي أضعف مشاركتها العملية على صعيد تنمية الوطن. ومن ناحيةٍ أخرى، وهذا هو الشاهد، أتمنَّى بموازاة ذلك أن تقوم مؤسّسة التأمينات الاجتماعية والمُؤسّسة العامّة للتقاعد المعنية بنظام الخدمة المدنية، بإعادة النظر في آلية الحقوق المالية للزوجين العامليْن المتقاعديْن بعد وفاة أحدهما، إذ حسب معلوماتي لا يُجيز نظام المؤسّستيْن تمتّع الباقي على قيد الحياة منهما بالراتب التقاعدي لشريكه في الحياة، فضلاً عن حرمان الجيل الأول من ذرّيتهما من راتب الأب و/أو الأمّ التقاعدي حال توظّفه أو تزوّجه أو بلوغه سنّ السادسة والعشرين، وهناك حالات إنسانية صعبة تمخّضت عن تطبيق هذا النظام، وتضرّرت أُسَر كثيرة، وحُرِم أناس من حقوق والديهم التي أفنوا أعمارهم في تحصيلها وإيداعها في مخازن جهات التقاعد. وتوجد فتوى شرعية سابقة للشيخ محمّد علي الحركان، وزير العدل السعودي الأسبق، يرحمه الله، تُفيد بأنَّ ما دفعه الموظّف من مالٍ لمُؤسّسة تقاعده خلال مرحلة وظيفته ينبغي معاملته كميراث مُستودَع لصالح ورثته الشرعيين بعد تقاعده ثمّ وفاته، بمعنى أنّه لو دفع ربع مليون ريال -مثلاً- لمؤسسة تقاعده باستقطاعها من راتب وظيفته الشهري طيلة سنوات وظيفته، ثمّ تقاعد وصُرفَت له رواتب تقاعدية بلغت في مجموعها 200 ألف ريال، فإنَّ الباقي -وهو 50 ألف ريال- لا يسقط عنه، بل يُجيَّر لورثته الشرعيين دون الالتفات للنظام الموضوع. ومرسوم مساواة سنّ التقاعد خير، وهو أيضاً باب خير مفتوح على مصراعيْه، ويمكن للمؤسّستيْن الدخول منه بالتوصية بتغيير باقي أنظمتهما التي اشتكى منها المتقاعدون وذرّيتهم، ومنها آلية صرف الحقوق بعد وفاة أحد الزوجيْن المُتقاعديْن، لمصلحة المتقاعِدين، تلك الشريحة من المواطنين المُستحِقّة لكلّ خير.