بعدما استعرضتُ مواد مدونات الأحوال الشخصية للبلاد العربية التي أباحت زواج المجنون والمعتوه، وبيّنتُ مدى مخالفته لأحكام الزواج والأسرة في الإسلام، هناك سؤال يطرح نفسه هو: لماذا الإصرار على زواج المجنون والمعتوه؟. إنّ مبرر ما نصّت عليه المادة (23) من اتفاقية حقوق المعاقين: «تتخذ الدول الأطراف تدابير فعَّالة ومناسبة للقضاء على التمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع المسائل ذات الصلة بالزواج والأسرة والوالدية والعلاقات، وعلى قدم المساواة مع الآخرين». هو كفالة ما يلي: حق جميع الأشخاص ذوي الإعاقة الذين هم في سن الزواج في التزوج وتأسيس أسرة برضا معتزمي الزواج.. هل معنى ذلك أنّها تشمل المجنون والمعتوه؟.. وأين حق الزوجة والأولاد من زوج وأب لا يشعر بهم، ولا يقوم بواجباته نحوهم، وأية أسرة هذه إن كان ربها عقله مغيبًا؟. هناك فرق بين المعاقين بدنيًا، وسمعيًا، وبصريًا، وبين المعاقين عقليًا، والذي يُؤيِّد المعنى الذي ذكرته، ما ورد في (ن) في ديباجة الاتفاقية: «وإذ تعترف بأهمية تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة باستقلالهم الذاتي واعتمادهم على أنفسهم، بما في ذلك حرية تحديد خياراتهم بأنفسهم»، فهل المجنون والمعتوه يتمتعان باستقلالهما الذاتي، والاعتماد على نفسيهما، ويستطيعان تحديد خياراتهما بنفسيهما. من المفارقات العجيبة أنّه في الوقت الذي يُطالب فيه البعض بحقوق المجانين والمعتوهين غير الأكفاء -في العقل والرشد- في الزواج وتكوين أسرة، يُنفيه –أحياناً- عن السوي العاقل الراشد لمجرد أنّه غير مكافئ في النسب.. ودعاة التطليق لعدم الكفاءة في النسب يقولون بأنّ الحياة الزوجية لا تستقر غالبًا ما لم يتحقق المقصود الشرعي من النكاح إلّا مع التكافؤ، وعدم شعور الزوجة بأنّ زوجها أقل منها.. فهل يتحقق لها هذا بزواجها من المجنون والمعتوه؟. وإن كُنّا نتحدث عن حق المجنون والمعتوه في تكوين أسرة طبقًا لاتفاقية دولية، مع أنّ المادة لم تتحدث عن المجانين والمعتوهين، فقد خالفت بعض مدونات الأحوال الشخصية في بعض موادها اتفاقيات دولية تتعلق بحقوق المرأة والطفل، مثل إباحتها زواج الصغار، وحرمان المرأة البالغة الرشيدة حق تزويج نفسها، وتجاهلها عضل الراشد والهجر والتعليق، والحقوق المالية للمطلقة، وحقوق المخالِعة... إلخ. نلاحظ هنا قصر معظم المدونين زواج المجنون والمعتوه على الذكر، ولم يذكروا المجنونة والمعتوهة، وإن قالوا بحق المجنونة والمعتوهة في الزواج، والموقف العام من هذا الزواج لن يتغيّر لأنّ فيه ضرر للطرف الآخر رجلًا كان أو امرأة، وفيه إخلال بأحكام الزواج وشروط عقده، والذين يقولون بزواج المجنون والمعتوه، والمجنونة والمعتوهة هل يرضونه لبناتهم وأولادهم؟. والذي أرجوه من واضعي مدوّنة الأحوال الشخصية بوزارة العدل أن يُراجعوا أحكام الفقه في زواج المعتوه والمجنون، فهي اجتهادات فقهاء عرّفوا الزواج بقولهم: «الزواج شرعًا: عقد يتضمن إباحة الاستمتاع بالمرأة......... إذا كانت المرأة غير مَحرم بنسب، أو رضاع أو صهر». (ابن قدامة: المغني 6/ 445، كشاف القناع: 5/3، مغني المحتاج: 3/ 123، الدرر المختار: 2/ 355-357، الشرح الصغير: 2/332). وهذا التعريف لا يتفق مع أحكام الزواج والأسرة في الإسلام؛ إذ حصره في استمتاع الرجل فقط بالمرأة جسدياً؛ لذا نجد إباحتهم لهذا الزواج جاءت لإشباع رغبات المجنون والمعتوه الجسدية دون أية اعتبارات أخرى! فزواج المجنون والمعتوه لم ينزل فيه قرآنًا، ولم يرد حديثًا نبويًا بهذا الصدد. إنّ الأسرة نواة المجتمع، وقد حرص الإسلام على حفظ كيان الأسرة وترابطها، وأن يكون أفرادها أصحاء أسوياء، فقد قالها عليه الصلاة والسلام: «تخيّروا لنطفكم فإنّ العرق دسّاس».