أشار عددٌ غير قليلٍ من التقارير العلمية إلى الآثار السّلبية للساعات الممتدة للدوام اليومي والتي تستقطع جلّ ساعات اليوم وتختصر الحياة اليومية في أماكن العمل ونشاطات ترتبط بالوظيفة والدوام. فقد حذّر باحثون من خلال عدة دراسات وتقارير إلى ارتفاع نسبة الإصابة بالاكتئاب لدى الموظفين المرتبطين بساعات عملٍ يومية طويلة تتجاوز (8) ساعات، إضافة إلى ارتفاع خطر إصابتهم بأمراض السمنة والقلب والجلطات الدماغية والشكوى من الصداع والإعياء المُزمنيْن، ناهيك عن اضطرابات الساعة الحيوية والجهاز الهضمي والنوم، وتكرّر الإصابة بعدوى الجهاز التنفسي التي يتعرض لها عُمّال الورديات الطويلة المتناوبة. واستناداً على ما تقدّم، ومن خلال اطلاعي وتجاربي في المجتمع الوظيفي، تَكرّس لديّ انطباعٌ واضح عن عدم جدوى العمل يومياً لساعاتٍ طويلة، من الناحية العمَلية والنفسية والبدنية والاجتماعية، فتجاوُز (35) ساعة عمل أسبوعياً قد يتسبب للموظف في اضطرابات صحية ومزاجية، ولا يضيف شيئاً مُعتبراً إلى معدّل كفاءته وإنتاجه الوظيفي، حيث من الضروري الأخذ في الاعتبار مدى الإرهاق العصبي والأوقات المزعجة التي يقضيها الموظف في مغامرته من وإلى مقر عمله، في طرقات أشبه بحرب الشوارع في أوقات الذروة، إضافة إلى حاجته الإنسانية للاهتمام بأمورٍ عائليةٍ يومية، وتأدية واجباتٍ اجتماعية، واتباع نمط حياةٍ أكثر صحة يتضمّن أوقاتاً للاسترخاء والدراسة والقراءة والرياضة وغيرها، عِوضاً عن خروج الموظّف من بيته في ساعة مبكّرة يومياً قبل شروق الشمس أحياناً، والعودة عند مغيبها، دون الانخراط الفعلي والحقيقي في نشاطات تتعلّق بالعمل إلا خلال وقت قصير، وقضاء أوقاتٍ إما غير منتجةٍ، وإما مُرهقةٍ بدنياً ونفسياً لا يستغلّها الموظف سوى في انتظار نهاية الدوام حتى يتمكّن من «دق الكرت»، وإثبات حضوره الحسّي فحسب. أقترح جدّياً على المعنيين وصُنّاع القرار النظر في قرار تخفيض ساعات العمل الرسمي اليومية إلى (6) ساعات، أي بمعدّل (30) ساعة أسبوعياً، وأن يكون الاهتمام مُنصبّا بشكل مُركّز على نوعية العمل وتحسّن الإنتاجية وضبط الأداء ومُحاربة البطالة المُقنّعة، والارتقاء بمنظومة الحقوق والواجبات الوظيفية، لتوازن صحّي أفضل بين الحياة العمَلية والاجتماعية الإنسانية.