«العمل لأكثر من (8) ساعات يومياً يرفع خطر الإصابة بالجلطات الدماغية وأمراض القلب» .. جملة تُلخّص نتائج دراسات علمية تربط عدد ساعات العمل الوظيفي بأمراض الجهاز الدوري الدموي لدى الموظفين والعاملين، في إشارة قوية إلى الأثر السلبي لنظام الساعات الممتدة، على الصحة البدنية والنفسية. وإذا أضفنا طبيعة العمل ونظام الورديات المتعاقبة (المناوبات) التي يمتد بعضها إلى أكثر من (12) ساعة متواصلة وبخاصة خلال ساعات الليل، فالخطر الصحّي يزداد وبخاصة مع التقدّم في العمر وإطالة الجلوس على المكاتب، نتيجة الحرمان المزمن من النوم السليم، ورداءة طبيعة النوم، وتناول كميات كبيرة من الكافيين والنيكوتين، مما يتسببُ في فرْط نشاط الجهاز العصبي وتأثّر الجهاز الدوري الدموي بشكل سلبي وزيادة الوزن، وارتفاع خطر الإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي، فضلاً عن اضطرابات سلوكية ومشكلات زوجية. أما العمل لساعات طويلة تقرُب من (50) ساعة أسبوعياً، فمرتبطٌ بخطر الإصابة باضطرابات المزاج كالاكتئاب، وبخاصة لدى النساء اللواتي يَخُضْن يومياً تحدياً نفسياً وبدنياً يتضمّن الاهتمام بواجباتهنّ الزوجية والعائلية، وتعاملهنّ مع الضغوطات الوظيفية. من الواضح تعرّض عدد كبير من الموظفين وأصحاب المهن التي تتطلب تركيزاً كبيراً واهتماماً دقيقاً، إلى نمط حياة غير صحي نتيجة الالتزام بعدد ساعات عمل طويلة، لا تضيف شيئاً مُعتبراً إلى الإنتاجية، بل قد تتسبب في تعرّضهم إلى أمراض صحية غير مبرّرة، نتيجة وجودهم في بيئة عملية تمتصُّ طاقاتهم النفسية وتتسبب في فرْط توتّرهم، لذلك أرى من الضروري إنسانياً وصحّياً واجتماعياً، مراجعة عدد ساعات الدوام الرسمي، ودراسة اختصارها بشكل يكرّس ارتفاع الإنتاجية وتجنّب الأمراض المزمنة، وفي الوقت نفسه، يضمن توازن الحياة العملية والشخصية، وبخاصة مع قضاء أوقاتٍ طويلةٍ وعصيبةٍ جداً في الشوارع خلال التنقل من وإلى أماكن العمل، فبدلاً من تعويض قلة إنتاجية الموظف بإلزامه بعدد ساعات غير إنسانية، من الأجدى تركيز الجهود على الاستثمار في النوعية وليس الكمية، وتقليص الفساد الإداري ومركزية القرارات، وعلاج سوء التنظيم، والقضاء على البِطالة المقنّعة والروتين المعطِّل للمصلحة العامة، وبذلك لا تزيد عدد ساعات العمل عن (6) ساعات يومياً فقط، خمسة أيام في الأسبوع.