إن سافَرْتَ لمدينة إسطنبول التركية، ثمّ قَفَلْتَ عائدًا للديار، فسترى في الطائرة رجالاً سعوديين يضعون حول رؤوسهم عصائب قماشية مختلفة الألوان!. لا تحسبنّهم مُقلِّدين لمُوضة جديدة، وهم بالطبع وحاشاهم ليسوا أفرادًا في ميليشيا عصائب أهل الحقّ العراقية الطائفية التي تدعمها إيران، والبعيدة عن الحقّ بُعْد المشرقيْن!. فهذه العصائب هي لفائف طبية تُوضع على أماكن زراعة الشعر التي تطوّرت في إسطنبول تطوّرًا مُذهِلاً جعلها قِبْلَةً للسياحة العلاجية لمن صار أصلعًا من السعوديين، ممّن تلمع رأسُه في النور والظلام، ولولا الشماغ والكُوفيّة لما استطاعوا إخفاء صلعتهم قبل الزراعة البهيّة!. وللأمانة، ليس الرجال السعوديون وحدهم مَن يزرع الشعر، فهناك مثلاً الإعلامي السوري في قناة الجزيرة، فيصل القاسم، مُقدِّم برنامج «الاتجاه المعاكس» الذي يتحاور فيه الناس باللسان واليديْن والرِجليْن، وصار بعد الزرْع يتمتّع ب»نيو لوك» مختلف، وشكل وسيم يُؤهّله للتحول من مهنة الكلام السياسي الذي ليس منه فائدة لمهنة التمثيل مع جميلات العالم في هوليوود أو بوليوود!. وحقًا.. سُبحان مُغيِّر الأحوال، فالرجل كان شغوفًا منذ الأزل بشعر المرأة لا بشعره، وكان ينعته بأيقونة الجمال، ويتغزّل فيه، ويُنشِد الأشعار والمُعلّقات حوله، ومن جميل ما قاله امرؤ القيس فيه: فرْعٌ يُزيِّنُ المَتْنَ أسودُ فاحمٌ.. أثِيثٌ كَقَنْوِ النخلةِ المُتعثْكِلُ..! وكان الأصل هو اقتران زينة الرجل بلحيته، وجمال المرأة بشعرها، وقالت أمّ المؤمنين السيّدة عائشة رضي الله عنها: سبحان من زيّن الرجال باللحى والنساء بالذوائب، لكنّ اللحى اختفت الآن عند الرجال إلّا قليلاً منهم، وحلّت محلّها ذوائب مزروعة في رؤوسهم لو رآها امرؤ القيس لظنّها نسائية وكرّر بيت شعره عنها: غَدَائِرُهُ مُسْتَشْزِرَاتٌ إلَى العُلاَ.. تَضِلُّ العِقَاصَ فِي مُثَنَّى وَمُرْسلِ..!.