قررت الدول المغاربية إنشاء لجنة مغربية - إفريقية عليا لمواجهة جماعات وتنظيمات التطرف والإرهاب؛ بعد أن استفحلت مخاطر مد الفكر الإرهابي في تلك البلاد، خصوصا تأثيره السلبي على عقول الشباب وبالتالي على توجهاتهم وسلوكياتهم. جاء هذا القرار أيضاً بعد أن انتقل سباق السيارات العالمي المشهور من العاصمة السنغالية داكار إلى الأرجنتين وتشيلي بعد اختطاف 12 جنديا موريتانيا وقطع رؤوسهم في شهر سبتمبر - أيلول الماضي. ولكون موريتانيا الموقع الذي يوجد فيه أكثر من نصف مراحل السباق ال15 وفيها أخذ متشددو تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يثيرون الاضطرابات والقلاقل والمخاوف بعد اختطافهم أربعة سياح فرنسيين في شهر ديسمبر من العام 2007م، فإن الوضع هذا دفع بمنظمي سباق داكار العالمي لعام 2008م إلى إلغائه متذرعين في ذلك بالمخاوف الأمنية وتهديدات تنظيم القاعدة. النتائج الاقتصادية على الدول المغاربية (كموريتانيا والسنغال) نتيجة إلغاء السباق وخيمة جدا، حيث يعتمد قطاع السياحة والفنادق في تلك الدول على السباق العالمي كمورد رئيسي سنوي لأعداد كبيرة من المواطنين الأمر الذي تسبب في حرمانهم من مورد رزقهم الأساسي. من الواضح إذا أن دولة موريتانيا الإسلامية أصبحت هدفاً من أهداف تنظيم القاعدة، خصوصا بعد أن أصدر المتحدث باسم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي رسالة عن طريق الإنترنت يحث فيها المتشددين على استهداف موريتانيا بهجماتهم. مع الأسف نجمت عن تلك الرسالة الإرهابية هجمات جديدة لأوان تنظيم القاعدة منها الصدام الذي وقع في منتصف سبتمبر من العام الماضي بين المتشددين والجنود الموريتانيين في إقليم أزويرات. سباق داكار أصبح نعمة على الدول اللاتينية ونقمة على الدول المغاربية والإفريقية، حيث كان اقتصاد موريتانيا يعاني من الآثار المروعة لنشاط القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. ففي ذروة الموسم السياحي لعام 2008م انخفضت أعداد السياح القادمين إلى موريتانيا بمقدار النصف مقارنة بالعام 2007، وبنقل سباقا داكار إلى الأرجنتين وتشيلي واصل النشاط التجاري الساحي في موريتانيا انخفاضه الكبير. هذا ما فعله ويفعله تنظيم القاعدة في الدول الإسلامية من الدار البيضاء مرورا بموريتانيا وصحراء سيناء وإلى العراق ومن ثم إلى استنبول العاصمة التركية. إرهاب يمتص عصارة الحياة الإنسانية ويريق الدماء ويهدم الممتلكات ويروع الآمنين؛ مما يعني زيادة في أعداد الفقراء المسلمين ليغدوا الأكثر فقرا بل ومزيدا من البؤس. المطلوب إذاً لمواجهة مخاطر تهديدات تنظيم القاعدة على الدول والشعوب العربية الإسلامية إنشاء لجنة عربية وإسلامية عليا تتعاون فيها جميع الدول العربية والإسلامية لمكافحة الإرهاب فكرا وقولا وعملا. نعم لقد غدت هذه اللجنة في طليعة أولويات العمل العربي الإسلامي المشترك بعد أن تنامت حدة مخاطر تنظيم القاعدة الكلية والجزئية. في هذا الصدد أصدر الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي المملكة قبل عدة أشهر فتوى شرعية تدين العمليات والهجمات الإرهابية لتنظيم القاعدة، مؤكداً على جميع المسلمين ضرورة تحملهم مسؤولية إبلاغ السلطات الأمنية عن تحركات المتطرفين، مشيراً إلى أنها غدت مسؤولية وطنية وإسلامية. كما أوضح سماحة المفتي تحريم إيواء المتطرفين من المنتمين إلى تنظيم القاعدة. تزامنت فتوى سماحة مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مع دعوة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، لدى زيارة الأخير لمنطقة مأرب، جميع القبائل اليمنية الى مواجهة تنظيم القاعدة وتسليم عناصره للسلطات الأمنية معلنا أن الإرهاب طاعون يضر بالجميع، مؤكداً أنه لا مكان ولا موقع للتنمية الاقتصادية طالما استمرت عمليات الإرهاب والتخريب والعنف في البلاد. بناء على ما سبق فإن التعاون والتنسيق الأمني بين الدول العربية والإسلامية خصوصا بين المملكة واليمن غدا أمرا حتميا بعد أن أعلن كل من فرعي تنظيم القاعدة في المملكة واليمن التعاون والاتحاد فيما بينهما تحت زعامة المدعو (ناصر الوحيشي)، وبعد أن بارك الزعيم الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري ذلك التعاون والاتحاد. إن مسؤولية مواجهة تنظيمات العنف والإرهاب مسؤولية جماعية شاملة وكلية لا تناط وحسب بالأجهزة الأمنية في البلاد العربية والإسلامية وإنما أيضاً غدت مسؤولية جميع المواطنين في تلك البلاد، إن التعاون بين المواطنين والأجهزة الأمنية بات أمرا حتميا ووضعا ضروريا للقضاء على جماعات البغي والضلال. فالخطر الإرهابي يعم ولا يمكن أن يستثنى منه أحد، وتنظيمات الإرهاب إذا ما بدأت في التعاون والاتحاد، وهم فئة الضلال والعدوان والبغي، فمن باب أولى أن تضطلع بالتعاون الأمة الإسلامية وهي الجماعة المؤمنة، فئة الحق والعدل والأمن والاستقرار.