تفيد إحصائيات منظمة الصحة العالمية أن متوسط الأعمار للإنسان في العالم ارتفع من 40 سنة عام 1950 إلى 60 سنة عام 2002م ومن المتوقع أن يصبح 73 سنة بحلول عام 2025 ومع حلول عام 2050 على سبيل المثال سيصبح هناك أكثر من 150.000 شخص تتجاوز أعمارهم المائة عام في فرنسا مقارنة ب 200 شخص فقط عام 1950م. قد يعود هذا للتقدم الهائل في العلوم والتكنولوجيا خلال القرن الفائت ولقدرة الناس أكثر من أي وقت مضى للحصول على الرعاية الصحية المناسبة وظهور المضادات الحيوية واللقاحات، ولكن ما النتائج المترتبة على ظهور الفئات الجديدة من المعمرين في المجتمع؟ وهل هناك ما يمكن تسميته بعدم المساواة في الحصول على الرعاية الصحية بين العالمين المتقدم والنامي؟ ففي العالم المتقدم هناك 60% من الناس يعيشون على الأقل لعمر 70 سنة بينما تبلغ هذه النسبة 30% في الدول النامية، كما أنه من بين 10.5 ملايين طفل تحت سن الخامسة توفوا عام 2002 كان 98% منهم في إفريقيا التي يتناقص متوسط الأعمار فيها مع مرور السنين. وحتى داخل الدول النامية والمتقدمة نفسها هناك تفاوت في نسبة الوفيات ومؤشرات الصحة بين الأعراق والألوان، فنسبة وفاة الأطفال السود في جنوب إفريقيا على سبيل المثال تبلغ 5 أضعافها عند البيض، وتفشي الإيدز في النساء والسود في أمريكا أكبر من نسبته لدى الرجال والبيض على التوالي، ومن أصل 3 ملايين شخص يموتون سنوياً من مرض السل هناك 95% منهم في الدول النامية. وتتوقع الإحصائيات وفاة 10 ملايين شخص عام 2030 بسبب التدخين، 70% منهم في الدول النامية، والأدهى من كل هذا أن أقل من 10% فقط من الإنفاق على الأبحاث في العالم يتم إنفاقه على 90% من مشاكل العالم الصحية، بمعنى أن 90% الباقية من الأبحاث يتم وفق أولويات الشركات الكبرى والعالم المتقدم. ومن المتوقع أيضاً أن يتضاعف عدد الوفيات عام 2020 إلى 49.7 مليون شخص وتصبح الأمراض المتعلقة بالقلب والشرايين القاتل الأكبر عالمياً وينتشر السكري ليصبح وباءً يصيب مئات الملايين من البشر والمحرك الأساس لهذه التطورات الصحية تغييرات سلوكية واجتماعية ذات أنماط واسعة تبدأ بالتدخين والسمنة وتناول الكحول التي تم فيها تقليد العالم المتقدم. إن شعوب الدول النامية تتبع الأنماط السلوكية والصحية وحتى الاجتماعية للدول المتقدمة ولكنها لا تجاريها بالضرورة في النواحي الوقائية والعلاجية والبحوث الطبية للسيطرة على ما ترتبه الأنماط الجديدة من الحياة، وما لم نرصد التغييرات القائمة هذه الأيام في المجال الصحي ونبادر للتصدي لها قد نفقد الفرصة لمعالجتها مستقبلاً فالعالم النامي بحاجة للإصلاح الصحي وهذا ما سنطرحه في الأسبوع المقبل، إن شاء الله.