قال عبدالرحمن الداخل، وقد أثارت نخلة سامقة في قصره شجونه، وهيّجت احاسيسه تجاه بلاد المشرق: تبدّت لنا وسط الرُّصافة نخلة تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل فقلت: شبيهي في التغرُّب والنوى وطول التنائي عن بنيّ وعن اهلي نشأت بأرض انت فيها غريبة فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي سقتك غواري المزن في المنتأى الذي يصح ويستمري السّماكين بالوبل قلت: هنا همة تقصر عند انبعاث الاسى، وتوارد الأحاسيس، فهذا عبدالرحمن الداخل: صقر قريش بعظم مكانته، ومنزلته السياسية تفيض مشاعره بالألم، وقد تبدت له نخلة في وسط قصره بالاندلس وكل شيء فيه يحاكي بلاد المشرق، حيث نشأ هذا السلطان، وشبّ على الطوق، تعتوره العوادي، فيخرج من دياره كرها، ليستقر منصورا في بلاد المغرب والاندلس، حتى اذا رسا ملكه وقد عراه تداع، أطلّ يوما على بستانه ليرى تلك الباسقة تميس في الفناء، تثير كوامن الشجن في فؤاد هذا الامير ليقول هذه الابيات في معادل نفس حزين، تشابه مرّ بين نخلة عجماء نائية عن بلد النخل، وبين نفسية الامير الشاعر، والمحصلة تطهير الشجا الذي علق بالفؤاد فلم يبرح حتى تساوى المتشابهان: نشأت بأرض انت فيها غريبة