لم يمض وقت طويل منذ أن بدأت الدورة الثالثة لمجلس الشورى ولا منذ حظيت بشرف الانضمام إليه مع هذه النخبة من أعضائه الأفاضل، إلا أنها كانت أكثر من كافية لمعرفة الكثير من الخصال الحميدة لفقيدنا فقيد الأمة، المغفور له بإذن الله، معالي الشيخ الجليل محمد بن إبراهيم بن جبير. لقد كان رحمه الله أخاً للكبير وأباً للصغير منا. كان محباً للجميع فازددنا له حباً ونشر المودة بين الجميع فازددنا ألفة. كان بشوشاً باسماً فأشرقت الابتسامة على وجوه جميع من يدلف باب هذا المجلس. كان رحمه الله جاداً ملتزماً فأذكى جذوة الجد والحماس والالتزام فينا. كان حريصاً أن تنعقد جميع الجلسات والاجتماعات وألا يتم إلغاء أي جلسة لعدم اكتمال النصاب.. اشتهر باهتمامه بإنجاز العمل وعرف عنه أنه كان يتأخر في مكتبه لإنهاء المعاملات التي لديه. الحرص على إعطاء الفرصة للجميع لإبداء مرئياتهم كان إحدى سمات منهجه في المجلس مما دفع الجميع إلى المشاركة حتى وصلت نسبة المتحدثين في بعض المواضيع التي ناقشها المجلس إلى 50% من عدد أعضائه. كان يتيح المجال لجميع الآراء ما دامت ضمن حدود موضوع النقاش. ومتى ما لاحظ، رحمه الله، انحرافاً عن موضوع النقاش صحح المسار بحلم وأناة. كان عندما يشْكل الأمر علينا خيرمن يزيل اللبس وخير من يوضح الأمر بما حباه الله من حكمة وبعد نظر وبما لديه من واسع معرفة واطلاع ومن خبرة في أعمال الدولة وإلمام عظيم بأنظمتها ولوائح العمل بها. بالإضافة إلى ما كان يملكه من مخزون في العلم الشرعي الذي ينهل منه طالباً وعاملاً. لقد تمتع رحمه الله بإدراك قل نظيره لاحتياجات المسلم في هذا العصر الذي كثرت ضغوطه وتداخلت مصالح أهله أفراداً وجماعات. كان واسع الأفق تراه يقلب النظر في أي موضوع من كل جانب وكل باب. بصيرته جعلت لديه رغبة في العمل على ما يخدم تطور المجتمع في ظل الشريعة الإسلامية حاضراً ومستقبلاً. عندما تقصده في مكتبه لمناقشة موضوع ما فهو قدوة ومثال في الإنصات وحسن الاستماع. وعندما تنتهي من بسط ما تريد بين يديه يتدفق بأسلوب رصين وأفكار واضحة بإجابة شافية أو برأي سديد موفق في تواضع جمّ يغريك بالإحساس بالنِّدِّيَّة وأنت منها بعيد. إنَّ فقدَنا جلل ولا عزاء لنا إلا فيما تركه لنا من أعمال يُشهد له بها، وفيما يخص مجلسنا دوره في وضع قواعد العمل بالمجلس ومنهجيته التي كان لها دور كبير في إنجاز المجلس لأعماله التي يسير وسيسير عليها إن شاء الله. رحم الله شيخنا ورزقنا ومحبيه من عائلته وأصدقائه وزملائه في هذا البلد حكومة وشعباً والعالم الإسلامي الصبر والسلوان بفقده وأدعو الله أن يجعل قبره روضة من رياض الجنة وأن يسكنه فسيح جناته وأن يجمعنا وإياه مرة أخرى بدار كرامته، إنه سميع مجيب. قال تعالى:{كٍلٍَ نّفًسُ ذّائٌقّةٍ پًمّوًتٌ وّإنَّمّا تٍوّفَّوًنّ أٍجٍورّكٍمً يّوًمّ پًقٌيّامّةٌ فّمّن زٍحًزٌحّ عّنٌ پنَّارٌ وّأٍدًخٌلّ پًجّنَّةّ فّقّدً فّازّ وّمّا پًحّيّاةٍ پدٍَنًيّا إلاَّ مّتّاعٍ پًغٍرٍورٌ} (آل عمران: 185). زيد بن عبدالرحمن العوهلي