في زمن كهذا للاسف الشديد، واقولها بكل مرارة وحسرة وألم حتى وان اعتقد البعض بأنني انسان متشائم حتى النخاع ولكنها الحقيقة وان غضب منها البعض ايضاً فالشواهد امام ذلك المرء المُنكِر كثيرة ولا حصر لها وربما هو يشاهدها بنفسه او يقرأ عنها او يسمع. وربما ايضاً هو يعيشها ولكنه غير مدرك لها لأي سبب من الاسباب او لا يريد ان يدركها او يراها حتى لا يسقط في يده ويعيش حالة نفسية سيئة قد تنعكس بعد ذلك على كل شؤون حياته، فهناك الكثير من الناس في هذه الحياة يعيشون على مبدأ (طنّش تعش). اقول في زمن كهذا اينما بحثت عن الحب ايها الانسان فإنك بلا ادنى شك ستجده في كل مكان نعم في كل مكان الا في قلوب البشر فإن الحب قد تمرد على القلب البشري وخرج منه خروجاً ابدياً الى غير رجعة وحتى ذلك القلب كره ذلك الحب كرهاً دائماً مستديماً ولم يعد باستطاعته ان يحمله اكثر مما حمله سابقاً. وكأن الحب والقلب قد اصبح بينهم عداء مستحكم وثأثر قديم لا يمحوه الزمن. وعندما اتحدث عن هذا الحب فانني لا اتحدث هنا عن حب الغرام والهيام والكلف والولع ولا عن ذلك الحب الذي يتمنى المرء من خلاله ان يرتبط بذلك الانسان الاخر ارتباطاً ابدياً حتى الموت. ولكنني هنا اتحدث عن الحب بصفة عامة. الحب في العلاقات الانسانية الاجتماعية، الحب في المجتمع وبين افراده دون استثناء، الحب بين كل بني البشر على مختلف اجناسهم وفئاتهم صغيرهم وكبيرهم، غنيهم وفقيرهم، ذكورهم واناثهم، طفلهم وشيخهم الكبير،.. اتحدث عن الحب الذي يجب أن يتحلى به كل الناس لكل الناس. هذا الحب الحقيقي للاسف قد ضاع منذ زمن وضاعت معه كل مبادئ الدنيا الجميلة من رحمة وشفقة ومودة وكذلك ضاعت معه الصداقة والانسانية والتعاون والتكافل والاخاء، اصبحت دنيانا دنيا المصالح والزهو والغطرسة والكبرياء والتعالي والنفاق الاجتماعي. والا لو كان الحب الحقيقي الذي لا تشوبه شائبة ولا يعكر صفوه شيء موجوداً بين الجميع لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن من حقد وحسد وكراهية وانانية عجيبة. ولا ادل من ذلك على البعد الكبير جداً بين الناس في العلاقات فيما بينهم البين، الجار لا يعرف جاره والأخ بعيد عن اخيه والصديق لا يعرف صديقه الا لمصلحة دنيوية زائلة..الخ واذا قلت أخي الانسان الكريم إنك تحبني وتجرأت على ذلك فبالله عليك اجبني عن اسئلتي الحائرة في عقلي والتي ينطق بها لساني ويشهد بها حالي اذا كنت تحبني اذن لماذا تقدم لي وردة جميلة بيدك اليمنى وتطعنني بخنجر مسموم بيدك الشمال كنت تخبئه وراء ظهرك. واذا كنت تحبني كما تقول لماذا تخونني مع الآخرين وانا آخر من يعلم؟ واذا كنت تزعم بأنك تحبني اذن لماذا يضايقك انا اصارحك بعيوبك واخطائك وتعتبر ذلك تهجماً عليك وربما قاطعتني؟ واذا كنت تحبني اذن لماذا لا اراك الا بعد فترة من الزمن واذا رأيتك كانت المصلحة الشخصية تسبق كل مشاعرك واحاسيسك الودية؟ واذا كنت تقول إنك تحبني ايضاً لماذا عندما اقابلك بعد فترة ليست بالقصيرة فلا ارى تلك البشاشة والترحاب والابتسامة الصادقة وانما المح على محياك ابتسامة صفراء باهتة عقيمة تكاد تنبئ عما بداخلك من مشاعر سلبية كاذبة؟ واذا كنت تزعم ايضاً بأنك تحبني وتودني لماذا تغضب مني وقد تناصبني العداء اذا لم اتمكن أن البي لك حاجة لامور خارجة عن ارادتي ومقدرتي وامكاناتي وانت قد تعرف ذلك جيداً؟ واخيراً عزيزي الانسان اذا كنت تحبني كما تقول لماذا لا تمنحني حقوق الصداقة والحب والمودة كما تريدها انت لنفسك من الاخرين؟ انت تحبني لماذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟... هل هذا هو الحب الحقيقي؟ وهل هذه هي المحبة؟ بالله كفاكم ادعاءً وكذباً وغروراً. الحب يا سادة تضحية واخلاص ووفاء في كل الاحوال وفي كل الظروف وفي كل مكان وزمان لا يتغير ابداً مهما تغيرت الاجواء المحيطة به، الحب هو الحب في الغنى والفقر وفي البؤس والشقاء وفي السعادة والفرح والسرور، الحب هو الحب في المصائب والنكبات وفي اليسر والعسر واللين والشدة. الحب هو أن نعطي كل ما نستطيع ان نعطيه دون حدود او قيود ولا ننتظر شيئاً البتة مقابل ذلك. وهذا للاسف معدوم في زمن كهذا. في زمن كهذا اصبح الانسان ينظر أولاً كم سيأخذ بعدها يقرر ماذا سيعطي وكم حجم العطاء وما هو المردود من وراء ذلك؟ يا سادة في زمن كهذا اصبح الانسان يفكر بعقله فقط دون تدخل عواطفه ومشاعره واحاسيسه الانسانية التي هي مراكز الحب المتدفقة. وللاسف فان الكثير والكثير من الناس يعتبر هذا الانسان يتمتع بذكاء غير عادي وخارق ويتصف بذكاء اجتماعي غير مسبوق وهؤلاء الناس للاسف هم الذين شجعوه على ذلك ودمروا الامور من حيث يحسبون انهم قد اصلحوها. ولم يعلم هؤلاء الناس بانهم محرومون نعم محرومون جداً من اهم شيء في هذا الوجود الاخلاق والتعامل الحسن مع كل بني البشر: وإنما الامم الاخلاق ما بقيت فان هموا ذهبت اخلاقهم ذهبوا قال تعالى:{تٌلًكّ الدَّارٍ الآخٌرّةٍ نّجًعّلٍهّا لٌلَّذٌينّ لا يٍرٌيدٍونّ عٍلٍوَْا فٌي الأّرًضٌ وّلا فّسّادْا وّالًعّاقٌبّةٍ لٌلًمٍتَّقٌينّ}.وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :(انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق). عبدالرحمن عقيل المساوي