تعرفت إلى كتابات العباس عندما كنت قارئاً شغوفاً للملف الثقافي لجريدة الرياض الذي كان يصدر وقتها يوم الخميس، وعلى الرغم من حداثة الاسم الذي يظهر بين أسماء نقدية وأدبية كبيرة -حرص المشرف على الملف الشاعر سعد الحميدين على استقطابها- إلا أنه سرعان ما لفت الأنظار واكتسب الاهتمام، فاللغة التي يكتب بها كانت لغة مختلفة الصياغة والمصطلحات، من ضمن مفرداتها على سبيل المثال: «تشيئة، الواقع، والتهابط، بالسرد، وحمولات كلامية». وكان الشاعر المبدع جاسم الصحيح قد وصف أسلوبه في الكتابة النقدية بالغموض لكنه أضاف في رده الذي عنونه برهائن ابن عباس: «إنني حينما أدلف إلى مقالة الأستاذ محمد العباس بالملحق الثقافي في جريدة الرياض صباح كل خميس، أحس بأنني أدلف إلى فصل دراسي في كلية أدبية عريقة». من خصائص تجربة العباس الجرأة التي تجعله لا يتهيب الوقوف ضد الشائع، ففي غمرة الاحتفال الإعلامي بأحد النصوص أو المؤلفات ينبري وحيداً ليسلط نقده على المحتفى به، وينطق بما سكت عنه الخائفون من نقمة الاختلاف، وربما أورثته هذه الجرأة تناقص الأصدقاء وكثرة الأعداء. تفتقد أروقة الجامعات وكليات اللغة فيها ناقداً بنشاط وحيوية العباس، لكن هذا الافتقاد هو ما جعله حراً طليقاً، وأعطاه القدرة على التخلص من قيود النقد الأدبي المنغلق المنعزل -الذي كبّل معظم الأكاديميين- إلى رحابة النقد الثقافي الذي يتماشى مع التغيرات المتسارعة التي يمر بها المجتمع واللغة والثقافة، محملاً بأدواته النقدية الأدبية وبما أضاف إليها من أدوات نقدية فنية وثقافية نجح في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بقلم أقل تكلفاً في اللغة وأكثر التصاقاً بجيل «السوشيال ميديا». فلم يتخلص من عمقه النقدي لكن وظف آلياته لخدمة الثقافة بمصطلحها الأوسع الأدبي والفني والاجتماعي. ** **