قبل أن نتعرف عن انطباعات وآراء أكاديميين وأدباء ونقاد ومثقفين وكتابًا عن البروفيسور السعودي سعد البازعي . وأن نشيد بجهود الأستاذ والباحث محمد الرويلي الذي ما انفك يتحف الساحة الأدبية والثقافية ،بتقاريره الصحافية التي تنقب وتبحث لينشر ثقافة الأدب ، وسيرة الأدباء والنقاد وكتاب الرواية والقصة ، وغيرهم ، والتنويه عن انتاجهم الذي اثرى المكتبة العربية ، ويتناولها بجريدة الجزيرة السعودية ، بقسم المجلة الثقافية ، وذلك عبر سلسلة تقاريره الثقافية بالزميلة (جريدة الجزيرة ) العريقة في ثرائها ، والتي تولي أهمية كبرى ومميزة للشأن الأدبي والثقافي بصفة عامة ،. وتعد المجلة الثقافية مرجعًا ، وواجهة مشرفة للثقافة العربية بصفة عامة والسعودية بصفة خاصة ، ونحيي لقائمين على القسم الثقافي ، وبمقدمتهم الزميل الرائع الأستاذ ، محمد هليل الرويلي . الذي قدم ملفًا كاملا غن سيرة أحد أعمدة الأدب والثقافة في المملكة ، والذي اجتزأنا منه استشرافًا يحمل آراء عدد من المهتمين والعارفين عل" البازعي ، سيرته ونشأته ومشواره ،وأعماله ونشاطاته ومشاركاته ،بأقلامهم يسطرون أحرفًا مضيئة . ولم يكن ذلك ليتأتَّى ويبرز للعيان ؛ دون دأب وتوجيه الدكتور إبراهيم التركي الذي عكف على تبني إنتاج سلسلة من الأعمال في مجلة الثقافية ، ومنها ؛( تكريم الأدباء وقت حياتهم) والاحتفاء بهم وهم يواصلون مشوار عطائهم . وقال المحرر الصحفي بالقسم الثقافي بصحيفة (الجزيرة) : هذا هو معلمي الملهم د. إبراهيم التركي مدير تحرير الشؤون الثقافية بصحيفة الجزيرة يخلق مناخات للثقافة والفرح في كل حراك إعلامي يوجه له. بعد أن أسند له مهمة إعداد ملف الاحتفاء بالمفكر والناقد د. سعد البازعي - الملف الذي نحتفي به نحن أيضًا في "صحيفة جازان نيوز" وهذا واجب نضطلعه كجهة إعلامية تهتم بنشر الثقافة وبدعم المعرفة- ويضيف "الرويلي": المجلة الثقافية وهي تسلط الضوء حول المبدعين النخب، تجعل صورهم تُبعث من جديدحتى تكاد تُرى، في كل ملف احتفالي واحتفائي تنشره، وتنفرد به في حياة هؤلاء الأفذاذ. ليتشارك المحتفى به مع صدى حراكه المنتج بعيون وأيادي وانطباعات وأراء الكتاب. ويمتزج بهجة ودعة ورضى وهو يرصد ثمار منتوجه - خلال حياته- وليس بعد تأبينه المقامة له على شاكلت مأدبة مدح. ما ذا قالوا عن البروفيسور سعد البازعي : عن مشوار البروفيسور البازعي مع الحرف والقلم ، كاتبًا وأديبًا وناقدًا يقول : الدكتور عبدالله الحيدري :نشأ الدكتور سعد بن عبدالرحمن البازعي في أسرة تقول الشعر وتتذوقه، وأخواله لهم قدم راسخة في الشعر العامي؛ ومن هنا فقد ترعرع في بيئة ثقافية بامتياز كان لها أثر أيما أثر في نشأته الجادة المحبة للكتاب وللقراءة ولتطوير الذات والرغبة في العلم. كما أن نشأته في أسرة لها ارتباط قوي بالمجتمع بحكم العمل الرسمي لوالده، جعلت منه شخصية اجتماعية اندماجية محبة للعمل الجماعي والانخراط في مؤسسات المجتمع المدني بعطاء غير محدود، وهو ما ظهر أثره واضحًا منذ عودته من البعثة حاملاً الدكتوراه عام 1403ه -1983م وحتى تقاعده، وما بعد التقاعد. وربما أهم مكان ارتبط به الدكتور البازعي ارتباطًا كبيرًا وأعطى فيه بعمق وإخلاص (النادي الأدبي بالرياض)، وبدأ الارتباط به مبكرًا عقب عودته من خارج المملكة حاملاً شهادة الدكتوراه في الأدب المقارن، ومتخصّصًا في الأدب الإنجليزي، ولأنه اسم غير معروف في ذلك الوقت؛ فلم ينتظر أن تصله دعوة من النادي، بل تقدم بكل ثقة إلى رئيس النادي آنذاك الشيخ عبدالله بن إدريس معرّفًا بنفسه، وكان ذلك في أوائل عام 1405ه (1984م)، مقترحًا إلقاء محاضرة في النادي، فرحب به ابن إدريس وأبدى سعادته بالمقترح، وطلب ملخصًا للمحاضرة كي يعرض الموضوع على زملائه في مجلس الإدارة، ثم حدّد موعد المحاضرة وعنوانها، وهو «الاستشراق الأدبي: الشرق في خيال الغرب»، وألقاها الدكتور سعد بتاريخ 6-1-1405ه (1-10-1984م)، وأدارها شاب مثله، وهو الدكتور فهد العرابي الحارثي، ولقيت صدى جميلاً روى تفاصيله الدكتور سعد البازعي في مقاله «نادي الرياض الأدبي: أربعينيته وثلاثينيتي» المنشور في جريدة الرياض عام 1435ه-2014م. ثم توطدت العلاقة بالنادي أكثر حين أسند له إدارة أمسية عام 1406ه-1985م للشاعرين: محمد الثبيتي وعلي الدميني، ثم ألقى عام 1410ه-1990م محاضرة عنوانها «الشعر السعودي وإشكالية التحضر»، ثم كلّفه بإلقاء محاضرة تتناسب وأزمة الخليج، وعنوانها «شعر المقاومة العراقية» عام 1411ه-1990م. وبعد أزمة الخليج اقترب الدكتور سعد البازعي من النادي أكثر وأكثر حتى ظن بعضهم أنه عضو مجلس الإدارة، ولم يكن كذلك في ذلك الوقت، فاقترح ورشة الاثنين في حدود عام 1412ه-1991م، وهي ساحة مفتوحة ليس لها صفة الرسمية كما هو حال منبر النادي الذي لا يشارك فيه إلا كبار الأدباء والشعراء والمثقفين، وجاءت الورشة دعمًا للشباب الذين لا يمكنهم الوصول للمنبر الأساس، فكانت مجالاً خصبًا لاكتشاف المواهب ومساندة جيل الشباب من الشعراء والقاصين وغيرهم، وتعريفًا بالكتب الجديدة وعرضها، وشارك في الورشة آخرون من جيل البازعي وفي المقدمة الدكتور معجب الزهراني وآخرون. ولم يقف الطموح عند هذه الإضافة المهمة، بل سعى البازعي ومعه بعض شباب المرحلة إلى العمل على إصدار مجلة نوعية، فكانت مجلة «قوافل» التي ما تزال تصدر عن النادي إلى اليوم، وكان صدور العدد الأول في عام 1413ه-1992م، وظهر اسمه عضوًا في هيئة التحرير حتى عام 1418ه-1997م. وربما كان المنعطف المهم في علاقة البازعي بالنادي الأدبي، اختياره عضوًا في مجلس الإدارة في عام 1422ه-2001م؛ تزامنًا مع تكليف الدكتور محمد الربيّع برئاسة مجلس إدارة النادي في رمضان 1422ه (2001م)، وهو ما يؤكد ثقة المسؤولين في النادي به وتقديرهم لعمله السابق معهم مشاركًا فاعلاً واسمًا حاضرًا؛ ومن هنا فقد اختاره مجلس الإدارة رئيسًا لتحرير مجلة جديدة محكّمة أصدرها النادي عام 1425ه-2004م، وهي مجلة «حقول»، واستمر رئيسًا للتحرير حتى عام 1431ه-2010م، وهو تاريخ استقالته من النادي. كما اختاره مجلس الإدارة عضوًا في اللجنة التحضيرية التي عملت على التخطيط والتنفيذ للدورة الأولى من ملتقى النقد الأدبي عام 1426ه-2005م، ثم أصبح رئيسًا للجنة بعد تكليفه بمجلس إدارة النادي مطلع عام 1427ه-2006م، ثم رئيسًا للجنة التحضيرية في ملتقى النقد (الدورة الثانية) عام 1429ه-2008م. وواكب البازعي مرحلة انتقالية شهدتها الأندية الأدبية، إذ انتقلت مرجعيتها عام 1424ه-2003م من الرئاسة العامة لرعاية الشباب إلى وزارة الثقافة والإعلام، ثم كُلّف الدكتور عبدالعزيز السبيّل وكيلاً للوزارة للشؤون الثقافية، فكان أن عملت الوكالة على دراسة كاملة لواقع الأندية الأدبية التي أصبحت تدار من قبل أدباء مرت عليهم في إدارتها سنوات طويلة زادت على ربع قرن، فكان القرار المهم، وهو تغيير كامل مجالس إدارات الأندية الأدبية، وكانت البداية من النادي الأدبي بالرياض إذ صدر قرار التعيين في صفر من عام 1427ه (2006م)، وتكوّن المجلس من عشرة أشخاص، وطلب منهم أن يختاروا من بينهم رئيسًا لمجلس الإدارة، فاختارت المجموعة الدكتور سعد البازعي رئيسًا للمجلس، ومعه عدد من الأسماء المهمة التي كان لها أثر فيما حقّقه النادي من منجزات متوالية أضفت على النادي حراكًا كبيرًا تمثَّل في فعاليات نوعية، وتطوير لمطبوعات النادي وإقرار جائزة سنوية للكتاب (بالشراكة مع بنك الرياض)، وغير ذلك من المنجزات. ومع النجاح الذي حقّقه الدكتور البازعي في مدة رئاسته للنادي، فإنه آثر الاستقالة بعد مرور السنوات الأربع له (14271431ه)، وأتاح الفرصة لمن بعده لمواصلة المسيرة. ولكن خروجه من رئاسة مجلس الإدارة لا تعني الانقطاع عن النادي، بل ظل حاضرًا من خلال المحاضرات والندوات، ومنها: الملتقى الثقافي الذي أسسه أسبوعيًا في النادي عام 1434ه، واستمر سنة، ثم انتقل به إلى جمعية الثقافة والفنون. كما كانت له مساهمات كثيرة في الأندية الأدبية الأخرى، وخاصة نادي جدة الأدبي إذ شارك في أكثر من دورة في ملتقى قراءة النص. ولعلنا نتوقف عند محطة أخرى شهدت عطاء مبكرًا للدكتور سعد البازعي، وهي الصحافة، ومن مشاركاته القديمة فيها ترجمته قصة لبورخيس عنوانها «الكتاب الرملي»، وكان وقتها طالب دراسات عليا في الولايات المتحدةالأمريكية، وأرسلها إلى مجلة اليمامة، فنشرتها عام 1400ه-1980م، وترجمته «من المحاكاة إلى السخرية: أبعاد الصوت»، وهي مقالة نقدية مطولة للناقد الأمريكي والتر أونج، ونُشرت في مجلة التوباد (شوال 1408ه-1988م)، وشهدت معظم الصحف والمجلات السعودية والخليجية والعربية مقالات له، وآخرها زاوية أسبوعية في جريدة الرياض كانت تُنشر كل خميس، بل إنه لم يقتصر على الكتابة في الصحافة بل عمل فيها عضوًا في هيئة تحرير مجلة النص الجديد، ثم مشرفًا على صحيفة (رياض ديلي) الناطقة باللغة الإنجليزية في المدة من 1406- 1408ه (1986 - 1988م). وتطوّر مشروع الترجمة عند البازعي من قصة تُنشر في مجلة اليمامة عام 1400ه- 1980م إلى بعض الكتب التي تولت نشرها دور نشر ومؤسسات ثقافية عربية، من أهمها كتاب دليل الناقد الأدبي في عدة طبعات (بالشراكة مع زميله الدكتور ميجان الرويلي)، كان أولها عام1416ه-1995م (الرياض: مكتبة العبيكان)، وتضمن ترجمة لثلاثين مصطلحًا، ثم لخمسين، ثم لسبعين، مما يعنى متابعة المشروع وملاحقة الجديد في المصطلحات الأدبية والنقدية؛ مستندًا إلى تخصصه الدقيق في اللغة الإنجليزية وآدابها. ومن الكتب التي ترجمها: المسلمون في التاريخ الأمريكي (2011م)، وجدل العولمة: نظرية المعرفة وسياساتها (2014م)، وغيرها من الكتب. ومن اللافت للنظر في مشروع البازعي الأدبي والنقدي، اهتمامه بالشباب ودعمه لهم، بدأ ذلك في ورشة الاثنين بالنادي الأدبي بالرياض، واستمر من خلال مقالاته وبحوثه ودراساته التي اعتمدت في كثير منها على نصوص الأدباء الشباب، وخاصة الشعراء، والذين أصبحوا فيما بعد أسماء كبيرة وبارزة مثل: محمد الثبيتي، وعلي الدميني، ومحمد الدميني، وعبدالله الصيخان، ومحمد جبر الحربي، وغيرهم. ويستند مشروعه على الاهتمام بالنص الجديد المتجاوز بدليل أنه لم يعن بالشعراء الذين يكتبون القصيدة التقليدية، ومن هنا رأيناه عضوًا في مجلة النص الجديد، ويحفل بإنتاج شعراء الحداثة ويقدم قراءات لنصوصهم، ويؤلف كتابه «جدل التجديد: الشعر في نصف قرن» معتمدًا على شعر المعاصرين المجدّدين؛ لكون الشعراء السابقين والرواد أخذوا حقهم في العديد من الرسائل والدراسات الجامعية. ونلحظ تحولاً ظاهرًا في اهتمام البازعي النقدي إذ بدأ مهتمًا بالشعر في الجزيرة العربية من خلال كتابه الأول «ثقافة الصحراء: دراسات في أدب الجزيرة العربية المعاصر» 1412ه-1992م (أعيدت طباعته 1439ه-2018م، وصدر عن النادي الأدبي بالرياض)، وكتابه الثاني «إحالات القصيدة: قراءات في الشعر المعاصر»، صدرت طبعته الأولى عن النادي الأدبي بالرياض عام 1419ه-1998م، وصدرت طبعته الثانية عام 1439ه-2018م عن النادي أيضًا، إذ أصبح اهتمامه يميل إلى الجانب الفكري والثقافي، وأصبحت مفردة (الثقافة) حاضرة في معظم عناوين كتبه الأخيرة، ومنها: شرفات للرؤية: العولمة والهوية والتفاعل الثقافي (بيروت، المركز الثقافي العربي،2005م)، والاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف (بيروت، المركز الثقافي العربي،2008م)، ومواجهات السلطة: قلق الهيمنة عبر الثقافات (بيروت، المركز الثقافي العربي، 2017م). وللبازعي رؤية في الوصول إلى المتلقين، ويرى أنه لا يمكن أن تصل إليهم من خلال وسيلة واحدة أو اثنتين، بل يجب أن تستخدم كل وسائل التواصل الإعلامي والثقافي للوصول إليهم، ومن هنا سمعناه في الإذاعة ببرنامج أسبوعي، وهو «كتب وقرّاء»، ورأيناه ببرنامج تلفزيوني، وهو «قضية ثقافية»، وبحساب في تويتر يتابعه أكثر من 35 ألف متابع، يضاف ذلك كله إلى جهوده الأخرى التي أشرت إليها، وهي: النادي الأدبي، والصحف والمجلات، والتأليف. وهذا الحضور الكبير والمكثّف والمعمّق في الساحة الثقافية السعودية والعربية للناقد الدكتور سعد البازعي جعلت الأنظار تتجه إليه في منح الجوائز والتكريم، فكرّمه ناديه (النادي الأدبي بالرياض) في عام 1431ه-2010م في حفل افتتاح الدورة الثالثة من ملتقى النقد الأدبي، وكرّمته وزارة الثقافة والإعلام بمنحه جائزتها للكتاب في الدورة الأولى عام 1433ه-2012م عن كتابه «لغات الشعر: قصائد وقراءات»، ثم حصل في عام 1438ه-2017م على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب (الدورة السادسة- مجال النقد الأدبي)، وجائزة البحرين للكتاب عام 1439ه-2018م عن كتابه «هموم العقل». وأختم المقال بحديث عن معرفتي به، إذ عرفته أولاً عن بعد من خلال مقالاته ودراساته المنشورة في الصحف والمجلات، ثم شارك معي في بعض البرامج الإذاعية، ثم تعرفت عليه أكثر في النادي الأدبي بالرياض حين جمعتنا اللجنة التحضيرية في ملتقى النقد الأدبي (الدورة الأولى) عام 1426ه-2005م، ثم اشتركت معه في لجنتين عام 1429ه-2008م، وهما: اللجنة التحضيرية في ملتقى النقد الأدبي (الدورة الثانية)، ولجنة قاموس الأدب والأدباء في دارة الملك عبدالعزيز، وفي مناسبات أخرى، ولا تملك إلا احترامه وتقديره لما يتصف به من تواضع ولين جانب وخلق كريم. وأخيرًا: أقترح أن تتولى إحدى الجهات جمع مواد هذا الملف عن الدكتور سعد، وتضيف له ما تراه من مقالات سابقة كتبت عنه؛ لتصدر في كتاب يدشّن في النادي الأدبي بالرياض، أو جمعية الثقافة والفنون، أو أي جهة أخرى. بقريحته وذائقته المميزة، نال الثقة العلمية الدكتور / د. أحمد عبد المنعم عقيلي : :حين نتكلم عن الحركة الإبداعة والنقدية في العالم العربي عموماً وفي الخليج العربي على وجه الخصوص، تستوقفنا شخصية نقدية فذة ومبدعة، ذات بصمات إبداعية واضحة وعميقة، إنها للناقد السعودي الكبير الدكتور سعد البازعي، وهو من مواليد مدينة القريات في المملكة العربية السعودية عام 1953م، وقد تخرج في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها بجامعة الرياض، (الملك سعود حاليا) عام 1974م. ومن ثم أكمل دراساته العليا فحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة بوردو بالولايات المتحدةالامريكية عام 1978 و1983م على التوالي، فكان متابعاً علمياً مثابراً وذو همة عالية وإصرار كبيرين. ليعود بعد ذلك إلى وطنه الحبيب فيفيد أبناءه بما حصّله من ثقافة وعلوم وإبداعات، ولينشرها بين أبنائه الطلاب، فيغذي عقولهم وأفكارهم بها، فترتقي مداركهم وتسمو إبداعاتهم، وهو يعمل حاليا أستاذا للشعر الحديث، والنقد الأدبي في قسم اللغة الانجليزية وآدابها بكلية الآداب جامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية، الرياض. ولعمق أفكاره وإبداعاته الشعرية والنقدية التي حملها وأبدعتها قريحته وذائقته المميزة، نال الثقة العلمية، فتولى عدة مناصب علمية، وشغل كثيراً من المهام التعليمية الأكاديمية والإدارية، والتربوية، بالإضافة إلى نشاطه الثقافي الغزير الذي لا ينضب، كل ذلك جعله مرجعاً علمياً مهماً، فكان أن عين مستشاراً في وزارة التعليم العالي في المملكة العربية السعودية، كما برزت لديه قدرته الكبيرة على الحوار والمناقشة والتجديد، فكانت شخصيته إلى جانب علميتها وعمقها الفكري، شخصية إعلامية من الطراز الرفيع، وهو ما أثمر عن تعيينه رئيساً لتحرير جريدة (الرياض ديلي)، فكانت له مقالاته العميقة والقيّمة. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل ارتقى الدكتور البازعي سلم النجاح والتفوق واستمرت مسيرته الإبداعية، حيث تولى إدارة مركز البحوث بكلية الآداب، ورئاسة قسم اللغة الإنجليزية وآدابها, بالإضافة إلى توليه رئاسة تحرير الموسوعة العربية العالمية، عام 1999م. وأما عن جهوده الثقافية والفكرية فقد كانت له بصماته الخالدة في الحركة الفكرية الثقافية في المملكة العربية السعودية، بوصفه باحثاً وناقداً أدبياً وذلك منذ مطلع عام 1984م, ليشارك في إنشاء و تأسيس وإدارة تحرير عدد من الدوريات والمجلات الأدبية في المملكة العربية السعودية لعلنا نذكر منها على سبيل التمثيل لا الحصر: ( قوافل, النص الجديد, التوباد). يشغل الدكتور البازعي اليوم منصب عضو في مجلس إدارة النادي الأدبي في الرياض، ورئيس تحرير الكتاب الدوري المحكم المسمى: (حقول)، إضافة إلى أنه يكتب مقالا ثقافياً أسبوعياً في جريدة الجزيرة السعودية، وفي صحيفة أخرى باللغة الإنجليزية في جريدة (الرياض ديلي). وأما على صعيد النشاط الفكري والتعليمي، فقد قدم كثيراً من المحاضرات على الصعيد المحلي داخل حدود المملكة العربية السعودية، وعلى الصعيد العربي والعالمي ليتجاوز حدود وطنه، لعلنا نذكر منها على الصعيد العربي: الإمارات العربية المتحدة، الكويت، ومصر، وعلى الصعيد العالمي: فرنسا، بريطانيا، واليابان. نشرت له كثير من الأبحاث والمقالات باللغتين العربية والانجليزية في العديد من الدوريات العربية والأجنبية, ونتيجة للقفزات الإبداعية الكثيرة والمكانة العلمية الكبيرة التي حققها الدكتور البازعي، فقد طرق باب العالمية من أوسع طرقه، حين ترجمت له العديد من الأعمال والكتابات والدراسات التي جعلته ناقداً ومفكراً عالمياً وليس عربياً فحسب. أما مؤلفاته وكتاباته فقد صدرت له كثير من الكتب الأدبية والثقافية والفكرية، لعلنا نذكر منها: 1- كتاب ثقافة الصحراء: وهو مجموعة من الدراسات التي تناولت الحركة الأدبية وسماتها في الجزيرة العربية في العصر الراهن، وهو صادر عن مكتبة العبيكان، في المملكة العربية السعودية في الرياض، عام 1991. 2- كتاب إحالات القصيدة: وهو عبارة عن مجموعة قراءات نقدية جمالية في الشعر المعاصر، وهو صادر عن النادي الأدبي، في المملكة العربية السعودية في الرياض، عام 1998م 3- كتاب مقاربة الآخر: وهو عبارة عن مقارنات أدبية وثقافية مهمة، وهو صادر عن دار الشروق، في القاهرة بجمهورية مصر العربية، عام 1999م . 4- كتاب دليل الناقد الأدبي: ويحتوي على أكثر من سبعين تيار ومصطلح نقدي معاصر، وهو صادر عن المركز الثقافي العربي في بيروت، عام 2002م. ويمكننا من خلال ماتقدم من جولة سريعة وومضة عجلى في رحاب حديقته الغناء أن نقول وبكل صدق إن الدكتور البازعي مثال للمفكر والناقد العربي الذي يمتلك تجربة ثرية وغنية، وهي تجربة مهمة ذات دور كبير في تأصيل الفكر النقدي العربي، هذا الفكر الباحث في العلاقة مع الآخر إضافة إلى إبداعاته الخالدة التي تمثلت في متابعاته العميقة للإبداعات المحلية والعالمية في الساحة الثقافية، هذه الإبداعات التي قال عنها البازعي نفسه: « هذه التجربة تتناول قلق النقد بين الاستقبال والتأصيل وتبحث في اسباب هذا القلق من خلال ما طرح على الساحة». هذا الطرح وهذا العمق في التناول يجعلنا نثني على هذا الناقد ونعتبره رمزاً وقامة أدبية فكرية نقدية تفخر بها الثقافة العربية. مآلات النقد العربي الحزينة قراءة في جهود البازعي النقدية وقال الدكتور / واسيني الأعرج : لقد انسحب النقد العرب أو يكاد، في المواجهة التي تجمعه اليوم بجنس متسلط، اسمه الرواية. فقد محت، من حيث الحضور على الأقل، كل الأجناس الأخرى من طريقها. نعرف جيداً أن النقد ظل دوماً في الدوائر الأكثر تخصصاًَ ومنها الدوائر الأكاديمية، لكن حضوره كان دائماً مهماً ويعدل من مسارات الأدب. لم يكن فيليب هامون الذي خصّ جهده للشخصية وتحولاتها، ظاهراً في المحافل العامة، ولم يكن فيليب لوجون الذي جعل من السيرة رهانه النقدي معروفاً خارج الأوساط الجامعية شديدة التخصص على الرغم من قيمته العلمية التي لا تضاهى، ولم يكن محمد آركون الذي تعمق في الدرس الإسلامي من الموقع التاريخي والإنثربولوجي حالة إعلامية كبيرة على الرغم من قيمته الأكاديمية والتاريخية، ولا جهود ميشيل فوكو، رولان بارث، جيرار جنيت، جمال الدين بن الشيخ وغيرهم، كفيلة بوضعهم في المدارات الإعلامية، مثلما حدث للروائيين الذين أصبحوا جزءاً من المشهد الثقافي والإعلامي كنجوم يملأ حضورهم الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي. على الرغم من ذلك كله، هناك جيوب مقاومة تتبناها أسماء قليلة ما تزال تؤمن بجدوى النقد. المسألة مفهومة عالميا ويمكن تفسيرها بسهولة. نجد المئات، بل الآلاف من المبدعين الروائيين عالمياً، لكن صناعة ناقد واحد تقتضي زمناً حقيقاً لأن المسألة أكثر تعقيداً ثقافياً وتركيبياً. النقد ثقافة وانتماء كلي لعصر أو لسلسلة من العصور، وآلة لاختبار جدوى النصوص وفهم حركتها الداخلية وآلياتها، والآلة تحتاج إلى أن تكون ملمة بثقافة عصرها ولا تبقى على هامشه. وهذا يقتضي خبرة معرفية ترتكن حتما إلى جهد كبير ومميز. من بين هذه الجيوب المقاومة إيجابياً، الناقد السعودي المعروف سعد البازعي، أستاذ الأدب الإنجليزي في جامعة الملك سعود بالرياض، منذ 1984، قبل أن يتفرّغ لعمله في مجلس الشورى ونادي الرياض الأدبي. هو واحد من هذه القوى النقدية الحية والإرادات الثقافية الفعَّالة التي يثير نتاجها النقدي، وآراؤها جدلاً كبيراً. مدارات عملها الأساسية النقد الثقافي، والنقد الأدبي منها على سبيل التمثيل لا الحصر «ثقافة الصحراء»، الذي خصصه للبحث في أدب الجزيرة العربية المعاصر، «مقاربة الآخر»، «دليل الناقد الأدبي» (بالاشتراك)، «المكون اليهودي في الحضارة الغربية» الذي ناقش فيه دور المثقفين اليهود في الثقافة الغربية من أمثال ماركس، دريدا، فرويد، وفيليب روث وغيرهم، «وأبواب القصيدة» الذي سافر فيه عبر كبار الشعراء العرب من امرئ القيس والمتنبي، إلى سعدي يوسف ودرويش، والشعر العالمي مثل ريلكي وإليوت وغيرهم... و»كتاب شرفات للرؤية» حول نقاشات وسجالات العولمة بوصفها نظاما جارفا الذي يحتاج إلى حالة تبصر وتعقل وعدم دفن الرأس في الرمال، وإشكالية الهوية التي تعود في عصرنا بشكل قوي وخطير، متغنية بالانغلاق الذي بدأ يحولها إلى قنبلة موقوتة للإقصاء والطرد. و»قلق المعرفة» وهو عبارة عن سلسلة مقالات عالج فيها البازعي قضية الأنا والآخر والاختلاف معه والأسئلة المحيرة التي تطرحها المعرفة البشرية والعربية تحديداً وهي في حالة ضعف. ربما كان لمؤلفه الكبير والمميز، «استقبال الآخر» الذي تناول فيه كيفية أو كيفيات التعامل مع الآخر، الدور الكبير في إعادة قراء تاريخنا النقدي وكيفية استيعابه للمشاريع النقدية الغربية. الجزء الثاني من الكتاب كان شديد الأهمية لأنه عرض فيه وجهة نظره التطبيقية بشكل واضح، فاتضحت ملامح مشروعه الكبيرة من الناحية النقدية بعد أن بين الكيفيات المنهجية والحضارية التي تجب مراعاتها. فتوقف عند فكرة الكتاب الخاصة بكيفية استقبال النقد العربي للممارسات النقدية الغربية، من خلال الرواد، مثل طه حسين، والعقاد، ولويس عوض، ومحمد مندور، وشكري عياد، وغيرهم، إضافة إلى الأجيال اللاحقة. فقد تعاملوا مع المنجز النقدي الغربي المبني على معرفة حقيقية، كأنه مادة منتهية وغير قابلة للسجال وأخذوها على علاتها من دون مراعاة الظرفيات الثقافية المحلية. فقد ظلوا رهيني الإعجاب والنموذجية الغربية. وسرعان ما ظهر ضعف هذه الموجة الثقافية ميدانيا لأها لا تملك الأساسيات التي تجعلها مبدعة وخلاقة. هذا تقريبا ما أراده الباحث والنقد سعد البازعي في تصوراتها عن العلاقة مع الآخر. وتبدو للكاتب في هذا السياق، تجربة الناقد شكري عياد طليعية ونافذة، بالقياس لغيرها لأنها عرفت كيف توطِّن المفاهيم، والثقافة الغربية، مع مراعاة خصوصياتها الهوياتية والمعرفية. فقد كانت الهوية العربية الإسلامية عند شكري عياد وبعض مجايليه، رهاناً أساسياً. ووفق هذا المنطق سيجد طه حسين والمجموعة المذكورة سابقا، خارج هذا المدار لأنهم جعلوا من النظريات الغربية مرجعا كليا مع التفريط في خصوصياتهم الثقافية والحضارية، وهذا أمر غير صحيح، ولا يستقيم أبداً مهماً كانت المبررات الشكلية التي تساق عادة في مثل هذه النقاشات. في اللحظة التي يشتغل فيها ناقد ما داخل منظومة لغوية معينة، فهو داخل ميراث ثقافي لا يمكنه أن يتخلص منه لأنه فيه، ومدون يتلك اللغة. نقد الميراث ووضعه في دائرة السجال والمعرفة الإنسانية، شيء آخر غير معاداة الثقافة المحلية والحضارة التي نبتت فيها. لم يكن مؤسس النقد الفرنسي هيبوليت تين، ومعه النقد التاريخي الفرنسي، مهما بمعرفتنا اليوم، لكنه هو من أعطى هوية للنقد الفرنسي شكلاً مميزاً، للغة الفرنسية ولنقدها حضوراً كبيراً نتج عنه نقاداً كباراً غيَّروا المسارات النقدية الأكاديمية العالمية، من أمثال غريماس، فيليب هامون، وجيرار جنيت، ورواد ما بعد الحداثة والسيميائية والتفكيكية. من الصعب إقصاء هؤلاء وكأنها جسداً خارج التاريخ. في كل ما قام به طه حسين رغبة جامحة لوضع الثقافة العربية في مدارات العقل والعالمية. على العكس شكري عياد الذي اصطدم بالرؤية المتسيدة، في وقته، على الرغم من عقلانيته الواضحة، فأعاد إنتاجها في النهاية، لكنه لم ينتقدها جذرياً، لأن سلطان المؤسسة ليس أمراً هيناً، وإلى اليوم. تظل على رأس المثقف، حتى في غيابها، فهي من يشيع سلطانها عليه ويتحكم في مساحات الحرية ويؤطرها. هذا المنطق الذي تحكم في الثقافة العربية كليا، لم يسمح بالقطيعة مع الجزء الميت من الجسد العربي، فكانت المآلات حزينة حقيقة. لم تكن خيراً على النقد العربي، إذ لم يستطع لا أن يوطن النظريات كما يجب، ولا أن ينتج نموذجه الذي افترضه، الذي يمكن أن يساعد النص العربي على الشيوع والخروج من دائرة المحلية والإسهام في المشروع النقدي العالمي. شيوع النص العربي اليوم لا يمر عبر حلقات النقد العربي كما كان الأمر سابقاً، ولكن عبر قنوات إعلامية لا علاقة لها بالنقد الذي كثيرا ما يكون تابعا لضغط الخطاب الذي يصنعه الآخر. روايةزيّنب لهيكل ما كان لها أن تتحول إلى مرجع في الأجناس الأدبية الوافدة من خلال فعل المثاقفة، لولا الجهد النقدي الذي انخرط في السجال بكل قوة. النقد العربي اليوم لم يعد قادرا على فرض أي نموذج. قد يتبع الموجه ولكنه لا يتقدمها. أعتقد أنه في سياق المثاقفة الأدبية Acculturation لا يوجد إلا مثقف عربي واحد ووحيد طرح الإشكالية النقدية وسعى لفهمها، وربطها بالتبصر النقدي والمعرفي الإنساني، هو طه حسين. باقي الفعلين نقديا، ظلوا يدورون في النفق نفسه، الذي ما يزال يحكم ثقافتنا حتى اليوم. ليس فقط المسألة الديكارتية التي تشكل حجر الزاوية في تحرير الفكر من المسبقات، لكن طه حسين في كتابه في الشعر الجاهلي وضع العقل العربي أو العقل النقدي أمام تحديات كبيرة، وجعله مثار مراجعة عميقة، مهما كان رأي المؤسسة الدينية في ذلك، لأن عملها الجوهري يفترض أن يكون دينياً. يحتاج طه حسين الذي أصبحت مقاربته النقدية تهمة، أكثر منها سجالا يفترض أن تتم مناقشته بصبر وتبصر. فقد حاول ولم ينجح لأنه ارتد بسرعة على مشروعه تحت ضغط المؤسستين الدينية والسياسية، أن يجعل من المثاقفة عتبة فكرية فقط لتحرير العقل، والذهاب به مباشرة نحو فعل التثاقف Interculturalité الذي يعني بالضرورة البحث عن الفاعلية المحلية من خلال استيعاب الآخر، والخروج من دوائر الهيمنة. لم يكن رهانه تقليد الغرب بشكل أعمى والتخلي عن ثقافته. كان شكري عياد عقلاً حيا، وشخصية كبيرة، لكنه ظل يعمل ضمن المنظومة المتاحة التي تسمح له بتخطي ظلم المؤسسة الثقافية المهيمنة، ولم يعد النظر في منظوراتها التي تأسست عليها. وهو ما يجعلنا نقول اليوم: ماذا بقي من شكري عياد نقدياً؟ طه حسين كان سباقا إلى فكرة ما بعد الحداثة التي تضع المعرفة العربية كلها بما فيها اليقين الديني الإيديولوجي، مثار جدل ونقاش عميق خاضع للعقل. طبعاً كان من نتائج ذلك أن طه حسين حوكم. المحكمة برأته لكنها وضعته في المدار العام، القابل بالموجود، وأنسته مشروعه الذي انطلق منه. على الرغم من أنه برئ من التهم المنسوبة إليه، لم يتناول النقد العربي مشروعه المعرفي برؤية أكثر اتساعاً، ويسير به إلى الأمام لمناقشته وتطويره، ليس فقط باتجاه النقد الأدبي، ولكن أيضاً باتجاه عقلانية عربية تدين بالكثير للآخر، لكنها تدين أيضا لجهدها الذي حاولت من خلاله، أن توفر شروطا علمية للانتقال من المثاقفة إلى التثاقف المنتج. للأسف، ظالمشروع معلقا. هذا كله يحتاج إلى حالة حقيقية من التخطي الفعلي لما هو متسيد، وتحمل الخسارات التي تفرضها ردة فعل المؤسسات الضاغطة على المعرفة. المعرفة حرية، حرية مؤسسة على العقل والبرهان، بدون ذلك لا يمكن تصور المعرفة تتخطى يوما معوقاتها عربياً، إذ ستظل تدور في الدوائر العامة التي لا تثير لا إشكالات جديدة، ولا جدلاً خاصاً. كل التقدير والاحترام لجهود البروفيسور سعد البازعي الذي يشتغل ضمن دائرة ثقافية عربية ومحلية ليست سهلة دائماً، لكن النظرة المثالية التي افترضها لم تكن نتائجها في النهاية مشجعة. عندما نتحدث عن المآلات النقدية، نجد أنفسها بالضرورة عند هذه المساءلات التي تحتاج إلى جرأة كبيرة، توفرت في طه حسين ولم تتوفر في اللاحقين. أو كما يصرح البازعي نفسه في نظرة متفائلة، وربما رومانسية أيضاً، أن النقد العربي عندما يتخلص من دائرة النقل السلبي (طه حسين، لويس عوض، سلامة موسى وغيرهم) الذي اكتفي باستيراد المفاهيم والمصطلحات وتقنيات النقد التطبيقي من الفضاء النقدي الغربي، سيتمكن النقد العربي من خلال نضج تجربته، من خلق الشروط الأولية التي ستجعل هذه المثاقفة خصبة وتفاعلية، ومتواشجة مع روح الثقافة العربية، ومكونات هويتها المتميزة. أين هذا المنظور الافتراضي؟ بعد كل هذه السنوات، هل وصل النقد إلى ما افترضه سعد البازعي؟ ما يزال النقد العربي للأسف في نفس الدوائر، وربما أقل. للأستاذ البازعي الفضل الكبير في تحذيرنا من النقل الأعمى من الآخر، لأن ذلك سيلغي الخصوصية والميزات التاريخية التي كان وراءها جهد نقدي عربي كبير. ربما، يجب فقط الاتفاق على ما هو النقل الحقيقي؟ وإلا ما قيمة ثقافة غربية لا تجعلنا نعيد النظر في يقينياتنا؟ ما جدوى الاستفادة منها إذا كانت ستجعلنا نكتفي باليقينيات التي تربينا عليها؟ لا جدوى كبيرة من رواء ذلك، لأنه سيجعلنا ننظر بعين الرضا الكلي للمحن الثقافية التي أدت بنا إلى التراجع الفكري الكلي. نحن نعيش اليوم حالة تخلف مدقع، وهذا يعني بالضرورة تشغيل كل الوسائل الفكرية لتخطي حالة العجز. يحتاج هذا الميراث اليقيني الكبير إلى هزة عنيفة تقرأ وتنتقد بحرية، لمعرفة جوهر الضرر وتخطيه. وإلا ما معنى الحرية الفكرية؟ اين هي المواطنة التي تخرجنا من دائرة الرعايا إلى المواطنة الحقة؟ الهوية العربية - الإسلامية، الهوية العربية والإسلامية التي يجد فيها العربي والكردي، والسني، والشيعي، والشركسي، والمسيحي نفسه؟ هل الهوية فعل منجز وما علينا إلا استعادته؟ التاريخ الذي نعيش اليوم فصوله الدرامية يقول لنا لا. لننظر إلى المثال العراقي أو السوري القريبين منا لنعرف مأسوية اليقينيات؟ كانت المواطنة تسبق كل شيء، أنا أولا عراقي، أو سوري، وتأتي بهدها الهويات الصغرى المكونة. اليوم أنا شيعي أو سني أولاً، عربي أو كردي، مسيحي أو مسلم، قبل فكرة المواطنة التي غابت مع غياب الدولة الوطنية الجامعة. لأننا ولا مرة، تحت هيمنة الفكر القوموي، لم نر شيئاً آخر إلا ما اشتهينا رؤيته. اكتفينا بالمرايا التي تعكسنا على أحسن حال. النقد واجهة للفكر بالضرورة، وقيمة نقد سعد البازعي أنه لم يتوقف عند حدود النص الأدبي والتخييل، لكنه تخطى ذلك نحو نقد الأفكار التي تعطي للنقد هوية. لا نقد خارج الأفكار، مهما كانت اختلافاتها، وخارج فعل الحرية ونقد المطلقات اليقينية السهلة. لكن أليست الشروط والمسبقات تقييد للفكر نفسه الذي نريده أن يكون خلاقا ومنتجا لمعرفة جديدة؟ الشروط التي افترضها البازعي للتأثر أو للأخذ من الآخر، لم تكن واضحة. مثلاً قوله إنه يجب أن لا تلغي المؤثرات الغربية، الشخصية القاعدية للمعمار النقدي العربي بكل ينابيعه التراثية وإنجازات الأجيال السابقة. ويفضل عليها علاقة التحاور والتفاعل بين المنجز النقدي الغربي والعربي. المشكلة الكبيرة ليست هنا، فالاتفاق مع البازعي أكثر من كلي.ولا أعتقد أن هناك ناقداً عربياً واحداً، حتى الأكثر تطرفاً، دعا إلى التخلص من الميراث كلياً. النقد الصارم لا يعني مطلقا التخلي عن التراث. أي تراث؟ لم تكن الأسماء التي استشهد بها البازعي طه حسين، العقاد، سلامة موسى ويمنى العيد، وغيرها، أقل التصاقا بالثقافة العربية وبتاريخها. من الصعب اختزالهم في الثقافة الغربية، كالقول إن الأصل الذي يصدر منه لويس عوض غربي؟ ومرجع العقاد إنجليزي؟ وعقلانية طه حسين فرنسية؟ وسلامة موسى من اليسارية الأوروبية؟ مع أن مفهوم اليسارية هنا، لا يعني شيئاً مطلقاً، لأنه مفهوم سياسي يحتمل الكثير، بينما بقية المفاهيم التي وردت، هي معرفية. تأويل كلام يمنى العيد نحو هذا المنحى فقط لتأكيد التصور المسبق لا يفيد النقد كثيراً «وهذا ما يضع نقدنا الحديث، المستفيد من هذه المناهج، في موضع القلق والاضطراب الدائمين، ويفرض عليه، للخروج من هذا الموضع، العمل على تأسيس فكر علمي في ثقافتنا قادر على المساهمة في إنتاج مناهج نقدية علمية لها صفة الكونية» ويعيدنا إلى قصة بروكوست المعروفة. عندما أثارت يمنى العيد هذه الإشكالية، كانت القصدية واضحة تماما. هي أن هناك معاناة نقدية عربية في البحث عن رؤية كونية، ولكنها لا تضع الرؤية الغربية مثار رفض مطلقا. ولا الرؤية العربية مثار تقديس مطلق. انتقال يمنى العيد من النقد التاريخي إلى النقد البنيوي، والنقد الثقافي، جاء وفق حاجة ثقافية والرغبة في عدم إبقاء النقد العربي سجينا لرؤى ليست دائماً صحيحة. فقد اشتغلت دوما على الثقافة العربية، مثلها مثل البقية التي سلف ذكرها . كل هذا لا يمنع هذا الجيل من النقاد والسابقين، من التقاطع مع عقلانية الجاحظ، وإبداعية المتنبي، وتأملية ابن رشد، وتاريخية ابن خلدون. أخيراً، وليس آخراً، تحية كبيرة لأخي الناقد المجتهد البوفيسور سعد البازعي، الذي فاز بجهوده الكبيرة بالأجرين، فقد منج النقد العربي مساحات جديدة للسجال العلمي بمؤلفاته الكبيرة والمميزة، وما ورد في نقاشي، الفضل الكبير فيه، يعود لرؤاه الاجتهادية التي تدعو إلى الكثير من المعرفة والتأمل، وتدفع بنا إلى الاشتراك معه في هذا المشروع الثقافي العربي الكبير الذي يهدف في النهاية إلى منح النقد العربي مكانته التي يستحقها وإخراجه من دائرة الاجترار والموت السريري الذي يشله عن أية فاعلية. نسيجٌ وحدُه الأستاذ محمد الحازمي : الدكتور سعد البازعي، موسوعة متنقلة، مفكر وباحث وكاتب، وناقد أدبي، أثرى المكتبة العربية بإصداراته العديدة، باللغة العربية وأبحاث باللغة الانجليزية، ويعدُّ شخصية نادرة في التعددية، والتأصيل، والتجديد ،ومن القليلين الذين جمعوا بين البحث العلمي والمؤلفات التي غلب عليها النقد الحصيف، وقد قرأت له بشغف كتابين ترجمهما من الإنجليزية وهما (المسلمون في التاريخ الأمريكي لجيرالد ديريكس 201جدل العولمة: نظرية المعرفة وسياساتها لنغويي وا ثيونغو 2014) نشاطه وتسخيره وقته وجهده في البحث والتدقيق والنقد وكتابة المقال، يجعل المتابع يدرك أن البازعي كرَّس ويكرِّس نفسه للعلم والمعرفة، وأعشق أسلوبه المميز، وبراغماتيته، إلى جانب طريقة تناوله في كتابته لمواضيع لم يتطرق لها أحدٌ من حيث الزوايا التي ينظر منها وأسلوبه السهل الممتنع المتوج بإقناع معمد بخبرة وعلم، إضافه إلى أنه محاور ذكي ولبق من خلال لقاءات أجربت معه بالإذاعة أو في ردوده على أسئلة بعد كل ندوة أو محاضرة ببديهة سريعة، يجيب بما يرغب هو بإيصاله للمتلقي لا بما يريده منه. المحبة والوفاء الأستاذ / تركي محمد السديري : بدأت علاقتي مع أخي وصديق العمر الناقد والمفكر الأستاذ الدكتور سعد البازعي في سن مبكرة عندما كنا طلابًا في السنة الخامسة الابتدائية. كان يقتني كتب مكتبة الطفل ويشركنا معه في قراءتها. ثم تطورت الكتب والقراءة تدريجياً مع التقدم بالدراسة والعمر معاً. في المرحلة الثانوية كنا نلتقي مع بعض الأصدقاء ممن لهم اهتمام بالأدب والثقافة ونتناقش كثيراً بهذا الشأن وبالشأن العام وما يدور حولنا من أحداث.. ثم خصصنا يومًا بالأسبوع يتحدث فيه واحد منا عن كتاب أو شاعر وبعد أن يلقي موضوعه يبدأ النقاش والتفسير والجدل حول نفس الموضوع. افترقنا بالدراسة الجامعية، كل بتخصص، ولم نفترق في اهتماماتنا بالأدب والثقافة. غادر إلى الولايات المتحدة لتكملة الدراسة ولم ينقطع التواصل ليس معي فحسب بل مع أغلب الأصدقاء، فالوفاء من شيمه الثابتة. وعندما عاد للوطن متحصناً بالعلم كان محفزاً لي (وللكثيرين غيري) على القراءة. أهداني جميع مؤلفاته بدءاً من ثقافة الصحراء وحتى مواجهات السلطة. أقلقني كتابه (قلق المعرفة) ربما لأنه وجد في نفسي قلقًا مماثلاً. جميع مؤلفاته يتزين بها عقلي وتسعد مكتبتي الصغيرة باحتوائها لتلك الكتب القيمة. ما لبث يحثني على الكتابة حتى تجرأت بدعمه وأصدرت مجموعة قصصية وروايتين. الأستاذ الدكتور سعد ليس صديقاً فحسب بل إنه أخ لم تلده أمي، مهما قلت عنه فلن أفيه حقه، وسيبقى قامة هامة في أدبنا السعودي المعاصر. كل الشكر لصحيفة الجزيرة على إتاحة الفرصة لي للحديث عن هذا الرمز وأخص الأستاذ محمد هليل الرويلي محرر ثقافي بالشكر الجزيل على جهوده في نشر الثقافة. حشد المحبة والتقدير علمياً وإنسانياً وقال الدكتور أحمد قران الزهراني من كلية الاتصال والإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة : سعد البازعي من أولئك المثقفين الذين يحشدون المحبة والتقدير علميًا وإنسانيًّا، حتى وإن اختلفت مع رأيه لا تستطيع إلا أن تحبه وتحترم وعيه وثقافته وتعتز باسمه كمثقف سعودي معروف على الساحة الثقافية العربية. لقد كان سعد البازعي في الثمانينات والتسعينات من القلة القليلة من المثقفين السعوديين المعروفين عربيًّا والمؤثرين في المشهد الثقافي العربي، ولم يأت ذلك مصادفة وإنما جاء من خلال ما قدمه للساحة الثقافية من نتاج ثقافي وعلمي تعدى المحلية إلى العربية فضلا عن مساهماته في المجلات العربية ومساهماته في الترجمة. حينما نحتفي بسعد البازعي فنحن نحتفي بصاحب منجز ثقافي كبير نفاخر به محليًّا وخارجيًا، فالدارسون والباحثون يعرفون ويقدرون ما أنتجه للساحة الثقافية، حيث أصبحت كتبه وأبحاثه مراجع علمية تضيف للدراسات بعدًا جادًّا وقيمة علمية. الدكتور سعد البازعي راق في تعامله، واع في أفكاره ورؤاه، لا يتعالى على الآخرين ولا يستنقص منهم، لهذا يتمتع بعلاقات مثالية مع المثقفين السعوديين والعرب، وما فوزه بجوائز أو ما يجده من حفاوة إلا لأنه يستحق ذلك على المستوى العلمي والإنساني. مؤسس واعٍ وراعٍ للمواهب وقال الدكتور محمد عمر منور: الأستاذ الدكتور سعد البازعي أديب وناقد وعلم من أعلام النقد التنويري في الأدب السعودي كان حريصا ًشديد الحرص على المشاركة في الحركة الأدبية السعودية من خلال ما قدمه من قراءات ومقاربات نقدية في الندوات والفعاليات الأدبية والنقدية التي شكلت خارطة الحركة النقدية في المملكة العربية السعودية من خلال منابر الأندية الأدبية السعودية والفعاليات الثقافية التي زخرت بها الساحة الأدبية السعودية والعربية، وكان حريصًا على إثراء الخطاب النقدي السعودي، وخير معرف بالأدب السعودي خارج الوطن وإبراز مكانته بين الخطابات الأدبية العربية، شارك الدكتور البازعي في الحلقات النقدية التي كانت ترعى المواهب الإبداعية الأدبية والنقدية السعودية، وكان مؤسساً وراعيًا لأهم حلقة نقدية شهدها نادي الرياض الأدبي وهي حلقة (الاثنين النقدية) التي استمرت نحو عقدين من الزمن وأثرت ساحتنا النقدية بالعديد من أدباء الحداثة ونقادها من الجيل الثالث في الحركة النقدية السعودية، وكانت وراء تشكل عدد من القامات الأدبية والنقدية من جيل الحداثة، بجانب ذلك فإن الدكتور البازعي كان ناقداً أصيلاً أفاد مما درسه في الغرب من مذاهب ومناهج نقدية في دراساته ونقده للمدونة الأدبية العربية بعامة والسعودية منها بخاصة تناول في نقده فنون الأدب من شعر وسرد ومسرح وفن تشكيلي، وما كتبه في كتابه (ثقافة الصحراء) يدل دلالة على ما قدمه للساحة الأدبية المحلية من رؤى نقدية جديدة وحديثة، لقد حاول البازعي في هذا الكتاب أن يبرز أثر الصحراء في الحداثة الشعرية السعودية لقد كان البازعي أصيلاً في حداثته فاعلاً في إظهارها وتشكلاتها في ساحتنا الأدبية المحلية، لقد كان حريصًا على إنتاج حداثة أدبية نابعة من ثقافتنا العربية مستفيدة من الرافد النقدي الأجنبي لها شخصيتها المستقلة، بجانب ذلك لم ينس البازعي أنه أستاذ أكاديمي فأخرج لنا كتبه: الغرب في النقد العربي الحديث، سرد المدن، المكون اليهودي في الحضارة الغربية، ودليل الناقد الأدبي مع زميلة الديكور فيحان الرويلي، إحالات القصيدة، أبواب الذهب جدلية التجديد، الموسوعة العربية العالمية في طبقتها الثابتة رئيس تحرير). البازعي.. ورسالة المثقف من جهتها ، قالت الدكتورة مها العتيبي : د. مها العتيبي : بنى الأستاذ الدكتور سعد البازعي صورة عميقة للمثقف السعودي من خلال القراءة الواعية لثقافة الآخر وما يقدمه من نقد أدبي ونقد ثقافي قائم على هذه المعرفة النقدية والفكرية واللغوية تجسد عنه إصدارات وكتب ثقافية ونقدية متنوعة وعدد كبير من الدراسات البحثية المنشورة ومشاركته في العديد من المؤتمرات بالإضافة إلى جهوده في مجال الترجمة. وحمل الدكتور البازعي رسالة المثقف التي من أولوياتها المساهمة في بناء الثقافة المجتمعية من خلال ما يقدمه من مضامين فكرية في المحاضرات التي يلقيها في المحافل الأدبية والملتقيات الثقافية والتي نقل بها هذا الوعي الأدبي والفكري من النخبوية إلى المهتمين بهذه المضامين من المتلقين والشباب. ظاهرة استثنائية الدكتور سحمي الهاجري ، قال عن الأستاذ الدكتور سعد البازعي :تحتفلُ الأمم والشعوب برموزها ومبدعيها, وتعتبرهم من عناوين حيويتها وحقيقة تطلعاتها. هذه مسألة جوهرية. ولكن ماهي معايير الرمز؟. لعل الإمكانات الذاتية وأصالة الموهبة هي الأساس, ثم التأهيل الراسخ, وسعة الاطلاع والمتابعة, والتطور المضطرد, والانتظام والاستمرارية, والحضور الدائم, والعطاء المتنوع, ورحابة دوائر الانتشار والتأثير. في هذا السياق يحضر اسم الدكتور سعد البازعي باعتباره واحداً من أبرز رموزنا وأكثرهم نتاجاً وفاعلية. وأعترف سلفاً أنني أكتب تحت ضغط الشعور بالتقصير المؤكد, ولذلك سأُعَبِّر في حدود تقصيري, وبما لا يرقى إلى قامة المحتفى به, أو يحيط بما حققه في مسيرته الحافلة؛ فماذا عساي أن أكتب في حيز ضئيل, عن قامة معرفية وفكرية ونقدية وثقافية سامقة, ليس على المستوى المحلي فحسب, بل على المستوى العربي الكبير. تشرفت بمعرفة الدكتور سعد البازعي مبكراً, منذ أيام الدراسة الجامعية, وأول معلومة يمكن تدوينها هنا, أنه دائماً وفي كل المراحل, كان ولا يزال ذلك الإنسان الراقي المثقف الطموح الخلوق المحب للجميع, والمراعي في كل الأحوال لحقائق الواقع واحترام السمت الاجتماعي العام, وأشهد أن الزمن ما زاد تلك السمات إلا عمقاً ورسوخاً وتأصيلاً على مدى كل النجاحات التي حققها؛ معيداً ومبتعثاً وعضواً لهيئة التدريس بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة الملك سعود, حتى حصوله على درجة الاستاذية, ثم عضويته في مجلس الشورى. وهنا لا بد من الوقوف عند جزئية هامة, وهي أن الدكتور سعد شكل ظاهرة استثنائية, وإن لم تكن فردية عموماً, في انفتاح منسوبي الجامعة وأعضاء مجلس الشورى على المجتمع, بكل هذا القدر من القبول والعطاء المشهود والمؤثر, وخير مثال على ذلك نشر الوعي والمعرفة بين أوساط الشباب في وسائل التواصل الاجتماعي, وتبسيطها لهم والتبسط معهم, وهي مهمة ليست باليسيرة على كثير من الأدباء والمثقفين الكبار. وإذا كانت الناحية الشخصية والأخلاق الذاتية, لا يعرفها من جذورها إلا الدائرة الضيقة من أصدقائه المقربين, فإن ما يظهر لعموم الناس هو الأشهر والأبقى, وهو إنتاجه العلمي الفكري والأدبي والنقدي والثقافي, بداية من ثقافة الصحراء, وإحالات القصيدة, ودليل الناقد الأدبي(بالاشتراك), وأبواب القصيدة, واستقبال الآخر, وشرفات للرؤية, والمكون اليهودي في الحضارة الغربية, والاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف, وجدل التجديد, وسرد المدن, وقلق المعرفة, ولغات الشعر, ومواجهات ثقافية, ومشاغل النص واشتغال القراءة, وهموم العقل, ومواجهات السلطة, والمسلمون في التاريخ الأمريكي (ترجمة), وجدل العولمة عن نظرية المعرفة وسياساتها (ترجمة). وكلها وسواها ناقشت ببصيرة ثاقبة قضايا هامة ومفصلية فكرية ومعرفية وجمالية, وشكلت دائرة واسعة عبرت عن أصالة الموهبة, وكثافة التأهيل, وسعة الاطلاع, والدأب العلمي الخلاق, والقدرة على الربط بين الأفكار الكبرى والأمثلة المعبرة من الواقع قديماً وحديثاً, وتمثلات كل ذلك في الإبداع الأدبي العربي والغربي, بنصوص يجري اختيارها بقدر عال من العناية والمهارة. جانب آخر لا يقل أهمية عن المؤلفات, بل لعله النهر العريض التي تعشوشب المؤلفات على ضفافه, وهو الحضور الدائم والفاعل في جولات واسعة من النشاطات المستمرة, لا يكاد المتابع قادراً على الإحاطة بكل جوانبها, تأسيساً ورئاسة وإدارة ومشاركة فاعلة, ولا يتسع المقام والمساحة لسرد تفاصيلها, أو لتعداد مناسبات التكريم والإشادات والجوائز التي حصل عليها. وأخيراً .. أعود إلى عنوان هذه المشاركة (نموذج الرمز) وأقول: حين تجد الفكرة أو الحالة عنوانها بسهولة, فمعناه أنها تبلورت وتأكدت بشكل نهائي. وما الجوائز العربية التي نالها مثل جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في عام 2017م في مجال النقد الأدبي إلا تقدير لجهوده البارزة على مستوى العالم العربي في التأليف والنقد المكون الحضاري كما قالت الدكتورة تغريد الطاسان : بلادنا منبع الكفاءات ومهد المبدعين، وجيل بعد جيل تبرز أسماء وتظهر للمشهد الثقافي، لتكمل مسيرة من قبل وتمنح من بعد، مفاتيح ودروب للعلم والثقافة والإبداع.. الدكتور سعد البازعي أحد أهم النقاد في المشهد الأدبي العربي والدولي، مجرد أن نذكر اسمه يبدأ الآخر في التعرف علينا والحوار معنا في موروثنا الثقافي والأدبي.. ولا زلت أذكر في زيارتي لمعرض فرانكفورت في ألمانيا، كيف هو حضور الدكتور سعد في المشهد الأدبي من خلال تناول المثقفين الأجانب لأطروحاته خاصة كتابه «المكون اليهودي في الحضارة الغربية» وكتابه «ثقافة الصحراء»، وكيف أن مجرد ذكر اسمه عندهم نجد مساحات مشتركة للحوار معهم تجعل للثقافة السعودية مكانة بين كل الثقافات الأخرى.. وكلنا يعلم أن الدكتور سعد البازعي مهتم في أطروحاته للموضوعات التالية العولمة والهوية والتفاعل الثقافي، التي من خلالها يحاول ربط أزمنة وأمكنة الأدب ببعضها لصناعة محتوى مختلف ومتميز. الدكتور سعد لا يسكن برجا عاجيا، ولا يصنف كنخبوي لا يتجاذب الحديث مع العامة، بل يتعدى دوره للفئة البسيطة، وحضرت له أكثر من ملتقى وأمسية ثقافية تحت مظلة جمعية الثقافة أو النادي الأدبي، ورأيت حرصه على الكل وتجاوبه مع الجميع وتفاعله مع النصوص والرؤى النقدية من جميع الأطياف، وأثارني بساطته في الحوار وحسن إنصاته واهتمامه بالآخر.. أصبح وجود اسم الدكتور سعد في فعالية أو حصوله على جائزة، يمنح المؤسسة تميزا ونجاحا يسجل لها.. وريادة الدكتور سعد تستحق أن تسجل وتؤرخ، ولعل فرصة مناسبة هذه الاحتفالية به أن نتمنى على شخصه الكريم أن يوثق سيرته الذاتية في قالب يحفظ للنقد الأدبي السعودي تاريخه، ويحفظ له منجزه ويرصد لنا تطور مشواره. تعرفه المكتبة ورفوفها وقالت الدكتورة مريم الخالدي : حين دعيت للكتابة في يوم الاحتفاء بالناقد الأستاذ الدكتور سعد البازعي ترددت قبل قبول الدعوة؛ لا لشيء سوى لأن من يكتب عن قامة نقدية سامقة لا بد أن يمتلك مدادًا يوازي إنتاج هذا الرجل الأكاديمي الخبير، ولو لم يكن منه سوى تفانيه في خدمة كلية الآداب الكلية العريقة في جامعة الملك سعود لكفاه هذا العطاء عن كل ما قدم، بيد أنني في هذه المساحة -ونحن في حضرة رجل تعرفه المكتبة ورفوفها- أثرت الكتابة عن كتابه «المكون اليهودي في الحضارة الغربية»؛ جاء الكتاب في 424 صفحة وهو صادر عن المركز العربي الثقافي، هذا الكتاب العميق الذي بسط فيه الدكتور الشرح والتحليل عن الشخصية اليهودية التي تطل برأسها في كتابات أصحابها وإن حاولوا إنكارها، وبعد قراءة متأنية لهذا الكتاب لا بد من التأكيد على هذه الكلمات التي ذكرها الدكتور في كتابه: «من غير الصحيح فهم الكتاب بوصفه سعيا إلى إبراز مساوئ اليهود أو أخطائهم أو عيوبهم»؛ فهو كما ذكر لم يقم برصد عيوبهم وتتبعها ومحاولة تسليط الضوء عليها بل كان ينشد الإجابة على سؤالين: هل هناك حقا إسهام ثقافي، فكري أو إبداعي، يمكن وصفه ب«اليهودي»؟ ، ثم إذا كان هذا الإسهام موجودًا فما حجمه وما هي أهميته؟، ساعد -وضوح منهج الدكتور- في الإجابة على هذين السؤالين؛ فقد كان موضوعيًّا يدعم مؤلفه بالنماذج، وقد بين ذلك حيث يقول: «من عنوان الكتاب كان المسعى إلى إبراز العناصر الثقافية اليهودية وذلك من خلال ثلاث عمليات: التأريخ والتحليل والتقويم، وإذا كانت عملية التحليل والتقويم لا سيما الأخيرة تتضمن الحكم فإن الحكم لم يكن دائمًا ضد اليهود وإنما كان أحيانًا في صالحهم»، أما إجابة السؤال الذي كان يراودني قبل قراءة الكتاب فقد عثرت عليها مرارًا في نصوصهم وبين السطور. قطرة مطر:بعض منك اسمك ومهنتك وكلماتك، غير أن عقيدتك كلك! «وِفادة الآخر».. وقفة امتنان.. الأستاذة بثينة الإبراهيم : ليست معرفتي بالدكتور سعد البازعي حديثة العهد، أو أنها تعود إلى تاريخ العمل المشترك في ترجمة كتاب «الأخلاق في عصر الحداثة السائلة» لزيجمونت باومان، بل سُبق ذلك بنوع آخر من الشراكة -إن صح التعبير- حين كنت أشارك «عبر الأثير»، ومن خلال الصديقة أ. سارة الرشيدان في الملتقى الأدبي الذي يشرف عليه د. البازعي، واعتبرت عضوًا فاعلاً فيه، رغم موقعي البعيد عنه جغرافيًا، إذ كنت حينئذٍ في مصر. وإن اتفقنا على كون القارئ شريكًا في العمل الذي يقرأه، وفقًا لما تراه نظريات القراءة، فإن هذا يجعل الشراكة قد بدأت قبل ذلك بكثير. حيث كنت قارئة «لحوحة» للغاية لأعماله، وأناقش وأكثر من النقاش، فيرد على كل النقاط التي أثيرها بأناة وحلم وسعة صدر. وقد يكون هذا كله معروفًا لكل من قرأ للبازعي أو حضر له محاضرة أو ناقشه في قضية ثقافية، سواء أكان ذلك في العالم الافتراضي (وأعني به منصات التواصل الاجتماعي بأشكالها)، أم في العالم الحقيقي (في شكله الفيزيائي رغم أنه لا يكون حقيقيًا في أحيان كثيرة!). ثم جاء كتاب باومان ليعزز ما سبق، إذ كان العمل عليه عتبة لمرحلة جديدة في سلم اهتماماتي الثقافية، فقد منحتني التجربة الفريدة حقًا الكثير مما يمكنني الاستناد عليه في عملي اللاحق في الترجمة على كل الأصعدة، بدءًا من تقنيات الترجمة على اختلافها، وانتهاءً بأمور التحرير والتنسيق، هذا علاوة على الزهو الذي امتلأت به نفسي لوجود اسمي على غلاف الكتاب، إلى جانب اسم ناقد حصيف له وزنه في المشهد الثقافي العربي مثله. غير أن أكثر ما أثّر بي في وقت العمل على الكتاب هو مرض أمي، وقضائي الساعات الطويلة في المستشفى خارج غرفة العناية المركزة، على أمل أن تستعيد عافيتها وتتغلب على المرض، لتتمكن من رؤية الكتاب الذي فرحت به كثيرًا. غير أن إرادة الله شاءت أن ترحل أمي قبل أن يتحقق هذا. وأكثر ما أذكره لأستاذي البازعي، رغم أنني لست بحاجة لتذكّر صنيعه لأنني لا أنساه، مساندته لي في تلك اللحظات العصيبة، وسؤاله المستمر عن صحة أمي، ومواساته لي بعد رحيلها، ثم تفهّمه لما مررت به إثر ذلك، وتسامحه في اضطراب مواعيدي في تسليم جزئي من العمل، واضطلاعه بمعظم مهام التواصل مع الناشر، إن لم يكن كلها. لقد أحسن د. سعد البازعي «استقبال الآخر» (أنا وسواي)، وكان في ذلك مثلما وصف مارتن بوبر من العلاقة بين الأنا والأنت، التي يراها مستقلة عن الزمان والمكان، فتتميز بالتبادلية الحوارية. ولم يكن ينظر حتى للمختلفين معه من خلال ثنائية الأنا- الهو (التي شرحها بوبر أيضًا)، التي لا تعدو كونها نوعا من الحوار الداخلي مع الذات «المونولوج»، بل آمن بوجود الآخر المختلف الذي يجعل العلاقة ندية، (دون خصومة بالضرورة)، ليكون الحوار مسعى للتداني بدلاً من التنائي. لا أظن أن لديّ كلمات تفي د. البازعي حقه، لكنها محطات قليلة، ولحظات قصيرة مهما طال زمنها. كما أن هذه ليست شهادة، كما يُفترض بها، بل هي وقفة امتنان متواصلٍ وممتدّ. البازعي خارج النص وداخله وقال الدكتور الأستاذ صالح زيّاد : لم ينغمس الدكتور سعد البازعي، وهو أحد الذين احتفلوا بالنص الحداثي في الأدب السعودي منذ فورته والصدام معه في ثمانينات القرن الميلادي الماضي وما تلاها، لم ينغمس في النص، على نحو يقطع مع المؤلف والتاريخ والواقع، وهذا ما ابتدرته في تلك الآونة الوجهة النصوصية التي دخل الفكر النقدي الأدبي معها في المملكة، إلى منعطف اختلاف تغيرت معه عادات التصور للأدب وتلقيه. ويمكن في ضوء اختلاف الدكتور البازعي على ذلك النحو، أن نقف في دراساته النقدية والثقافية على ثلاثة ملامح: 1- تحاشي الوقوع في مدار نظري مغلق، بتفادي التسمية والتحديد لمنهج نقدي تجتمع عليه دراساته، وتنحصر فيه. وهذه ممارسة واعية لدى الدكتور، أعني أنها تنطوي على إرادة وقصد، يترجمهما تصريحه بعدم تحديد المنهج وتسميته، في مقدمة بعض كتبه التي جمعت دراسات مختلفة، كما في مقدمته -مثلاً- ل«ثقافة الصحراء» (1991م) و«إحالات القصيدة» (1999م) و«شرفات الرؤية» (2005م) وسكوته عن ذلك في كتب أخرى. 2- الميل إلى مقاربة النصوص في سياقاتها الثقافية والاجتماعية والتاريخية، مقاربة تعقد بين تلك السياقات وبين اختيارات النصوص الأسلوبية وظواهرها وإحالاتها المرجعية، روابط تعليل وتبرير واكتناه للمعنى وتأوُّل له. 3- بروز أسئلة الهوية والأصالة والخصوصية، من حيث هي قيمة مطلوبة اجتماعيا ومن ثم فنيا وجماليا، ومن حيث هي مكوِّن معرفي يقتضي التوثيق والتأصيل للأفكار والمصطلحات والظواهر، ومن حيث هي عائق دون الانفتاح على الآخر، و حاجز دون تلاشي الذات وسيولتها. وتبدو لي هذه الملامح جزءا من معالم القيمة والتميز في جهد الدكتور البازعي الأدبي والثقافي والمعرفي. فالتحاشي لتسمية المنهج وتحديده نظريا، لا يعني افتقاد دراساته للمنهج، بل هي دراسات تتوافر كل منها على حدة، وتتضام في مجموعها، على خطاطات ذهنية، تكشف عن معان، وتدلل على تفسيرات، وتَخْلُص إلى نتائج، وتترامى إلى إغناء الوعي بالنصوص والظواهر والموضوعات التي تدرسها. ولنقرأ الوعي بافتقاد التحديد للمنهج قَبْلياً في مثل قوله في مقدمته ل«ثقافة الصحراء»: «الوسيلة أو المنهج الذي حاولتُ في محتويات الكتاب أن أحقق من خلاله شيئاً من أهداف النقد ليس في مقدوري أن أحدده تحديداً دقيقاً لأسباب عدة منها: أنه لا يندرج بسهولة ضمن أي من التيارات الرئيسة التي أعرفها، ومنها أنني لم أسع إلى بلورة أطروحات منهجية قبلية والسير على ضوئها». وقد يتيح الانعتاق من تحديد المنهج، الانفتاح على المناهج المختلفة، وهي الممارسة التي أثنى عليها أمثال ستانلي هايمن. ولها قيمة تستمدها مما تفيضه الحرية عليها، إذ تتيح تجوالاً داخل النص وخارجه، وتبرأ من أسر التحديد وحصاره، ومن الانغلاق في مدار من مدارات النص دون غيره. وهناك نقاد من منازع فلسفية وسياقات ثقافية مختلفة لم يرضخوا لحدِّية المنهج وضيقه، فبدت في دراساتهم النقدية المُجَاوَزة لمدار نظري مغلق، والانفتاح على منافذ مختلفة لوصف النص وما يعبِّر عنه من وعي؛ نذكر منهم على سبيل المثال أسماء بحجم: ماثيو آرنولد، وسارتر، وريشار، وستاربنسكي، وجوزيف ميلر، وإحسان عباس، وعز الدين إسماعيل. وليس معنى ذلك الوقوع في شتات المناهج وتلفيق تناقضاتها، على طريقة ما يُسمى لدى بعض الدارسين «المنهج التكاملي»؛ لأن الممارسة النقدية على هذا النحو مضطربة ومائعة ومفتقدة للمنظور المعرفي. وإنما القصد أنها تُنْتِج تركيبها المنهجي باستمرار، وفقا لغرضها وموضوعها، وبما يكشف عن مرونتها الذهنية. ومحاولة التركيب المنهجي لدى البازعي، تبدو على سبيل المثال، في قوله في المفدمة نفسها: «بعض المفاهيم التي أطرحها تميل بي نحو منهج أو مدرسة اجتماعية – ثقافية في النقد الأدبي، لكنني أدرك في الوقت نفسه أنه إن كان ثمة شيء من ذلك فإنه لم يأت كفرضية مسبقة، وإنما كتشكل تال لقراءاتي في الأدب وغير الأدب. بل إنني في تلك الأحيان التي أحس فيها بضغط تلك المفاهيم، أحاول الخروج من أسْرها بإعطاء الأبعاد الجمالية شيئاً من حقها، إن لم يكن حقها كاملاً». وهذا من مقدمة كتابه الأول، لكنه يمتد بما يتضمنه من رؤية وما يدلل عليه من إجراء إلى معظم كتبه إن لم يكن كلها؛ فنراه يعزف -من الوجهة النظرية- عن تصدير الكتاب بتحديد للمنهج، ويميل -في الممارسة- إلى المراوحة بين الوصف للظاهرة أو النصوص، والتفسير والتبرير التعبيري والثقافي والاجتماعي؛ ابتداء من أوصاف الموضوع المختارة أو المفترضة، وانتهاء بالإطار العام الثقافي الاجتماعي، أو العكس. أما إذا نحن أمعنا النظر في ميل الدكتور البازعي إلى مقاربة النصوص في سياقاتها الثقافية والاجتماعية والتاريخية، بما يَعْقِد معاقد العلاقة بين تلك السياقات وبين ما يخصِّص النصوص من شكل أو تعبير أو رؤية، فسنجد موقفا ثقافيا ملتزماً تجاه الحداثة والتقدم والاستنارة والتحرر وإثراء القيمة الجمالية والإبداعية، من موقع فكري واقعي مغاير منهجياً للموقع النصوصي، ومشابه له في الغاية. فلم تكن الحداثة طموحاً نصوصياً شكلانياً يخص البنيويين أو التفكيكيين وحدهم، بل كانت كذلك طموح الواقعيين والمثاليين والوجوديين بمختلف مشاربهم. فكلتا الوجهتين يتضمنان الرغبة في التحرر والنفور من التقليد والجمود الثقافي. لكن الأخيرين يؤكدون على حضور الذات بالمعنى الفردي والاجتماعي؛ حضورها كوعي وموقف وإرادة وراء الخطاب، أما الأولون فإنهم لا يبالون بالذات من حيث موقفها النضالي والسياسي وحضورها ونيتها، فما ينطوي عليه النص من خلخلة للغة، هو لديهم مجال الالتزام والتحرر، ومدار الوظيفة الإبداعية. ولقد كانت هذه الذات بدلالتها على التمركز في الحضور، مبدأ صلبا لدى الدكتور البازعي، يتكشف في إلحاح سؤال الخصوصية والأصالة والهوية ومشتقاتها، في خطابه النقدي والمعرفي تجاه الأدب والثقافة. فالمبدع «لا يكون مبدعاً دون هذه الخصوصية» وهي حيناً خصوصية الذات بالمعنى التعبيري الذي يتصف الإبداع الفني فيه بعلاقته بذاتية المؤلف، علاقة الانفعال والعواطف، وحيناً هي خصوصية العلاقة بالبيئة الثقافية الاجتماعية التاريخية، كما هي «ثقافة الصحراء» التي غدت لديه -فيما غدت- قيمة خصوص واختلاف للأدب السعودي. وقد تلوح هذه الخصوصية ممزقةً بين عموم وخصوص؛ فالمبدع لديه «رهين ظروفه الحضارية» والشعراء الحداثيون «ملزمون بكتابة القصيدة الحديثة لأنهم مندغمون بظواهر العصر». وإذا كان التحديث يرينا «حدوث انتماء إلى الثقافة الإنسانية وإحياءً حقيقياً للتراث» فإن الحصوصية ترينا «بحث الشاعر عن موقعه المميز في ذلك الإطار» والهوية «استكشاف للتميز». وتبلورَ هذا الحضور في ضوء ذلك، في الأحداث التي تتعلق بها مناسبة القصائد تعلُّقَ العلة بمعلولها. والقصائد التي تعلقت بحصار بيروت، مثلا، تبدو في قراءة الدكتور البازعي حاملة لدلالة الحدث، في مرمى الدلالة على هموم الوطن العربي. وهو مبدأ الحضور نفسه الذي يفسر لديه نبوغ اليهود وحضورهم، في التكوين للحضارة الغربية، بسبب موقعهم التاريخي كخصوص اجتماعي ناله التهميش وحاصره العداء في تلك الثقافة. أما أكثر ما يلفت لدى الدكتور البازعي في إلحاح مبدأ الحضور عليه وهيمنته على المعنى، فهو حَمْلته في كتابه «استقبال الآخر» على النقاد العرب الذين لم يحسنوا -فيما رأى- فهم المصطلحات النقدية وما يتعلق بها من مناهج، فانزلقت عما أراده لها أصحابها، وما نطقت به عبارتهم عنها في لغاتهم الأصلية. لم يتقبل الدكتور البازعي من النقاد العرب، أن يفهموا الانعكاس أو البنيوية أو التفكيكية وغيرها، فهماً يخالف ما يرى أنه الحقيقة والأصل والصحة التي تنطق بها المصطلحات في سياق الآخر الغربي، بتجريدها عن أن يعتور فهمها ما يعتور «رحلة النظرية» وتحولاتها أو ال«مس ريدنق» التي غدت عنوان كتاب لدى هارولد بلوم، وباتت من الوجهة التفكيكية والسيميولوجية صفة لازمة في كل قراءة، صفة لا تقتضي السلب دائماً. و ذلك على الرغم من اختلاف فهم الغربيين أنفسهم لبعضهم بعضا؛ فكانت الفكرة التي جاء بها جاك دريدا للتفكيكية، مثلاً، مختلفة في أفق فهمها وصياغتها نظرياً، عنده عنها عند رولان بارت، وعندهما عنها عند التفكيكيين الأمريكيين الذين لم يتطابق مفهومها من وجهتهم عند بول دي مان معها عند هارتمان أو معها عند هارولد بلوم. ولكن الدكتور البازعي بقدر مابدا أنه شديد الإلحاح على فهم المعاني وممارستها وإنتاجها وفق مبدأ الحضور، كان يلح على أن «كل هوية ملوَّثة» أي أنها لا تحمل النقاء والأصلية والأحادية التي يفترضها مبدأ الحضور، وكان يستشعر العموم الذي يتبادل مع الخصوص المنازعة والخرق والتمزيق، كما كان منحازاً إلى الحداثة الأدبية من حيث هي تجل ل«الإيمان بالحركة والتغير». وهذا يعني أننا لدى الدكتور البازعي بإزاء خطاب مركَّب نظريا ومنهجيا بشكل متوتر. لذلك أرى أن أحدا لا يستطيع أن يحلل الفكر المعرفي العربي الحديث تجاه الثقافة والأدب، وتجاه المعنى والقيمة، وتجاه الذات والآخر، من دون أن يكون جهد الدكتور سعد البازعي، ضمن ثُلة متنوعة من المفكرين والنقاد العرب، حاضراً بما يثيره من أسئلة، وما يمثله خطابه من تدافع وتركُّب نظري. لدكتور البازعي أكثر من اثني عشر كتاباً وهي حصيلة كبيرة في التأليف بما اشتملت عليه من موضوعات وقضايا أدبية وفكرية تجاوزت الاهتمام بالأدب المحلي إلى الأدب العربي والعالمي وشملت الشعر والنثر والفكر والفلسفة، ذلك أن مجال البحث لدى الدكتور البازعي - المتخصص أصلاً بالأدب الإنجليزي لا تحده حدود، ترفده في ذلك ثقافته الواسعة في اللغتين والثقافتين العربية والإنجليزية. أن معرفة الدكتور البازعي الدقيقة بالأدب العربي والغربي قديمة وحديثة جعلته يكتب عن الأدب السعودي ضمن وعي بتحولات الأدب والفكر عربياً وعالمياً. حيث تجتمع في أعماله دراسات عن الأدب السعودي مع دراسات عن الأدب العربي والغربي. يقول إن في صميم اهتماماتي النقدية (هو إبراز التواشج بين السياق العام للشعر العربي المعاصر والسياق الخاص للتجربة الشعرية في الجزيرة العربية والخليج) كتاب إحالات القصيدة 1998 ص10 . أضف إلى ذلك أيضاً سياق الأدب العالمي الذي اهتم به اهتمامه بالأدب العربي، وهو بذلك يمثل استثناء بين معظم الأكاديميين العرب المتخصصين في الآداب الغربية الذين تقتصر اهتماماتهم على هذه الآداب دون التفات للأدب المحلي وبالتالي... لا نرى لتجربتهم الأكاديمية في تلك الآداب أي صدى في أدب ولغة بلادهم. ملاحظة أخرى وهي أن الدكتور البازعي يكتب النقد بلغة إبداعية سلسة وشيقة، فلا تكلف في استدعاء نظريات، أو كثرة الاقتباسات والإحالات، التي تحوّل النقد إلى إحصاءات وجداول تثقل العمل النقدي وتصرف القارئ عن متابعته. تقرأ للدكتور البازعي فلا تشعر بثقل التنظير ومزاحمته لك، وإنما تستمتع بأسلوب إبداعي وكأنه قطعة من الإبداع نفسه. وهذا ديدنه في كل كتاباته مما يمنحها جاذبية من المتعة والفائدة للقارئ المتخصص والعادي لأن التأمل في الجماليات يعني له تأملاً في ماهية الشعر. أما منهجه النقدي فيقول عنه (إنه لا يندرج بسهولة ضمن أي من اعتبارات الرئيسة التي أعرفها.. أنني أعلم أن بعض المفاهيم التي أطرقها تميل بي نحو منهج أو مدرسة اجتماعية في النقد الأدبي، لكنني أدرك في الوقت نفسه إنه إن كان ثمة شيء من ذلك فإنه لم يأت كفرضية مسبقة وإنما كشكل تالٍ لقراءاتي في الأدب وغير الأدب. بل أنني في تلك الأحيان التي أحس فيها بضغط تلك المفاهيم، أحاول الخروج من أسرها بإعطاء الأبعاد الجمالية شيئاً من حقها). ثقافة الصحراء ص12 . هذا الكم الكبير الذي بين أيدينا الآن من أعمال الدكتور البازعي، وتنوع دراساته بين الأدب المحلي والعربي والعالمي، وفي الثقافة والفكر عامة، تجعل من الدكتور البازعي ظاهرة نقدية بارزة في النقد العربي الحديث جديرة بالتأمل والتقدير. هذه وقفات عند عدد من أعمال الدكتور البازعي في سرد تاريخي، فيما توفر لي من إصدارات، الهدف منها تعريف القراء بهذه الأعمال بشكل سريع، لكن الزخم النقدي الذي حفلت به أعمال الدكتور البازعي والقضايا التي طرقتها تحتاج إلى دراسات متخصصة، تسبر أغوارها وتقف على تطوراتها وتعطي هذه الأعمال المكانة التي تستحقها. كتاب: ثقافة الصحراء 1991م هو أول كتاب يصدره الدكتور البازعي، جمع فيه عدداً من الدراسات التي نشرت في الصحف أو ألقيت من على منابر وفي الندوات واشتمل الكتاب على دراسات عن الشعر والقصة القصيرة في نماذج من البحرين والسعودية. ومعظم كتب الدكتور البازعي أوراق معدة سلفاً يتم جمعها في كتاب تحت عنوان يؤلف بين موضوعاتها ولكل كتاب مقدمة أو استهلال مهم يذكر فيه هدف الكتاب ويلقي الضوء على مصطلح أو مفهوم معين، كذلك يضع عنواناً فرعياً للكتاب وعناوين فرعية للفصول نفسها وهي كلها مما يساعد على وضع هذه الدراسات في إطار يقرب فهمه للقارئ. ارتبطت عناوين بعض الكتب وبعض الدراسات في المملكة بكلمة الصحراء من حيث دلالتها كأطر رئيسة: (يمكن من خلالها أن نقرأ الأدب في منطقة الجزيرة العربية كمعنى إنساني بيئي) ثقافة الصحراء، ص10 . ومصطلح ثقافة الصحراء يعزى للأستاذ الناقد عبدالله نور. لكن البازعي يعود للقول: (قد لا يكون فهمي أو تطبيقي لثقافة الصحراء منسجماً تماماً مع أسس هذا الإطار النقدي، وخاصة أنها تمتزج لدي مع نمطي الشفوية والكتابية أو تتضمنها على أقل تقدير) ثقافة الصحراء ، ص11. والحقيقة أن هذا المفهوم في ظني ما تزال دلالته غير دقيقة. وعندما صدر أول كتاب للمختارات في الأدب السعودي عام 1937ه بعنوان وحي الصحراء، لم نجد في مقدمة المؤلفين عبدالله بلخير ومحمد سعيد عبدالمقصود، أو مقدمة محمد حسين هيكل أي إشارة لكلمة الصحراء أو المقصود بها، وهذا أمر ينبغي الوقوف عنده والتساؤل عما يعنيه المسمى في تلك الفترة المبكرة من تاريخ الأدب السعودي. كتاب ثقافة الصحراء من الأعمال المبكرة التي تناولت أدب الحداثة أو الأدب الجديد كما يصفه البازعي، فالهدف هو: (تقريب المسافة بين أدب جديد وجمهور من المتلقين لم يألفوا ما في ذلك الأدب من جدة) ثقافة الأسئلة، ص11. واشتمل الكتاب على دراسات في موضوع الهوية المحلية وتجلياتها في النص الأدبي، وتداخلات القصيدة والوطن، والعشق والوطن، ومفهوم الحداثة في الشعر العربي الخليجي كمعاصر. ومصطلح الشعر الجديد والقصيدة الجدية وأخذ يكشف كيف استطاع شعراء القصيدة الحديثة أن يحدثوا التغيير في مسار القصيدة، وبذلك يضع الكتاب اللبنات الأولى للنقد الجديد في المملكة، ومحقق على مظاهر التجديد في قصائد عدد من شعراء التفعيلة، وتوظيف الأسطورة والرموز المحلية. وفي كتابه إحالات القصيدة قراءات في الشعر العربي المعاصر 1998م، ينشغل البحث: (باستحضار الشعر في إطار الطرح الثقافي بمعنى الانحياز إلى دلالات الشعر وسياقاته الثقافية بدلاً من تكويناته الشكلية وسياقه اللغوي المغلق داخلياً) إحالات القصيدة، ص8 ، وسؤال الثقافة هو مما يشغل الدكتور البازعي في دراساته منذ البداية. واجتمعت في هذا الكتاب قراءات في مرجعيات الشعر، العمودي والتفعيلي وقصيدة النثر. وهناك فصل عن شفوية الكتاب واستعادة الموروث الشعبي في القصيدة السعودية وعلاقة هذا الحضور للموروث بالتعبير عن هموم الوطن. ويظهر البازعي هنا سعة اطلاع على تاريخ الشعر النبطي ومعرفة دقيقة بأعلامه وموضوعاته، بل وفي الشعر الشعبي الحديث في كتاب جديد لم أطلع عليه بعد. وهذه المرجعيات هي التي تعطي للكتاب عنوانه: (إحالات). لكن الكتاب احتوى أيضاً على دراسات أخرى كثيرة مهمة ومتنوعة في الشعر السعودي والعربي وعناوين مثل: المثاقفة، قراءات في التمحور الشعري، استيلاد الشعرية وابتكار الجماليات، والخطاب الاستغرابي في الشعر السعودي. ويؤكد البازعي أنه ورغم تعدد عناوين فصول الكتاب وتنوع دراساته فالدكتور البازعي يؤكد أن هناك رؤية نقدية واحدة تدفعها في اتجاهاتها المختلفة، ولعلها هذه المرجعيات والإحالات. وتمثل قصيدة النثر حضوراً بارزاً في كتاب أبواب القصيدة 2004 ، كذلك حديثه عن بعض المفاهيم مثل الشفوية، والمثاقفة وبعضها ربما لم تكن شائعة في النقد السعودي آنذاك، مثل: جماليات العزلة، حيث يقول: (الكشف عن جماليات العزلة كشف عن قيم إبداعية ونقدية) أبواب القصيدة، ص18 ، وأن المتأمل في الجماليات يعني بالنسبة له تأملاً في ماهية الشعر، فيما يغدو بالشعر شعراً وما تغادر بقدرته الأشياء عاديتها وألفتها لتكتسب الدهشة وتضيء». أبواب القصيدة، ص17. وثمة كتاب بالغ الأهمية، ويدخل فيما يسمى نقد النقد. هو: استقبال الآخر، الغرب في النقد العربي لحديث 2004 . وعن سبب تأليف الكتاب يقول الدكتور البازعي: (النقد الذي اطلعت عليه وتمثل في بعض أقطابه يقوم على الكثير من التهالك على النظريات والمناهج الغربية والاستعجال في تمثيلها). استقبال الآخر، ص7. وما يزعج المؤلف هنا هو استقبال النقد العربي بالمعنى الذي يبرز خضوع الكثير من نقدنا العربي لمقولات ونظريات ومناهج ليست مناسبة دائماً، أو بالشكل الذي استقبلت به، ولم تستوعب في الغالب كما ينبغي) استقبال الآخر، ص5. في حديثه عن خصوصية السياق في النقد الغربي خصص الدكتور البازعي قسماً في الكتاب لتاريخ تطورات النظرية الغربية وسياقاتها وأعلامها: مثل، التيار الواقعي، الشكلاني، البنيوية والنقد الماركسي والتقويضي ثم تحدث عن الاستقبال العربي للنظرية الغربية وبداياته إلى العصر الحديث. وبين البازعي المشاكل التي وقع فيها النقد العربي الحديث في سعيه للمثاقفة مع الغرب، كما بين: الخلط وعدم الفهم في تطبيق هذه النظريات في العالم العربي وكشف عيوب بعض النقاد العرب الذين وقعوا في أخطاء جسيمة ومبالغة وادعاء بالابتكار والأسبقية في تمثل النقد العربي، الذين أساؤوا فهم المنهج النقدي الغربي.. والدكتور البازعي في نقده لاستقبال الآخر لا يعني موقفاً رافضاً لعالمية المعرفة كما يقول، ولكن: (المقصود هو موقف حضاري مستقل يستطيع التحاور مع الثقافة القادمة بتحليلها تحليلاً يحترم ما فيها من اختلاف واتفاق ويسعى للإفادة من ذلك كله، وفي الوقت نفسه ينتقد ما قد تنطوي عليه الثقافة من مغايرة في السياقات أو ما قد تدعو إليه من مواقف قد يتفق معها الدارس وقد لا يتفق) ص241. والكتاب مهم لما فيه منن رؤية موسوعية للثقافة والفكر الغربي ولفلسفته وتطورها عبر العصور، وكذلك الفكر الفلسفي والثقافي العربي في موضوعه بهذا الجهد العلمي الكبير الذي لا يتوفر إلا لمن يملك هذه المعرفة العميقة بالفكر العربي والفكر الغربي على حد سواء ويمكن أن نذكر بالمناسبة، كتاب دليل الناقد الأدبي الذي يحتوي على إضاءة لأكثر من سبعين تياراً ومصطلحاً نقدياً معاصراً والذي صدر للدكتور ميجان الرويلي والدكتور سعد البازعي قبل كتاب استقبال الآخر، والذي جاء هو الآخر من الشعور بعيوب ترجمة المصطلحات الغربية وسوء تطبيقها في الأدب العربي. والدليل يعتبر من أدق ما كتب في هذا الموضوع، وقد لقي احتقالاً واهتماماً كبيراً وصدى واسعاً في المملكة وفي العالم العربي. أما كتاب المكون اليهودي في الحضارة الغربية عام 2007 ، فهو كتاب ضخم ( 398 صفحة ) يقدم صورة شمولية لدور اليهود في الحضارة الغربية ويذكر أهم المؤثرين من علمائهم وتأتي أهمية الكتاب من ناحية علمية ومعرفية، لكنني أيضاً أعتقد أن الكتاب مهم للقارئ والباحث العربي بسبب الصراع التاريخي مع اليهود والعلاقة الملتبسة بهم مما قد يؤثر أحياناً على نظرتنا للفكر اليهودي في أي مكان. جاءت أبحاث هذا الكتاب في عناوين منها باختصار، الحضور اليهودي في إطار تاريخي، اليهود من التنوير إلى الخلاص، الحضور اليهودي في التاسع عشر، الأقلية الكاسحة، مكونات يهودية في النقد الأدبي، ومن الأسماء التي دار حولها الكتاب شتاينر، سبينوزا، دزرائيلي، فرويد، فروم، أدورنو، دريدا، هارولد بلوم وغيرها. ويهيأ لي أن الكتاب يندرج تحت مشروع كتاب: (استقبال الآخر). ويصب في أهدافه وهو عمل موسوعي ونقدي كبير، في النظرة للدور اليهودي في الثقافة الغربية. والمؤلف لا يخفى خوفه من سوء الفهم الذي أفصح عنه في الخاتمة «الذي يمكن أن يأتي من النظر للكتاب من إحدى زاويتين: «إما انه هجوم على اليهود أو أنه مديح لهم» ص396 . وهو بالطبع ينفي ذلك. ويقول (من غير الصحيح فهم الكتاب بوصفه سعياً إلى إبراز مساوئ اليهود.. وإن برز من ثنايا التأريخ والتحليل ما يمكن عده مساوئ أو أخطاء) ص396 ، لكن الكتاب لا يخلو في تحليله وتقويمه للمكون اليهودي من حكم لم يكن دائماً ضد اليهود وإنما كان أحياناً في صالحهم) ص392 . ونجد في كتاب شرفات للرؤية 2005 أيضاً شيئاً عن استقبال النظرية الغربية وأزمة الحضارة الغربية وكذلك أبحاثاً عن العولمة والثقافة، التفاعل الثقافي، المثاقفة علاقة ذلك باليهودية. وكأنه امتداد لبعض مؤلفات الدكتور البازعي وانشغاله بهم الثقافة والآخر كبؤرة محورية في دراساته. في كتاب جدل التجديد في الشعر السعودي 2009 م عودة أخرى للأدب السعودي بعد كتاب ثقافة الأسئلة، وكتاب إحالات القصيدة، لكنه الكتاب كله عن الشعر السعودي خلال فترة زمنية هي نص قرن، فالكتاب يأتي بتكليف من وزارة الثقافة والإعلام وهو كما يصفه الدكتور البازعي يتألف من قضايا مركزية أو بؤر تتجمع حولها أسماء وقصائد كان اختيارها لاتصالها المباشر بتلك القضايا أو البؤر التي تتجمع حولها مع مراعاة العوامل التاريخية قدر الإمكان). ص13 ،وهو يوظف رؤية نقدية تفسيرية للمشهد الشعري السعودي تتوخى الكشف عن جوانب لم تكن واضحة من قبل) ص14 . ويبدأ الكتاب بإضاءات أولية يؤرخ فيها للتجربة الشعرية في المملكة، ثم يبحث في آفاق التجديد عند شعراء رومانسيين ورمزيين، كالقرشي وأبو حيمد، والمسلم، والرمح والعيسى، ثم تأتي عناوين مثل جدلية الذات والآخر عند شعراء مثل القصيبي والحميدي وعلي الدميني وحسن السبع... وهناك فصل عن حداثة التفعيلة في جزأين ضم شعراء منهم محمد العلي، الحميدي أحمد الصالح والصيخان والثبيتي والدميني واشجان هندي وخصص الفصل الثالث عن قصيدة النثر تحت عنوان الطريق الآخر للشعر. بعد مفهوم ثقافة الصحراء الذي يعني استعادة الثقافة التي تتسم بها الحياة الصحراوية، في الإبداع الشعري، يأتي كتاب سرد المدن 2009 وهو عن الإطار القصصي بخطابه المدني واحتفائه بالمدينة وهمومها وتفاصيلها في الرواية والسينما، وكأنه خطاب المدينة، أو يمثل ثقافة المدينة مقابل مفهوم ثقافة الصحراء. يبحث الكتاب في أعمال روائية عربية وسعودية، وفي أفلام سينمائية، وهي المرة الأولى التي نجد فيها دراسة في النقد السينمائي، وفي الكتاب دراسة عن قصيدة النثر الذي يعتبرها الباحث من نتاج المدينة، لكن الدكتور البازعي لا ينكر مع ذلك، استمرار الصحراء محركاً للكثير من النتاج الأدبي والثقافي لاسيما الرواية عند تركي الحمد وأميمة الخميس، وبدرية البشر. في كتاب لغات الشعر قصائد وقراءات 2011 الفائز بجائزة الكتاب لوزارة الثقافة والإعلام، يقول الدكتور البازعي أن هذا الكتاب يسعى لاكتناه التجربة الشعرية، ومعايشتها. ونصوص الكتاب أصلاً بالإنجليزية، ترجمها الباحث نفسه وبلغت 15 نصاً جاءت من ثقافات مختلفة، تركية، إيرانية، هندية، إيرلندية.. إضافة إلى نصوص قليلة بالعربية تربطها قضية هموم الشعر وقضاياه، وفي الكتاب جهد الترجمة وجهد البحث والدراسة، ويطلع القارئ على نماذج شعرية عالمية قد لا تجتمع بهذا التنوع في مكان آخر مع ما تضيفه الدراسات حولها من إضاءات نقدية مهمة. في الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف 2011. يؤكد الدكتور البازعي في هذا الكتاب الاهتمام بثقافة الآخر، والثقافات المختلفة وكيفية فهمها والتعامل معها). ويعرف الاختلاف الثقافي بقوله: الاختلاف الثقافي عبارة يقصد بها الإشارة إلى الاختلاف بوصفه ظاهرة ثقافية وسمة رئيسة من سمات الثقافة.. أما ثقافة الاختلاف فالمقصود بها الثقافة المتراكمة نتيجة الوعي بالاختلاف والصدور عن ذلك الوعي ودراسته وتحليله الأمر الذي يُوجد تراكماً معرفياً وخبرة إدراكية، أو مجموعة من المعارف والخبرات التي تتألق فيها ثقافات نابعة من الاختلاف ص9 . في صفحات أولى من الكتاب يتحدث بإفاضة عن مفهوم (الاختلاف) فيقول إن «الاختلاف» مفردة شائعة اكتسبت بعدها مفهومياً واصطلاحياً نتيجة جهود بعض المفكرين الذين أسهموا في تعبئتها بحمولة دلالية معرفية جديرة بالاهتمام ثم يتحدث عن هذا المصطلح وتطور مفهومه، ويورد آراء ومواقف عدد كبير من المفكرين العرب وغير العرب عن الثقافات الأخرى مما ينطبق على مفهوم الاختلاف. وفي فصول الكتاب قضايا بحثية مثل قضايا المصطلح والمنهج مثل والآخر، والنظرية والتنوير، ونجد أن الثقافة وما تواجهه من سلطة ورقابة هي من المشاغل الرئيسة للدكتور البازعي. وفي كتب مثل مشاغل النص واشتغال القراء 2014 ، وكتاب مواجهات ثقافية 2014 ، وقلق المعرفة 2010م وهموم العقل 2016 . ويقول: وتعبير مواجهات وليس مقارنات تعني اهتماماً بنوع خاص من المقارنة، نوع يبتدئ فيه التوتر الشديد وتتسبب السياسة الثقافية في جعله ظاهرة مؤشكلة مواجهات ص9 . وكأن هذه الكتب الأخيرة ودراساته حول الرواية والشعر والرقابة والسلطة والهوية والثقافة بمثابة تمهيد لكتاب الدكتور البازعي الضخم: مواجهة السلطة 2018م الذي بلغت صفحاته 470 صفحة. والجدير بالذكر أن كتاب مواجهات ثقافية هي دراسات للدكتور البازعي باللغة الإنجليزية ترجمتها مهرة العتيبي. في جدل الألفة والغرابة قراءات في المشهد الشعري المعاصر 2016م، يصف الدكتور البازعي الكتاب بأنه: (وقفات عند ذلك الجدل، تلك العلاقة التبادلية التي يلد فيها أحد الطرفين الآخر، أو يستدعيه بالضرورة ليشكل الإنسان معادلة الرؤية الشعرية أو إحدى دلالاتها الكبرى. وأن إحدى مهمات الإبداع هي إزالة القشرة الصلبة التي يخلفها التكرار والعادة التي تتراكم بسبب ألفتنا للعالم) ص7 . يرى أن الشاعر «قارئ موضوع قراءته العالم، الطبيعة، الحياة الإنسانية ... إلخ وهو في القراءة يصدر عن حكم نقدي مسبق، حكم يرى أن ثمة ما يستحق الوقوف عليه والكتابة عنه، أن ثمة ألفة تستحق إزالتها بحثاً عن غرابة أو دهشة كافية، أو أن ثمة جانباً من الحياة تظلمه سطحية الرؤية وأن الوقت قد حان لكي يحفر أحد لإظهار عمق خاف أو أهمية مقفلة) ص10 . ورحلة الكشف عن الغرابة في الألفة والعمق في السطحي رحلة جماعية يبدأ بالشاعر/ الكاتب وتنتهي عند قارئ يحمل الرؤية ذاتها والهم ذاته) ص11 . يشتمل الكتاب على رؤية ماسحة للشعر الإنجليزي منذ 1945 إلى ما بعد السبعينات وموضوعات أخرى في جدل الألفة والغرابة ونقد لنصوص شعرية سعودية وعربية وغربية. مواجهات السلطة 2018م يقول: عنه الباحث: هذا الكتاب يقدم للقارئ عملاً إشكالياً، ربما أكثر إشكالية من كتابي السابق المكون اليهودي المقارب حجماً ص9 ، وأن المواجهة بين السلطة والثقافة لا تنحصر في السياسي من السلطات وإنما تمتد إلى الاجتماعي والثقافي وأحياناً الاقتصادي فالسلطة متعددة الوجوه. ص9-10 ، فكل سلطة سياسية، دينية اجتماعية اقتصادية والثقافة نفسها يمكن أن تعد سلطة بمعنى من المعاني، ويعرض للمواجهات المتكررة في الثقافة العربية بأنواعها مع ما يقابل ذلك في الثقافة الغربية ويرى أن أكثر السلطات قمعاً ومنعاً عند العرب والمسلمين الدينية والسياسية. هذا الكتاب هو موسوعة ثقافية ضخمة في موضوعه، فيه استقصاء شامل ينتقل بالقارئ عبر العصور في الفكر والأدب العربي، ومثلها في الفكر الغربي وأدبه، مناقشاً بالأمثلة والأسماء إشكالية الثقافة والسلطة.. في مواجهة السلطة في الثقافة العربية نجد مواجهات الشعر منذ النابغة الذبياني في العصر الجاهلي، ومواجهة الكتَّاب منذ المقفع، ومواجهة الفكر منذ الفارابي. وفي مواجهة السلطة في العصر الحديث نجد مواجهات رفاعة الطهطاوي والكواكبي وطه حسين وغيرهم. وفي مواجهة المشهد العربي المعاصر نجد العروي والجابري وأدونيس، وغيرهم.. ومواجهة القصيدة، ومواجهة النقد إلى مواجهات الاستشراق والفكر الغربي الحديث والمعاصر. وفي مواجهة السلطة في الثقافة الغربية. وفي مواجهة السلطة في الثقافة الغربية يلاحظ البازعي بأنه (عندما كانت الثقافة العربية عصر ازدهار من القرن الثامن وحتى الحادي عشر الميلادي كانت أوروبا تعيش ما يعرف بعصور الظلام التي أعطيت سقوط الدولة الرومانية في القرن الرابع الميلادي... ولم تسمح بتطور ذلك المنوع من المواجهات الذي عرفته الثقافة العربية في عصر ازدهارها وإن كان من غير المقصود غيابها تماماً) ص295 . وفي مواجهات السلطة في الثقافة الغربية نجد مواجهات العصور الوسطى أوروبا وللحداثة الغربية الرشدية.. ومواجهة الكنيسة، كذلك مواجهات عصر النهضة. والكتاب يحتوي على كم معرفي هائل من الأمثلة والشواهد وأسماء كثيرة لمثقفين غربيين وعرب الذين كانت أعمالهم عرضة للمواجهات مع السلطة... هذه الوقفة القصيرة لا تغني عن قراءة هذه الأعمال والوقوف عندها طويلاً، والورقة مجرد مشاركة احتفائية بالتجربة النقدية للدكتور سعد البازعي. من أين لك هذا ؟ د. يوسف حسن العارف افتتح حديثه عن الأستاذ الدكتور / سعد البازعي أبقوله : لم أجد مفتتحاً لهذه الورقة إلا هذه الخماسية الشعرية أحيي بها أخي وصديقي الأستاذ الدكتور سعد البازعي: صباحك مورق فاسمع: لساني بحبك ناطق، وكذا جناني فأما باللسان فحرف شعري إليك يمد – في حب – يدانِ وأما خافقي فأراه نبضاً البحر الخضم وقالت الأستاذة /أسماء بنت نايف المطيري : الأستاذ الدكتور سعد البازعي يزدان به من يكتب عنه، وينال من قدره ورفعته، وإنّي لأضيف بالاقتراب من حماه شرفًا كبيرًا إلى سيرتي؛ لأنّه عالم فوق العادة، وإنّ أقلّ ما يمكن أن يوصف به أنّه ثروة من ثروات وطني الحبيب، بها نزدهي أمام رصفائنا من أشقائنا العرب، ونحن نشدو متباهين به وبأمثاله متمثلين بقول الشاعر: « إنّ بني عمكم فيهم رماح»، فلسنا أهل مال ودعة ورغد عيش فحسب ولله الحمد ولكنّما لنا نصيب وافر وسهم ضارب في الفكر والعلم والثقافة والأدب، بفضل البازعي وأمثاله من علماء بلادي. لا أريد الحديث عن سيرة البازعي، وما يوم حليمة بسرّ، وذلك حديث قد سارت به الركبان، كما أنّي لا أجيد الحديث عن نقده وأدبه وثقافته وعلمه ومنجزاته فذلك أمر أتركه لأساطين الأدب والنقد والفكر، كما لا أحسن المؤانسة بأخلاقه وطيب معشره؛ لأنّي لم أسعد بالقرب منه، ولكنّها علاقة على سبيل المثاقفة أحاول فيها على عجالة أن أغامر بمقاربة ثقافية منهجية لاتجاهات الكتابة والتأليف عنده، وذلك من خلال عتبات عناوينه في كتبه وبحوثه ومحاضراته، فهي عتبات أكتفي بالوقوف عندها؛ لأنّي لا أجيد السباحة في هذا البحر الزاخر. إنّ أبرز ما يلفت النظر في كتابات البازعي دقة عناوينها وعمقها وحداثتها في آنٍ؛ ممّا يعبّر عن عمق فكره، ورصانة فلسفته فيما يكتب، فأقرأ له مثلًا «الذات وحضارة الآخر: البحتري وييتس» وهو عنوان بحث نشره في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، من قبل أن تشتغل الأنساق الثقافية بالآخر على نحو ما يجري الآن، وهو كأنّه بذلك يستشرف الصراع الحضاري الذي جاء بعد ظهور العولمة وتحول العالم إلى قرية، وأخذت فيها الذات لا تكاد تتمايز عن الآخر؛ ولهذا بعد أن طغت العولمة وأخذت سبيلها إلى تفاصيل حياتنا؛ كان البازعي جاهزًا بأدواته الثقافية والأدبيّة والنقديّة للتعاطي معها، ليرصد لنا هذا الصراع الحضاري بين الذات والآخر في مناحٍ شتى من الحياة، وبدت تلك جلية في كتاباته الفكرية والأدبيّة والنقدية، فكتب وحاضر في «تمثيلات الآخر ورحلة الاصطلاح»، و»المكوّن اليهودي في الثقافة المعاصرة»، و»صورة الغرب في الشعر العربيّ، و»الخطاب الاستشراقي في النقد الأنجلوأمريكي»، والخطاب الاستشراقي : المسلمون في الآداب الغربيّة»، ويلحظ أنّ البازعي مسكون بقضية الآخر في كتاباته، وقد ظهر ذلك في كثير من منجزاته، إمّا تعبيرًا مباشرًا أو تعبيرًا ضمنيًّا، وربّما وهو بذلك أحسب واحدًا من القلائل الذين اشتغلوا في كتاباتهم بقضية الصراع بين الشرق والغرب، بل صار ذلك قلقًا في كتابات البازعي. ويتّصل بذلك إشاراته إلى المنهج كونه واحدًا من تمظهرات الآخر في ثقافتنا المعاصرة، ففي كتابه:» ما وراء المنهج؛ تحيّزات النقد الأدبيّ الغربيّ، إشكالية التحيّز: رؤية منهجيّة ودعوة للاجتهاد...» يثير قضية خطيرة وهي أنّ المناهج الأدبيّة الغربيّة وفدت إلينا بخلفياتها الحضاريّة والفكريّة؛ ممّا يجعل التماهي معها والأخذ بها أمرًا عسيرًا، وتلك قضية يطول الحديث عنها. وللبازعي اتجاهات عديدة في قراءاته الموزّعة بين أدب الكولونيالية والحداثة والعولمة، فضلًا عن مقارباته بين تراثنا العربيّ ومتشابهاته في الغرب، وأكاد أجزم أنّ الكتابة عند البازعي مشروع لم يكتمل بعد؛ وبهذا فيمكن أن نعطيه لقب مدرسة؛ لما بدت فيه من اتجاهات جديدة في الكتابة والتأليف، وأطروحات نقديّة وفلسفية، ميّزت ذاته عن الآخرين، فهو لم ينزلق في أرضية الغرب اللزجة، كما لم يتجمّد في قوالب الكلاسيكيين، وإنّما كان قوامًا بين ذلك، فقد أخذ من ثقافة الغرب بقدرٍ لم يفسد به أصالته العربيّة؛ فمن ثم لم يكن غريبًا أن يقارب بين «البحتري وييتس» في دراسة بعنوان «الذات وحضارة الآخر»، وفي ذلك يتّخذ البحتري رمزًا للذات العربيّة. إنّ الحديث عن أثر الآخر أو ثقافة الغرب بعامة في اتجاهات الكتابة عند البازعي لذو شجون، آمل أن أناله بالدرس المفصّل بإذن الله مستقبلاً. البازعي يكتب بوعيٍ، ويدرك قيمة ما ينجزه، ولعلّ ما يؤكّد هذا ما ورد في كتاب «دليل الناقد الأدبي» الذي يشترك فيه مع د.ميجان الرويلي، فتبدو الثقة واضحة في عتبة الإهدا ء الذي نصّه»إلى الحركة النقدية في العالم العربيّ»، فهو لم يهد مع صاحبه مؤلفهما إلى الحركة النقدية في العالم العربيّ إلا ثقة منهما بأنّه منجز يمثّل إضافة حقيقيّة للوسط النقدي العربيّ آنذاك، ولا غرو في ذلك بما أنّه يقدم إضاءة ضافية لأكثر من خمسين مصطلحاً وتياراً نقدياً معاصراً، تأصيلًا وتقعيدًا وتأطيرًا،؛ فمن ثمّ ما فتئ هذا الدليل عدة لا يستغني عنها باحث في الأدب والنقد. إنّ أدقّ تشبيه لمنجز البازعي أنّه كالبستان الذي يضمّ أصنافًا من الورد والأزاهير والرياحين، فتحلق في منجزه ما بين تراثنا العربيّ مع طرفة والبحتريّ، وبين تراثنا الشعبي وشعرنا النبطي وصحرائنا الحانية، وبين الحداثة ومعطيات العولمة وقضايا المنهج، وغير ذلك، من أطروحاته العميقة في أجناس الفنّ المختلفة ما بين شعر ورواية وقصّ وسينما. البازعي موسوعة جمعت نفائس الشرق والغرب، أسعفته في ذلك ثقافته المزدوجة العربية والغربيّة؛ إذ هضم تراث الشرق، والتهم حضارة الغرب، فجمع بينهما في بوتقة واحدة، فأستطاع بذلك أن يضيف إلى المكتبة العربيّة منجزًا يغري بالبحث والدرس، أرجو أن تتاح لي فرصة وافرة لأمتاح من هذا البحر الخضم. وحسبك من لهيب الشوق أني إلى علياء روحك في تفاني فأنت منحت معرفتي اتقاداً وأنت صببت في لغتي بياني # # # (2) واسمحوا لي أن أعود بالذاكرة إلى عام 1403ه. كان الدكتور البازعي للتو عائداً من بعثته الدراسية في أمريكا وحاصلاً على شهادة الدكتوراة في موضوع «الاستشراق الأدبي في الأدب الأنجلوأمريكي في القرن التاسع عشر»، وبعد سنتين وتحديداً في 10/7/1405ه يستضيفه نادي جدة الأدبي في محاضرة نقد/ أدبية فيختار موضوعاً حيوياً ومعاصراً وحداثياً (بامتياز) وكان عنوانه «النموذج العبراني في الأدب الأمريكي»، وكنت أحد الحاضرين والمستفيدين من كم المعلومات الثرية التي قدمها ليلتئذ، ولعل ما بقي في الذاكرة منها وأثرها عليّ فيما بعد يبين قيمتها المعرفية والنقدية والفكرية التي قدمها المحاضر في ثوب بديع من اللغة البسيطة والأسلوب الشائق، والروح العلمية المعرفية. أذكر أن محاضرته كانت تدعو – فيما تدعو إليه – إلى ضرورة الامتزاج الحضاري والثقافي وأن زمن الممانعة لا يجدي فالحضارات تتنامى وتتلاقح وتتواصل – ونحن في أمس الحاجة إلى التواصل مع تلك الحضارات الغربية. أذكر هنا جيداً لأنني (آنذاك) مهتم بالدراسات الاستشراقية فأنا للتو متخرج من مرحلة الماجستير في التاريخ الحديث ومن ضمن اهتماماتي القرائية المكون الاستشراقي في الثقافة العربية!! وهذه المحاضرة أضافت إليَّ بعداً جديداً ومفيداً في التعالق الحضاري والثقافي بين العرب والغرب كانت نتائجه – على المستوى الشخصي – محاضرة قدمتها في منتدى جماعة حوار بنادي جدة الأدبي مساء يوم الثلاثاء 1 رمضان 1406ه بعنوان: «العرب والغرب/ قراءة في دينامية التعالق التاريخي»(1). ومحاضرة قدمتها ضمن الموسم الثقافي في كلية التربية للبنات في جدة صباح يوم الثلاثاء 21/11/1427ه بعنوان «العلاقات بين الشرق والغرب/ حوار أم صراع». ثم ورقة عمل قدمتها في ملتقى نادي تبوك الأدبي عام 1431ه بعنوان: «الاستشراق والاستغراب/ قراءة في سجال الخطابات الثقافية». وكذلك قدمت برنامجاً إذاعياً في إذاعة نداء الإسلام بعنوان: «معالم وآفاق.. في عالم الاستشراق» عام 1431ه. أذكر ذلك لأقول: إننا أمام شخصية ثقافية ملفتة للنظر، منتجة، ومحفزة على التواصل والاستفادة، تعطي وتقدم كل جديد.