تعاني أفغانستان من جراح حروب كثيرة طاحنة استمرت على مدى 23 عاماً بداية بالاجتياح السوفيتي ثم الحرب الاهلية التي أعقبته وبعدها نزاع مسلح استمر خمس سنوات بين تحالف الشمال وحركة طالبان أخيراً القصف الامريكي لطالبان وتنظيم القاعدة والى جانب هذه الحروب المدمرة التي أدت الى تشريد خمس سكان البلاد وتدمير الطرق والمطارات ومنشآت البنية التحتية هناك معاناة خمس سنوات من الجفاف والمجاعة وسلسلة من الزلازل والفيضانات والفوضى المدنية. كارثة انسانية حقيقية تعيشها هذه البلاد التي عانت طويلاً من اهمال المجتمع الدولي لها حيث ارتفعت معدلات الفقر والضعف والمرض والوفاة فيها عن أي وقت مضى فطبقاً للاحصاءات الصادرة عن الأممالمتحدة تصل نسبة الوفيات بين الاطفال الى 149 من أصل ألف وهي أعلى نسبة في العالم كما ان واحداً من كل 5 أطفال يموت قبل الخامسة ومتوسط الاعمار 41 سنة ولا يتعدى 47عاماً للرجال و45 عاماً للنساء وتشير هذه الاحصائيات أيضا الى ان 32% فقط من البالغين تعلموا القراءة والكتابة و39% من الاولاد و3% من البنات يتلقون تعليماً ابتدائياً، وفي حين تهدد المجاعة آلاف الافغانيين بالموت يحصل 6% فقط من السكان على مياه الشرب كما ان هناك طبيباً واحداً لكل 50 الف شخص. ويقول خبراء الاممالمتحدة ان حوالي مليار دولار على الاقل يجب توفيرها سنوياً لمجابهة احتياجات الغذاء لستة ملايين افغاني يعتمدون على المعونات الغذائية في بلادهم المدمرة واعادة اعمار المشاريع الزراعية وبناء المؤسسات التعليمية واصلاح البنية التحتية المدمرة، فالعاصمة كابول ثلثها خراب ولا ينعم سوى بعض المدن بخدمات الهاتف والكهرباء والماء والنشاط الاقتصادي معدوم تماما ويشير الخبراء الى ان الرقم المناسب لتغطية احتياجات افغانستان يتراوح بين 7 و10 مليارات من الدولارت كل خمس سنوات. وحذر مسؤولو المساعدة الانسانية من تعرض 5،1 مليون افغاني للمجاعة مع اشتداد القصف الامريكي بينما كشفت دراسة امريكية حديثة عن ان عدد الضحايا من المدنيين الافغان نتيجة لعمليات القصف الامريكي وصل الى أكثر من 3800 مدني افغاني قتلوا منذ السابع من اكتوبر الماضي وهو يفوق عدد ضحايا الهجمات الانتحارية التي تعرضت لها الولاياتالمتحدة في 11 سبتمبر 2998 شخصا. ألغام ولاجئون مشكلة اخرى تواجهها افغانستان وهي الالغام فالاراضي الافغانية مزروعة بنحو 10 ملايين لغم تصيب الزراعة بالشلل وتهدد حياة البشر حيث تقتل او تعيق نحو عشرة اشخاص يومياً ويقدر البنك الدولي ان عملية تخليص البلاد من الالغام الارضية تتكلف وحدها 500 مليون دولار. هذا الى جانب أعداد كبيرة من الصواريخ والقنابل والاجسام التي تحتوي على مواد خطرة والتي لم تنفجر خلال القصف الجوي الامريكي والقتال مع طالبان والقاعدة وهذه القنابل والصواريخ مازالت منتشرة في مناطق كثيرة من افغانستان وتهدد حياة الناس بالخطر أيضاً. والمشكلة الأكبر التي تهدد المجتمع الافغاني ايضا هي عودة اللاجئين فهناك 6 ملايين لاجىء أفغاني تتوقع البلاد عودتهم اضافة الى توطين أكثر من مليون ممن تشردوا في الداخل، ورغم تحذيرات الاممالمتحدة للاجئين بأن بلادهم ليست مستعدة بعد لاستقبالهم الا ان الالاف منهم بدؤوا يعودون بالفعل، وفي حين ترى مفوضية اللاجئين ان العودة تعد علامة ايجابية وتصويتا بالثقة من قبل الافغان الذين يعيشون بالخارج لصالح الاوضاع التي استجدت على البلاد ورغم ان اعداد العائدين ماتزال في حدود يمكن استيعابها الا ان الخبراء يخشون ان تبلغ أفواج العائدين مرحلة التدفق الاجتماعي السريع في ظل الوضع المتأزم من حيث ندرة الاغذية والمأوى ومتطلبات الحياة الاساسية بالنسبة للافغان الذين بقوا داخل البلاد وهو ما يجعل هذه العودة تمثل تهديداً قد يجعل الوضع السيئ للبلاد أكثر سوءاً بكثير. ويخشى المسؤولون الافغان أن تتأثر الحكومة الانتقالية الجديدة من جراء العودة المفاجئة للاجئين بأعداد ضخمة خاصة وان الحكومة ليست لديها المقدرة أو الموارد لاستقبال مئات الالاف من العائدين وهو ما دفع المتحدث باسم الملك السابق ظاهر شاه للقول بعد ان ناقش الامر مع كرزاي، اذا عاد هؤلاء بسرعة وبأعداد كبيرة فإن الحكومة يمكن ببساطة ان تسقط.. ومع كل هذه المعاناة والاوضاع المتدهورة فان الحكومة الافغانية تؤكد دائما ان المال هو العقبة الكبيرة امام تلبية الاحتياجات التي يتطلبها المجتمع الافغاني، ووفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي فان موازنة الحكومة الافغانية للعام الماضي كانت تعادل فقط 82 مليون دولار في حين قدرت تكاليف خطة الاعمار بحوالي 9 بلايين دولار خلال الاعوام الخمسة المقبلة. الجهود الدولية مع تدهور الاوضاع في افغانستان بدأت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها في الاستعداد لتنفيذ المهمة السياسية الصعبة المتمثلة في وضع الخطط اللازمة لاعادة بناء واعمار افغانستان تحقيقاً لوعود المجتمع الدولي لها بذلك أثناء الحرب.. وبدأت العملية بعقد اجتماع على مستوى عال في واشنطن تبعته عدة اجتماعات في البيت الابيض وباكستان وألمانيا. وعقد مؤتمر برلين الذي شارك فيه ممثلون عن 15 دولة ما نحة تعرف باسم «مجموعة دعم افغانستان» الى جانب مندوبين أفغانيين ووفود منظمات غير حكومية عقب مؤتمر بون الذي أعلن فيه تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة ولم يكن مؤتمر برلين معنياً بتحديد حجم الدعم واتخاذ اجراءات فعلية بصدده وانما كانت مهمته الاساسية تبادل الآراء بين الجهات المانحة وتنسيق الجهود الدولية في هذا الاتجاه فيما بدا وكأنه رسالة الى الشعب الافغاني بأن العالم مستعد لمساعدتهم واعادة بناء وطنهم. وفي الحادي عشر من ديسمبر الماضي عقد ممثلو وكالات الاممالمتحدة والحكومة اليابانية و27 منظمة غير حكومية افغانية وحوالي 50 منظمة غير حكومية يابانية مؤتمراً يتناول مسألة اعادة اعمار افغانستان بهدف صياغة مسودات اقتراحات تعرض على اجتماع للدول المانحة للتبرعات يعقد في طوكيو في 21، 22 من الشهر الجاري ويتناول المؤتمر المزمع عقده كل القضايا المتعلقة بمسألة الاعماربما في ذلك المرأة والتعليم والزراعة وازالة الألغام. وتوجهت مفوضة الاممالمتحدة السابقة للاجئين ساداكو اوغاتا الى افغانستان لاستطلاع الوضع قبل ترؤسها لمؤتمر طوكيو القادم وقامت أوغاتا بهذه المهمة كمبعوثة لرئيس الوزراء الياباني في شأن القضية الافغانية لتحديد الاحتياجات الحقيقية لافغانستان ويتوقع خبراء دوليون ان تتكلف عملية اعمار افغانستان ما بين ستة مليارات و25 مليار دولار. ومن المقرر ان يركز مؤتمر طوكيو الذي سيعقد تحت رئاسة كل من اليابان والاتحاد الاوروبي والسعودية وامريكا على برامج اعادة الاعمار ومساهمة الدول المانحة في هذا المجال. ومن ناحية أخرى استقبلت العاصمة الافغانية كابول مع بداية تولي الحكومة الانتقالية الجديدة القوة الدولية متعددة الجنسيات والتي يأتي على رأس مهامها حفظ الامن والسلام والاستقرار في البلاد وحماية الحكومة المؤقتة الجديدة والمدنيين وعمال الاغاثة واتفق على ان تتولى بريطانيا التي تشارك بنحو 1500 جندي قيادة هذه القوة لمدة ثلاثة اشهر ويتوقع ان يصل حجم هذه القوة الى خمسة الاف جندي.. ومن المهمات التي ستناط بهذه القوة أيضا التنسيق بين السلطة الافغانية والاممالمتحدة ومعاونتهما فيما يتعلق بالقضايا الامنية بالاضافة الى المساعدة في انشاء وتدريب جهاز امن افغاني جديد وتلعب هذه القوة بهذه المهمات دوراً أساسياً في عملية اعادة الاعمار وتقوم بحماية المنظمات القائمة عليها وتوفر لها الجو المناسب للعمل والانجاز. وعلى الجانب الآخر سارعت دول عديدة الى تقديم المساعدات المادية والغذائية الى افغانستان فقد اعلنت باكستان تقديم 100 مليون دولارلافغانستان من اجل إعادة الاعمار واعدت اليابان مشروعاً لدعم افغانستان يقضي بتقديم مساعدات قيمتها 11،9 مليون دولار تخصص لمنع اندلاع صراع وبناء سلام فيها وكذلك بناء مدرسة مقابل تسليم 200 قطعة أسلحة خفيفة وكانت الاممالمتحدة قد تمكنت من جمع ما يزيد على 500 مليون دولار لمشروع الاغاثة العاجلة في افغانستان وساهمت امريكا بنحو 80% من الموارد التي قدمها برنامج الغذاء العالمي ودعا الرئيس بوش الاطفال للتبرع بدولار واحد لصالح الطفل الافغاني، وسلم برنامج الغذاء العالمي افغانسان 803،115 أطنان من المواد الغذائية خلال شهر ديسمبر الماضي وهو ضعف ما قدمه لها في نوفمبر ويعتبر أكبر كمية توزع خلال شهر وفي بلد واحد منذ 40 سنة وتؤمن هذه الكمية الغذاء لستة ملايين شخص طوال شهرين. محاذير ومخاوف التصريحات والوعود والجهود الدولية تؤكد ان هناك رغبة واستعداداً دولياً لاعادة بناء واعمار افغانستان بالفعل ولكن هناك فارقاً كبيراً بين ما يريده المجتمع الدولي وما يستطيع تحقيقه بالفعل حيث تواجه عملية الاعمار الكثير من الصعاب والمشكلات فقد رهنت الدول المانحة تقديم المساعدات بالتزام الفصائل الافغانية بالهدوء والسلم في حين ان شبح الفتن الداخلية والحرب الاهلية بين القبائل والميليشيات مازال قائما كما ان جهود الاغاثة وبرامج الغذاء العالمي يواجه اضطرابات ومشاكل وصعوبات كثيرة تعوق وصول هذه المساعدات الى الافغان الى جانب وجود اطماع ومصالح لدول كثيرة في افغانستان.