قطر منذ أن انقلب حمد على والده لا تستطيع أن تتوقع قراراتها، ولا ردود أفعالها على قضية ما، وزادتها العزلة، والمقاطعة، غرائبية في قراراتها، فلا الخارج، ولا أيضا القطريون في الداخل يمكنهم التنبؤ بما سوف تكون ردود أفعال السلطات الحاكمة في تلك الدويلة. ففي الغزو التركي لسوريا كان كل العالم بين منزعج من قرار أردوغان هذا، وبين معارض شاجب له بأقسى العبارات، إلا دويلة قطر، ومعها شبه دولة هي الصومال المثخنة بالعمليات الإرهابية فقد ضربت بعروبتها وسيادتها وجذور انتمائها عرض الحائط وأصبحت تابعاً ذليلاً مسلوب الكرامة والإرادة لأردوغان الذي يحكم تركيا. ولا أعتقد لوهلة أن الشعب القطري يمكن أن يخلع عروبته، ولعيون هذا الغازي أن يتأترك. غير أن ممارسات حكام قطر، ومغامراتهم العبثية أدخلتهم في هذا النفق، الذي يزداد ظلمة مع مرور الأيام. يقول المحللون إن قراراً كهذا فرضه أردوغان فرضاً على القطريين، وليس في مقدورهم إلا الاستجابة لما يفرضه هذا السلطان، الذي تحمي كتائبه العسكرية قصورهم، والقطريون بسبب مقاطعة أغلب الدول العربية لهم، يعلمون يقيناً أنهم لو لم ينصاعوا إلى أوامر أردوغان، سيتركهم في المنطقة بلا حليف ولا حامي، أشبه ما يكونون بالقشة التي تتقاذفها الرياح في يوم عاصف.؛ لذلك جلبوا معهم (شبه دولة) كي لا يكونوا هم منفردين الرافضين للإجماع العربي. وأكاد أجزم أن موقف الإجماع العربي الشاجب للغزو التركي سيترتب عليه مواقف أخرى، ولن تستطيع قطر مواكبة هذه المواقف وتداعياتها، الأمر الذي يجعلها مع الوقت، في مآزق تفرض عليها وهي راغمة العودة إلى نقطة الصفر، والتخلي عن العناد والمناكفة، لسبب بسيط فحواه أن قضية الغزو وما سوف يتمخض عنها من مستجدات أكبر من قدرتها على التحمل، إذا جرت الرياح عكس ما كانوا يتوقعون. ومثل هذه القضايا لا يستطيع أحد أن يتنبأ بتطورات سياقاتها، لا سيما وأن رهان القطريين هو على أردوغان كتوجه، وعلى تعاطفه مع جماعة الأخوان؛ وغني عن القول إن أردوغان في الداخل التركي يواجه تحديات حقيقية، ليس من مناوئيه فحسب، وإنما من رفاقه الذين كانوا يزاملونه في حزبه، بل هناك من يذهب إلى أن عملية الغزو هذه كانت في دوافعها بسبب شعور أردوغان أن شعبيته انخفضت، ونجمه خبا، فأراد من هذه (المغامرة) أن يستعيد دور البطل، لا سيما وأن ثقافة الأتراك الموروثة ترفع من مقام أبطال الحروب. كما أن قطر كانت هي (رائدة) ما يسمونه الربيع العربي، وقد مُنيت فيه بهزائم قاسية، حتى تونس التي نجحت فيها ثورة الربيع العربي، اتخذت موقفاً مناوئاً لقطر، وشجبت الغزو التركي لسوريا كما جاء في كلمة وزير الخارجية التونسي. ومهما يكن الأمر فقطر في تمردها على الإجماع العربي سيضعف بلا شك من قيمتها ونفوذها في المنطقة، ويزيد من عزلتها، والأهم والأخطر من ذلك أن القطريين الذين كانوا يتباهون بالهوية العربية، سيشعرون حتماً بالخزي والعار، فليس ذلك من قيم العرب المأثورة والتي هي من أساسيات هويتهم. إلى اللقاء