أضم مجموعة من الكتب إلى صدري لأحاول حمايتها من قطرات المطر المتساقطة.. وأحث الخُطى نحو أقرب سيارة أجرة حتى تأخذني إلى الفندق الواقع في أحد أحياء لندن، دخلت إلى المكتبة الواقعة في شارع «ادجوير رود» بحثًا عن كتاب واحد، لكن كلمة السر التي همست بها البائعة في أُذني.. «ممنوع في السعودية» جعلتني أشتري خمسة كتبٍ إضافية، حاولت أن أخلق وقتًا حتى أستطيع قراءتها كلها في الأيام القليلة الباقية، لأنني لن أجرؤ على أخذها معي حين أعود، إدخال كتب ممنوعة كان مغامرة غير محمودة العواقب. عادت لي هذه الذكرى البعيدة التي ترجع إلى تسعينات القرن الماضي، عند مشاهدتي «لتغريدة» يشكر فيها أحد الشعراء وزارة الثقافة على فسح ديوانه بعد طول منع، و»تغريدة» مشابهة لكاتب كويتي تم السماح بتداول كتبه التي تتحدث عن تاريخ الكويت بعد منعها لفترة طويلة في بلده الأم! أن تقرأ ... يعني أن تحلق في آفاق لا حدود لها... يهبك كتابك حواس جديدة ... تجعلك تدخل إلى أعماق النفس ... فتدرك التفاصيل ... وتتقمص الإحساس ... ترى وتسمع وتلمس ... تداعب أنفك الروائح.. وتنتقل إلى عالم أبدعه الكاتب ... أرى أن الكتاب يتفوق على الوسائل المرئية في العديد من الجوانب ... فهو يطلق العنان لخيالك ... يحفزه ويتحداه ... يبث في وجدانك مشاعر تحياها وكأنها مشاعرك أنت ... يجعلك ترى الأشخاص من الداخل قبل أن تراهم من الخارج ... يحملك إلى مدن جديدة ... تقابل أناسًا مختلفين.. تحب وتكره.. تضحك وتبكي.. تتعرف على أفكار جديدة... تبني معتقدات... وتهدم أخرى. الآن، تخيل أن هناك من يفرض عليك ما تقرأ! أو الأصح أن نقول ... يمنعك من أن تقرأ ما تريد ... الرقابة على الكتب من الموضوعات التي طالما أثارت الجدل ... فالكثير ممن يؤمنون بحق القارئ في حرية الاختيار يعارضونها... بالإضافة إلى الكتّاب الذين منعت كتبهم بالطبع... وفي المقابل يوجد من يحبذ فرض القوانين الصارمة على نوعية الكتب المتاحة ... ويعتقد أن العقل البشري قاصر، يحتاج إلى من يبعد عنه الخيارات السيئة ويقوم بدور الوصي عليه حتى يسير في المسار الصحيح ... آمنت دومًا بحق القارئ في الاختيار، وأن الوصاية عليه لن تؤدي إلا إلى رواج الكتب المدرجة على قائمة المنع، فأنا على سبيل المثال كنت أفضل قراءة الكتب التي يصعب الحصول عليها أكثر من تلك المتوفرة، وإنصافًا فقد تنوعت بين جيد ورديء. فبعضها كانت تستحق العناء الذي بذلته في سبيل الحصول عليها، والبعض الآخر لم يكن يستحق القراءة. على الرغم من إيماني التام بأن إتاحة الحرية حق مشروع للقارئ والكاتب على حد سواء، إلا أنني أتمنى رفع معايير دور النشر، فمثلًا، من غير المقبول أن نجد على رفوف المكتبات كتابًا أدبيًا يعج بالأخطاء الإملائية، أو كتابًا علميًا لم يتم التحقق من صحة نظرياته. التغيير الإيجابي الذي يسابق الضوء في سرعته أثرى المكتبات بكتب لم تكن لترى النور. اليوم... كلما لفت انتباهي عنوان كتاب، استطعت اقتناءه بسهولة، سواء مباشرة من المكتبات أو بواسطة مواقع إلكترونية. أعتقد أن الوصاية على القارئ العربي في طريقها إلى الزوال، وهذا ما سيدفعه لأداء دوره الفعّال في التعجيل بنهاية الكتب الرديئة، ومنح الكتب القيمة.. الخلود إلى الأبد. ** **